موتًا ولا حياةً ولا نشورًا أن يشفوا مرضاهم، ويردُّوا غائبَهم، وينفِّسوا عن حبلاهم، وأن يسقوا زرعَهم، ويُدِرُّوا ضروعَ مواشيهم، ويحفظوها من العين، ونحو ذلك من المطالب التي لا يقدر عليها أحدٌ إلاَّ الله تعالى.
هؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم: [٧: ١٩٧] ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾، [٧: ١٩٤] ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾، فكيف يطلب الإنسانُ من الجماد أو من حي - الجماد خير منه - لأنَّه لا تكليفَ عليه، وهذا يبيِّن ما فعله المشركون الذين حكى الله ذلك عنهم في قوله تعالى: [٦: ١٣٦] ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾ الآية، وقال: [١٦: ٥٩] ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾
فهؤلاء القبوريُّون والمعتقدون في جُهَّال الأحياء وضُلاَّلهم سَلَكوا مَسالكَ المشركين حَذو القُذَّة بالقُذَّة١، فاعتقدوا فيهم ما لا يجوز أن يُعتقد إلاَّ في الله، وجعلوا لهم جُزءًا من المال، وقَصدوا قبورَهم من ديارهم البعيدة للزيارة٢، وطافوا حول قبورهم وقاموا خاضعين عند قبورهم، وهتفوا بهم عند الشدائد، ونحروا تقربًا إليهم.
وهذه هي أنواع العبادات التي عرفناك، ولا أدري هل فيهم من يَسجد لهم؟ لا أستبعدُ أنَّ فيهم مَن يفعلُ ذلك، بل أخبرني مَن أثق به أنَّه رأى من يَسجُدُ على عَتَبَةِ باب مَشهد الوليِّ الذي يقصده تعظيمًا له
_________
١ القُذَّة: بضم القاف، ريش السهم، والمراد نهجوا نهجهم (إسماعيل) .
٢ مجرَّد شدّ الرَّحل للزيارة ليس بشرك، بل هو من وسائله.
1 / 69