48

Tathir Lutus

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

Genres

دفع توماس كرسيه دفعة بعيدة عن المكتب وتوجه ناحيتها. غضت طرفها بارتباك. «أنت تسألين إن كان الذكاء الذي نصنعه يتفوق على ذكائنا» ... ضم ذراعيه على صدره «سؤال مثير للاهتمام.»

نظرت له فاندا الآن في عينيه مباشرة. «هل هذه الأجهزة موجودة الآن؟» «سيتطلب الأمر مزيدا من الوقت لتحقيق ذاك الهدف. تخيلي التطور كعملية ذكية. إنها هي التي أنتجت الإنسان. نحن أيضا سيكون بمقدورنا أن نبني أجهزة تتفوق على ذكائنا.» «حقا!» رضيت فاندا عن الإجابة، فقد استطاعت أن تضرب الوتر المناسب لدى توماس، وكانت تستمتع باهتمامه.

أكمل حديثه: «سنعايش هذا الأمر على أنه إثراء عظيم لنا. التطور التقني هو المستقبل.» ألم تبرق بعينيه لمحات شغف؟ أومأت فاندا برأسها موافقة بتحفظ. لم تكن تحب أن تعترف بأن الثقة التي يسرد بها توماس فرضياته تبعث في نفسها الوجل؛ إذ كانت تشعر وهي إلى جواره أنها لا تزال طالبة في الفصل الدراسي الأول. «إن التطور البيولوجي على سبيل المثال ما هو إلا مبرمج رفيع المستوى؛ إذ قام بتطوير الدي إن إيه الذي يحوي كل تنوع الحياة على الأرض برمته. هنا منطقة التقاطع بين النانوبيولوجي وتكنولوجيا النانو. إن خلايا أجسادنا إن شئت الدقة ما هي إلا ماكينات نانو.» «كنت أظن دائما أن التطور لا هدف له.» قالها فجأة صوت غريب من ورائها، «كيف يمكن له أن يفكر أو يتصرف؟» استدارت فاندا لتنظر في وجه شاب كبير. أكمل حديثه قائلا: «كما أني أجد خطرا كبيرا في استخدام المصطلحات التقنية لوصف الأمور الطبيعية. لا يستوي الأمران.» ابتسم. وجدت عينين ذكيتين تنظران عبر زجاج النظارة. رأت الأنف الخالي من العيوب، الذي يبدو وكأنه أجمل من أن يكون أنف رجل، كما رأت حسنة صغيرة أعلى شفتيه المكتنزتين. كان يبدو شاحبا، ورغم ذلك شعرت أنها تعرفه. علقت ورقة شجر صفراء بين تجعيدات شعره البني الغامق. نظرت فاندا ثانية إلى توماس. كان متعلقا بكرسيه، مدليا ذراعه على مسند الظهر، محركا إياها يمنة ويسرة، مكورا قبضة يده. «لا أريد سوى توضيح السياقات المعقدة.» قال بنبرة موضوعية مؤكدة، «علينا أن نتعلم أن التكنولوجيا والطبيعة تستطيعان التعايش معا في عملية سلمية؛ فالتكنولوجيا هي تتمة التطور لكن بوسائل أخرى.» «ما نوع الوسائل؟» أطلق سؤال الغريب أزيزا حادا وهو يمر إلى جوار رأس فاندا. كان لا يزال واقفا وراءها. من هو؟ كانت تفكر محمومة أين يمكن أن تكون قد رأته من قبل.

أوضح توماس برباطة جأش قائلا: «المخ البشري مثلا، يعتبر أداة شديدة البطء في معالجة البيانات. لا يزال التطور يبني مستخدما الدي إن إيه. لكن مادة البناء هذه سيتعين التخلي عنها؛ لأنها لن تستطيع مواكبة التطور التكنولوجي.»

أصر الغريب على سؤاله، وقد اكتسبت نبرته بعض الحدة: «علي أن أعيد السؤال: أي وسائل سيتم استخدامها؟»

تلفتت فاندا حولها ثم خطت خطوة إلى الجنب حتى تخرج نفسها من مرمى النيران وقالت: «كنت أسأل عن ذكاء أجهزة الكمبيوتر.» «وكيف تعرفين الذكاء؟» لقد أضحى الرجل ثقيل الظل. ماذا يريد هنا أساسا؟

واصل توماس الكلام: «إن تكنولوجيا الكمبيوتر أمامها قفزة هائلة إلى مرحلة جديدة. من المرجح أن تصل قدرات أجهزة الكمبيوتر البسيطة عام 2020 إلى نفس قدرات المخ البشري في الحساب. قد ينجز 2 × 10

16

عملية حسابية في الثانية.» «إن محاولة الوصول إلى المثالية ما هي إلا عملية اختزال متواضعة، أليس هذا تناقضا؟» حملت نبرة الغريب لمحة مرارة. «إنه أمر يدعو إلى الأسى. وفي كل ذلك فإن الذكاء ينبني على أسباب أخرى عديدة أكثر من مجرد عمليات حسابية، أذكر منها: المرونة، والتعلم، والتقرير الذاتي. ربما يستطيع «ديب بلو» أن يلعب الشطرنج أفضل مني بكثير، لكني أراهن أنه لم يقم في حياته بطلب بيتزا.» «وما عسى «ديب بلو» أن يفعل بالبيتزا؟» رد توماس بحدة: «بفضل تكنولوجيا النانو ستظهر في القريب شرائح أكثر فعالية ثلاثية الأبعاد، ومواد تعمل كأشباه موصلات، وعناصر محولة عالية السرعات. سيتم إنتاج أجهزة كمبيوتر نوعية: كوانتينكومبيوتر لتحل محل المعالجة الرقمية للبيانات. تتعامل الأجهزة الجديدة مع الكيو-بت. يمثل الكيو-بت إجابتين محتملتين. وارتباط وحدتين من الكيو-بت يشكل أربع إجابات محتملة. إن مجرد ربط 60 وحدة كيو-بت ببعضها يمكن أن يسمح للكمبيوتر بتنفيذ مليون بليون عملية في نفس الوقت. إن أجهزة الكمبيوتر هذه ستقوم بكتابة برامجها بنفسها.»

فرد توماس ظهره للوراء ووضع ذراعيه خلف رأسه. بعض من شعيرات صدره الرمادية أطلت من فوق الزر العلوي لقميصه المشدود عند الخصر. كانت عيناه تلتمعان رغبة في مزيد من الهجوم، في حين ارتسمت على زوايا فمه إيماءات ساخرة، وهو ما راق لفاندا، وكان عليها الآن أن تبقيه في هذه الحالة المزاجية .

Unknown page