Tatimmat Bayan Fi Tarikh Afghan
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
Genres
ومن القبائل من يقتات بالذرة، ومنهم من يقتات بالدخن، ومنهم من يقتات بالشعير، ومنهم من يقتات بالبر، وغالب أدمهم الأقط واللحم، وفي زمن الشتاء يصنعون منهما طبيخا، ويخبزون خبزهم غالبا بالصباح، وفي الأسفار يخبزونه بمصبأ محماة يضعونها في قطعة من الخمير، ويملئونها نارا حتى تستوي ويسمون هذا الخبز «كاك». وقلما يوجد البصل عند القبائل كقبيلة «يوسف زائي» و«أجيك زائي» فتجدهم إذا رأوا أجنبيا يتملقون ويتذللون له قائلين: «عندنا مريض فنرجوك أن تتفضل عليه ببصلة عسى أن يكون شفاؤه فيها.» وإن قبيلة أجيك زائي كثيرا ما يتعرضون للقوافل إرادة النهب، ويسدون طريقها، ويقابلونها بالأسلحة النارية والآلات الحادة، فإذا لم يمكنهم الغلبة عليها صالحوها بأقة أو أقتين من البصل، واتفق أن محمد أعظم خان بعدما ترك البلاد الهندية وفد على قبيلة يوسف زائي، ونزل في خيمة خانها فقام الخان مسرعا وعلى وجهه لوائح الفرح وإذا به قدم للأمير بصلة.
وكل الأفغانيين يعتقدون بقبور الأولياء، ويذهبون لزيارتها، ويذبحون الذبائح لديها، وبعضهم تغالى في اعتقاده بها، حتى إن رجلا من قبيلة الأفزيدي المشهورة بالسلب والنهب لقي شخصا فأراد أن يسلبه، فاستجار بالله وبالرسول، فلم يتركه ثم استجار بتربة شيخ يسمى «منلايار محمد» فاضطرب ذلك الرجل خوفا وقال: «جل جلاله أوقعتني في الكفر.» وترك سبيله، وغالب القبائل وسكان الأودية والقرى يميلون إلى اللعب والطرب، وفي الأزمنة الخالية عن الشغل يجتمعون على هيئة دائرة ويرقصون الرقص الموصوف سابقا، ويلعبون بالخيل والسيوف، وساكنو الجبال الباردة منهم «كخست» و«كرم» أغلبهم أبيض اللون، والساكنون في البلاد الحارة كقندهار وجلال آباد سمر الألوان.
ومن العوائد الدينية الجارية عندهم أنه إذا مات أحد منهم يخرجون دراهم ودنانير من ماله يعطونها للفقراء والمساكين من العلماء باسم إسقاط الصلاة، ومن أهل القرى والمدن من له شغف عظيم بتعلم العلوم كالصرف والنحو، والمعاني والبيان، والفقه والأصول، والتفسير والحديث، والمنطق والفلسفة، والهيئة والهندسة، والحساب، ويتعلم بعض منهم العلوم الطبية، وبعض من أهل القرى يكتفون بتعلم الفقه بدون استحصال العلوم العربية، والعامة يتكلفون بأرزاق الطلبة مدة الطلب بطيب نفس فيخصص كل واحد قسما لطلبة العلم مما هيأه لغذائه أو عشائه ثم يطوف بعض صغار الطلبة على الدور لجمع ما أعد لهم، وأهل بعض الجهات لا يجوزون تناول ما خصص للطالبين إذا غفل الموكل بالجمع عن أخذه، وللعلماء في تلك البلاد شأن عظيم وسلطة تامة ونفوذ كلمة بين الأهالي، بحيث يخشاهم الكبراء والعظماء والأمراء حيث إن قلوب العوام في قبضتهم. ولهم أن يثيروا الشعب على أي أمير أو كبير متى شاءوا، والكثير منهم يستنكف من ملاقاة الأمراء ويتنزه عن قبول هداياهم وإن كان يقبل هدايا غيرهم من الناس، ويستكبر عن زيارة رجال الحكومة حتى إن أمير البلد لو زار أحدهم لا يرى من نفسه أن يتنازل لمقابلة زيارته بزيارة مثلها، وبسبب سلطتهم هذه قد يصدر عنهم أعمال مضرة يأباها الشرع والعقل، إذ يحكمون بكفر بعض الأشخاص أو بفسقه إذا رأوا منه ما يخالف أهواءهم، بل قد يكفر بعضهم بعضا حبا للانفراد بالرئاسة، خصوصا في هذه الأزمان الأخيرة بعدما انتشر مذهب الوهابية في الهند، فإن من كان أنقذ سلطة إذا رأى نجاحا لمن هو دونه يحكم بأنه وهابي، حتى يسيء إلى اسمه.
