Tathir Lutus
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Genres
تنهدت فاندا. «قضيت مدة هناك، وأعجبني الكثير، لكني لم أستطع التواؤم هناك بشكل كامل.» ظلا لبعض الوقت في المؤتمر، يتجولان بين أروقة المعارض الصناعية، واستمعا لبعض الكلام يلقى في جلسة هنا أو هناك، لكن فاندا كانت غارقة في أفكارها، فلم تكن منتبهة بالقدر الكافي. يا ترى ما أخبار يوهانيس وبيترا في التشريح؟ لا بد أنهما انتهيا منه في هذه الأثناء. •••
وحين عادت هي وأندرياس إلى ماربورج في المساء أرادت فاندا التوجه إلى منزلها على الفور، أما كون أنها صاحبت أندرياس إلى منزله، فلم يكن لذلك علاقة بشاي اليوجي الذي وعدها بتحضيره لها من أجل أن يعوضها عن الإحباط الذي صادفته اليوم، بل الأرجح كان الدافع هو فضولها أن تعرف كيف يعيش، علاوة على ذلك أرادت أن تجد فرصة سانحة تطبق فيها نصيحة ماري كامبل وتسأله عن والده.
كان أندرياس يقطن في الضاحية الجنوبية. صعدا بيت السلالم الضيق من المبنى القديم حتى أعلاه إلى أن توقفت الدرجات. أنت ألواح خشب الأرضية بمجرد أن دلفا إلى العلية. استقبلهما دفء مريح، فخلعت فاندا معطفها وتشممت، فصعد إلى أنفها عبق توابل.
لم يقل سوى: «ناج تشامبا ... أصلي من الهند.»
وبسرعة سبقها ليشعل النور. كانت كل الأبواب المطلة على الطرقة مفتوحة عدا واحدا. وقع نظرها على ملصق لبيبيلوتي ريست. ساقا امرأة تتدليان بسعادة من مجموعة أوراق شجر متداخلة. كانت مجرد نعومة اللقطة كافية لإضفاء الإثارة على الصورة الفوتوغرافية. كانت الصورة تضيء الجدار ذي اللون الأحمر المحروق؛ درجة الطوبي التيراكوتا؛ لونها المفضل. أسفل الصورة طاولة يصل طولها بالكاد إلى الركبة يزين خشبها زخارف فنية، ارتفع عليها تمثال من البرونز في حجم هرة، يمثل نصف امرأة ونصف شاب في جلسة اللوتس، والمرأة رافعة يدها بالتحية. أشارت فاندا بحياء: «هل هي ربة؟» فعند قدميها طبق صغير به رمال منغرسة، بها أعقاب أعواد بخور لا تزال مشتعلة. ثمة امرأة تسكن هنا. كانت هذه هي فكرتها التالية، وظل فضولها معلقا بالباب المغلق. لماذا لم أمعن النظر على البطاقة التي إلى جوار جرس الباب؟ لم يكن ليفوتني أمر كهذا في السابق. لم تتدرب كفاية على مثل هذه المسائل. خرج الآن صوت نسائي من الغرفة التي دخل إليها أندرياس. «... لم ألحقه ... سأتصل ثانية ... قبلاتي» ... بدا الصوت متقطعا لكنه شاب وحيوي، ثم صوت رنين ماكينة. لقد كان صوت ماكينة الرد الآلي، فكرت فاندا بارتياح. انتظرت، ثم في لحظة ما أطل عند الباب. «هل تريد أن تغرس جذورا ما هنا؟» قالت فاندا، وأشارت بذقنها إلى التمثال. «هذه سيتاتارا.» قال أندرياس موضحا، «تارا البيضاء، وهي تعبر عن الحياة المديدة.» اختفى ثانية في غرفته، فتبعته فاندا.
رغم كبر حجمها فإن الغرفة بدت كئيبة لفاندا. كانت تحوي نفس السحر المنبعث من المكتبات الخاصة التي يعلو رفوفها التراب. كانت الجدران مغطاة بالكامل بالأرفف المكتظة بالكتب. سرعان ما عرفت أن الكثير منها ما هو إلا شرائط فيديو وسي دي ودي في دي. كان غطاء سرير قطني ملون ملقى بلا ترتيب ليغطي الفراش في ركن الحجرة، إلى جواره أجهزة استيريو. أنصتت فاندا إلى اللحن الثقيل نوعا ما الذي بدأ يملأ الغرفة. أغمضت عينيها. شعرت فاندا بغناء المطربة يسقط على جسدها مثل زخات مطر صيفي، في حين تغلغلت شكواها التي بدت مألوفة حتى نخاعها. شعرت بدفء جسده وراءها وبأنامله تمسد رقبتها برقة.
قالت هامسة: «مثل السفر البعيد ... ما هذا؟» «مادريديوس»، أعجبها وقع صوته. لم تتحرك وظلت تستمتع بالتلامس الرقيق، مدة بدت كالأبد. في وقت ما فتحت عينيها، وشدت ظهرها وتنهدت بمتعة. أتته نظرتها من بعيد حين تأملته. ثم سألت: «وأين الشاي؟» فأومأ معتذرا، وقال: «سيستغرق إعداده بعض الوقت، فلتأخذي راحتك حتى أنتهي.» ثم اختفى في المطبخ.
أخذت فاندا تمر بنظرها على الأرفف. وجدت أعمالا من تأليف برتولت بريشت، وفريدريش دورينمات، وجوتهيلف كيستنر، وماري لويز كاشنيتس، تلك الأسماء التي رافقتها فترة المدرسة. عرفت أيضا هنينج مانكل بعد ذلك، لقد قرأت تقريبا كل رواياته البوليسية، لكنها لم تعد تتذكر تفاصيلها. كانت تقرأ كل يوم خمس صفحات في الفراش إلى أن تغمض عينيها. لم تتمكن قط من قراءة المزيد. ستين نادولني؟ سمعت الاسم من قبل. أورهان باموق، فرفعت كتفيها وتركت رقبتها تغطس بينهما، إن زابينة على حق، إنها فعلا تعاني من ثغرات معرفية، ولا تملك أي حاسة ثقافية، كانت لها بعض الاهتمامات الأدبية، لكن فقط كهواية ينبغي أن يتوفر الوقت الكافي لها، وهي لم يكن لديها وقت إن أرادت أن تنجز عملها بشكل معقول. ربما في بضع سنين. اكتشفت عقدا خشبيا معلقا على باب خزانة الملفات، وحين أخذته طارت ورقة على الأرض. انحنت لتلتقطها، وبينما كانت تعاود النهوض بالورقة في يدها انزلقت نظرتها على الكلمات المطبوعة. هيلبيرج، كامبل، بانسيروتي، بروبوف، سنايدر ... كانت تعرفهم جميعا. ظلت عيناها معلقتين على السطر الأخير. تدافع الدم إلى رأسها؛ فقد قرأت اسمها هي، بدا وكأنه محشور في غير موضعه وبعيد جدا. داهمها خليط عجيب من الإحباط والغضب؛ فكالمعتاد تأتي دائما في آخر الأمر.
الفصل الرابع والعشرون
الزر الأحمر
Unknown page