وَجَبَ على الأئمة والملوك بعثُ دعاة إلى الناس يَدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله، فمَن رجع وأقرَّ حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومَن أصَرَّ فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله ﷺ من المشركين (١) .
فإن قلتَ: الاستغاثة قد ثبتت في الأحاديث، فإنَّه قد صَحَّ أنَّ العباد يوم القيامة يستغيثون بآدم أبي البشر، ثمَّ بنوح، ثمَّ بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، وينتهون إلى محمد ﷺ بعد اعتذار كلِّ واحد من الأنبياء (٢)، فهذا دليلٌ على أنَّ الاستغاثة بغير الله ليست بمنكر.
قلتُ: هذا تلبيس، فإنَّ الاستغاثة بالمخلوقين الأحياء فيما يقدرون عليه لا يُنكرُها أحد، وقد قال الله تعالى في قصة موسى مع الإسرائيلي والقبطي: [٢٨: ١٥] ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾، وإنَّما الكلام في استغاثة القبوريِّين وغيرهم بأوليائهم، وطلبهم منهم أمورًا لا يقدر عليها إلاَّ الله تعالى، مِن عافية المريض وغيرها، بل أعجَبُ من هذا أنَّ القبوريِّين وغيرهم من الأحياء مِن أتباع مَن يعتقدون فيه، قد يَجعلون له حصَّة مِن الولد إن عاش، ويشترون منه الحمل في بطن أمِّه ليعيش لهم٣، ويأتون بمنكرات ما بَلَغ إليها المشركون الأولون.
ولقد أخبرني بعضُ مَن يتولى قَبض ما ينذر القبوريُّون لبعض أهل القبور: أنَّه جاءه إنسانٌ بدراهم وحِلية نسائية، وقال هذه لسيِّده فلان - يريد صاحب القبر - نصف مهر ابنتي؛ لأنِّي زوجتها وكنتُ مَلكت
_________
١ هذا يفيد أنَّ المصنف يرى أنَّه لا بدَّ من إقامة الحجة، وأنَّهم قبل ذلك معذورون لجهلهم.
٢ رواه البخاري (٣٣٤٠) .
٣ لفظ (لهم) من خ.
1 / 67