ويلزمون الحاكم بإجراء العقوبات الفظيعة على من حكموا عليه، ومن ذلك ما وقع في قندهار، وهو أن أحد كبار العلماء حكم بكفر الشيعة فثارت عليهم قلوب الأهالي، وقامت الحرب بينهم، وسفك فيها عزيز الدماء، ونهبت البيوت والدكاكين، وكذلك ما وقع في كابل وهو أن بعض علمائها حكم بكفر الشيعة، ووقعت بسببه حرب امتدت أشهرا بين السنيين والشيعة «القزل باش»، والبعض منهم يتسم بسمة الطريقة، ويتوسد وسادة الإرشاد، وهؤلاء يتخذون مساكن، ورباطات للزائرين وغيرهم، ويقدمون لهم الأطعمة في أوقاتها، ووجاهتهم ونفوذ كلمتهم، وسعة نفقاتهم، بحسب ما يأخذونه من الذين يلوذون بهم باسم الهدايا والنذور، ومنهم من يتمكن بحسن سلوكه وظاهر صلاحه من قلوب العامة، ويحصل له الكلمة العليا والنفوذ التام، ويقصده ألوف من الناس من كل فج، فيقدم لهم الموائد مدة إقامتهم لديه، ولا يخلو رباطه في جميع الأوقات من مئات من الأطعمة والأشربة والألبسة، ومنهم من يتفرد بالحكم في بعض أضلاع البلاد الأفغانية، ويتمتع بضلعه، ويحامي عن حوزته، ويدفع من يهاجمه من جيرانه، ويهجم في بعض الأوقات عليهم محتجا في كل ذلك بالأدلة الدينية، ومن هؤلاء عبد الغفور المشهور «بأخند صوات» الذي كان متسلطا على «صوات» و«بنير»، وكان معقدا في جميع البلاد الأفغانية على العموم، بل وفي بلاد الهند وبخارى، وكان فقيها زهدا متقشفا، مخشوشنا في معيشته، يتعيش من الذرة والدخن الجبليين، وألبان معز لا ترعى إلا أعشابا جبلية، وكان عنده على الدوام عدد وافر من المريدين، وكثيرا ما شن الغارة على الإنجليز، وانتصر عليهم، وكان ينشر في البلاد منشورات يدعو بها أهلها إلى الجهاد فيجتمع إليه ألوف من الناس، وكان يؤيده ويساعده على هذا جماعة من الوهابية من الهنود أصحاب السيد أحمد الوهابي الذين هاجروا من الأقطار الهندية خوفا من المسلمين السنيين وتوطنوا في صوات وبنير.
وهذا الشيخ «أخند صوات» كان إذا وفد إليه الزائرون وأبناء السبيل يقربهم على حسب أحوالهم، وما منحهم الله في بلادهم من جاه وثروة أو ضعة وفقر، وكان يقدم إلى الأمير ما يليق به، وإلى الفقير الرائب والبصل والخبز اليابس، وكان إذا سمع أن شيخا قد ارتفع في البلاد، أو جلس مجلس الإرشاد بادر بالحكم عليه بالتوهب، حتى تنفر منه القلوب، وتنزل درجته من اعتبار العامة، وقد قتل بعض المشايخ بسبب حكمه هذا، وأشهر بعضهم على أشنع هيئة وأقبح صورة.
وجميع علماء الأفغان يحرمون شرب التبغ بجميع أنواعه كعلماء بخارى، ولكنهم لا يتعرضون لمنع العامة عنه إلا «أخند صوات» فإنه يرسل من لدنه الرسل والمبعوثين إلى البلاد الأفغانية؛ ليمنعوا الناس من شرب الدخان، ويكسروا الشبقات والنارجيلات إذا ظفروا بها، ويحرمون أكل ذبيحة الشيعيين، مع أنهم يحللون أكل ذبائح اليهود والنصارى، زاعمين أن الشيعة قد ارتدوا، والمرتد لا تؤكل ذبيحته بخلاف أهل الكتاب، وجميعهم يحمل على عاتقه حراما غليظا أو رقيقا على حسب الفصول لأجل الصلاة، بل ذلك عادة غالب الأفغانيين، وجميعهم يظهرون التعصب للدين، ويبدون الغيرة على الأحكام الشرعية والاعتقادات، إلا من كان منهم على منصة الإرشاد فإنه قد يوجد فيهم التساهل في الأمور الدينية، ولطلبة العلم لما يرون من احترام العامة لهم بعض تعد على الناس، حتى إن طلاب «نكنهار» يتحزبون، ويتسلحون بالقرابينات، ويهجمون على أهل القرى، إذا رأوا أدنى إهانة منهم لأحدهم، ولا ينتهون عن التطاول، إلا أن يقدم الأهالي كفارة عما فرطوا في جانبهم، وكثير من طلاب تلك النواحي لا يبالون بالصلاة والصوم، ولهم احتفالات في بعض أيام السنة يدعون إليها من الطلبة وغيرهم ما يزيد على ألف شخص، ويلزمون أهل القرى بتهيئة مأدبة فاخرة، ثم يأتون بأمرد جميل، ويلبسونه برقعا وأساور، ويجلسونه على كرسي ويلقبونه السلطان فيكون له الحكم مدة هذا الاحتفال يأمر بضرب من يشاء ويغرم من يشاء، وحينما يريدون الانفضاض يجيء المسمى بالوزير منهم بين يدي المجعول سلطانا، ويقول له: «إن الجند قد تمردوا على السلطان؛ نظرا لانقطاع الراتب عنهم.» فيسفر ذلك الأمرد عن وجهه، ويضع جانبا من النشوق في راحته، ويبسطها، فيتوارد أهل الاحتفال عليه، وكل يتناول شيئا من هذا النشوق، وبهذا ينفض الملعب. واللغة الأفغانية في غاية الخشونة، وحروفها الهجائية أكثر عددا من حروف اللغة الفارسية، وأحسن من يتكلم بها أهل مدينة قندهار، وتوجد مؤلفات قليلة بهذه اللغة نظما ونثرا.
