86

Tathir Ictiqad

تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد

Investigator

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

Publisher

مطبعة سفير،الرياض

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٤هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

مجاوزته لها لا يُسقط عنه شيئًا من الشرائع التي شرعها الله لعباده، ولا يخرجه من جملة المكلَّفين من العباد، بل العالم كلَّما ازداد علمًا كان تكليفه زائدًا على تكليف غيره، ولو لم يكن من ذلك إلاَّ ما أوجبه الله عليه من البيان للناس، وما كلفه به من الصَّدع بالحق وإيضاح ما شرعه الله لعباده: [٣: ١٨٧] ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾، [٢: ١٥٩] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾ فلو لم يكن لِمَن رزقه الله طرفًا من العلم إلاَّ كونه مكلفًا بالبيان للناس لكان كافيًا فيما ذكرناه من كون العلماء لا يخرجون عن دائرة التكليف، بل يزيدون بما علموه تكليفًا، وإذا أذنبوا كان ذنبُهم أشدَّ من ذنب الجاهل وأكثرَ عقابًا، كما حكاه الله سبحانه عمَّن عمل سوءًا بجهالة ومن عمله بعلم، وكما حكاه في كثير من الآيات عن علماء اليهود حيث أقدموا على مخالفة ما شرعه الله لهم، مع كونهم يعلمون الكتاب ويدرسونه، ونعى ذلك عليهم في مواضع متعدِّدة من كتابه، وبَكَتَهم أشدَّ تبكيت، وكما ورد في الحديث الصحيح: "إنَّ من أوَّل من تسعَّر بهم جهنم: العالم الذي يأمر الناس ولا يأتمر، وينهاهم ولا ينتهي"١. وبالجملة فهذا أمرٌ معلوم، أنَّ العلم وكثرتَه وبلوغ حامله إلى أعلى درجات العرفان لا يُسقط عنه شيئًا من التكاليف الشرعية، بل يزيدها

١ رواه الترمذي (٢٣٨٢)، وقال: "هذا حديث حسن غريب"، ورواه ابن خزيمة في صحيحه (٢٤٨٢)، والحاكم في المستدرك (١/٤١٩)، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر تعليق الشيخ الألباني عليه في صحيح ابن خزيمة.

1 / 98