وقال لأسامة بن زيد: "لِمَ قَتلتَه بعدما قال لا إله إلاَّ الله؟ " ١، وهؤلاء يُصَلُّون ويصومون ويزكُّون ويَحجُّون بخلاف المشركين.
قلتُ: قال ﷺ: "إلاَّ بحقها"، وحقُّها: إفرادُ الإلهية والعبودية لله تعالى.
والقبوريُّون لَم يُفردوا الإلهيةَ والعبادة، فلم تنفعهم كلمةُ الشهادة، فإنَّها لا تنفع إلاَّ مع التزام معناها، كما لَم ينفع اليهود قولُها لإنكارهم بعض الأنبياء.
وكذلك مَن جعل غير مَن أرسله الله نبيًّا، لم تنفعه كلمةُ الشهادة، ألاَ تَرَى أن بني حَنِيفة كانوا يشهدون أن لا إله إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله، ويُصَلُّون، ولكنَّهم قالوا: إنَّ مُسيلمة نبيٌّ، فقاتلهم الصحابةُ وسَبَوْهُم، فكيف بمن يَجعل للوليِّ خاصَّةَ الإلهية ويُناديه للمهمَّات؟!
وهذا أميرُ المؤمنين على بن أبي طالب ﵁ حرَّق أصحابَ عبد الله ابن سبأ، وكانوا يقولون نشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ولكنَّهم غَلَوا في علي ﵁، واعتقدوا فيه ما يَعتقد القبوريُّون وأشباهُهم، فعاقَبَهم عقوبةً لَم يُعاقب بها أحدًا من العصاة، فإنَّه حَفر لهم الحفائرَ، وأجَّجَ لهم نارًا، وألقاهم فيها وقال:
لَمَّا رأيتُ الأمرَ أمرًا منكرًا ... أجَّجتُ ناري ودَعَوتُ قُنْبرَا
وقال الشاعر في عصره:
لِتَرْم بي المنيَّة حيث شاءت ... إذا لَم ترم بي في الحُفرتَين
إذا ما أجَّجوا فيهنَّ نارًا ... رأيت الموت نقدًا غير دَيْن
_________
١ رواه البخاري (٤٢٦٩) ومسلم (١٥٨) .
1 / 71