ومن الشعوب الموجودة في البلاد الأفغانية شعب يقال له «تاجيك» ومنه غالب سكان مدينة هرات وضواحيها، ومدينة كابل والقرى الواقعة بينها وبين بلخ، وكذلك أهل مدينة قزنة وبعض القرى المجاورة لها، ولقمان وقصبة لقمان، وبعض قرى قندهار، ومنه أيضا غالب سكان المدن البلخية، وهذا الشعب ذو جد واجتهاد، وله حرص على تعاطي الحرف والصنائع كالحياكة والنجارة والحدادة والبناء، وغيرها، وعلى معرفة فن الزراعة وتربية الأشجار والكروم، وله عناية بالتجارة، والساكنون منه في قوهستان كابل قد طبعوا على الشر والفساد وحب القتال وسفك الدماء، فترى الحرب قائمة فيما بينهم أبدا لا تخلو منها قرية مع أخرى، ولا بيت مع آخر، ومن ثم تجد رجالهم غالبا قد اتخذوا لهم بروجا يقيمون بها بأسلحتهم خوفا من الغارات.
وبالجملة إن هذا الشعب أحسن حالا من الأفغانيين؛ فإنه أدرى منهم بالإدارة المنزلية، وأنظم في زيه وملبسه، ويمتاز عنهم بمراعاة النظافة، بل يفوقهم دراية وإدراكا، وفهما وذكاء، غير أنه قلما يوجد فيه عالم أو من يميل إلى تحصيل العلوم على خلاف الأفغانيين. ومما اشتهر به سكان القرى من هذا الشعب إصابة المرمى، فهيهات أن تخطئ رصاصة أحدهم الغرض، ولهم صنف من طوال الخناجر يتقلدونها، وجل هذا الشعب سني على مذهب أبي حنيفة، ولا يوجد في هذا الشعب عصبية كما لا يوجد فيه أمراء، وغالبهم بيض الوجوه، ويعتمون بعمامة الأفغانيين نوعا.
ومن الشعوب أيضا شعب «هزاره»، ويسكن هذا الشعب في الجبال الواقعة في شمال قزنة الممتدة إلى شمال هرات، وأصله من الجنس المغولي كما يؤخذ من سيماهم، فإن بعيونهم ضيقا مع ميل لحاظها نحو الرأس، ولحاهم غالبا ليست إلا بعض شعرات نابتة في أذقانهم.
وبالجملة فإن تركيب وجوههم تركيب وجوه الصينيين والتتر الأصليين، وقد قال بعض المؤرخين إن هذه القبيلة من بقايا عسكر جنكيز خان، بل ادعى أنها كانت منذ ثلاثمائة سنة تتكلم اللغة المغولية، لكن من وقف على تمكنها من اللغة الفارسية، وعدم مزجها إياها بشيء من اللغة المغولية، مع مجاورتها للتركمان، وجنس الأزبك من الترك، يجزم بأنها استوطنت مواطنها هذه من قبل جنكيز خان بمدد مديدة، وهذه القبيلة لم تزل على الخشونة والتوحش، عريقة في البداوة إلى الغاية، على أنها تحسن صنع صنف من الجوخ يقال له «برك» وهو أجود أصنافه، وقلما يصنع نظيره في أوروبا، وجميعها ما عدا عمارة جمشيدي يلبسون قباء مشقوقا يتمنطقون عليه، لكن إذا كان القباء من برك فيجعلون أكمامه إلى المرفق، ومنها إلى الزند، ويتخذونها من أقمشة أخرى كالحرير وغيره، وفي فصل الشتاء يتخذون قلنسوة من القماش، وأما نساؤهم فيعتممن دائما، ويلبسن كالرجال قباء على الشكل المار ذكره، وأما الجمشيدي فلباسهم يشبه لباس مجاوريهم من التركمان والأويمق، وهو جبة تضرب إلى الكعبين ضيقة الأكمام قصيرتهما، وقلنسوة من الفراء تسمى «پاپاق» بالباء الفارسية، وهذه العمارة معروفة بالفروسية ومطبوعة على النهب والسلب وشن الغارة كجيرانها ومشهورة بالشجاعة والإقدام، وإصابة الغرض في المرمى كسائر أخواتها من قبيلة هزاره.
Unknown page