ذلك لا يكون إلاَّ لله وحده، وهذا هو توحيد العبادة، وقد كانوا مقرِّين
ـ كما عرفتَ في الأصل الرابع - بتوحيد الربوبية، وهو أنَّ الله هو الخالق وحده والرازق وحده.
ومِن هذا تعرف أنَّ التوحيد الذي دعتهم إليه الرسلُ مِن أولهم وهو نوح عليه السلام١، إلى آخرهم وهو محمد بن عبد الله (٢) ﷺ، هو توحيد العبادة، ولذا تقول لهم الرسل: ﴿أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ﴾، ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾
وقد كان المشركون منهم مَن يعبدُ الملائكةَ ويناديهم عند الشدائد، ومنهم مَن يعبد أحجارًا ويهتف بها عند الشدائد، وهي في الأصل صوَرُ رجال صالحين كانوا يُحبُّونهم ويعتقدون فيهم، فلمَّا هلكوا صوَّروا صوَرَهم تسليًّا بها، فلمَّا طال عليهم الأمَد عبدوهم، ثم زاد الأمد طولًا فعبدوا الأحجار، ومنهم مَن يعبد المسيح، ومنهم من يعبد الكواكبَ، ويهتف بها عند الشدائد، فبعث اللهُ محمدًا ﷺ يدعوهم إلى عبادة الله٥٦
_________
١ قال الله ﷿: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾، وفي حديث الشفاعة يقول أهل الموقف: "يا نوح، أنت أوَّل رسول إلى أهل الأرض، وسمَّاك الله عبدًا شكورًا" رواه البخاري (٣٣٤٠)، وقد قال الله ﷿: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، فعموم هذه الآية يدلُّ على أنَّ من قبل نوح أُرسل فيهم رسل، وأوَّلهم آدم، ويُجمع بين ذلك بأنَّ الناس قبل نوح كانوا على الفطرة، وما جاءت به الرسلُ مطابق للفطرة، وأمَّا نوح فقد أُرسل بعد أن وُجد الشرك وخرج الناس عن الفطرة، فتكون أوَّليته بهذا الاعتبار، وانظر أضواء البيان لشيخنا الشيخ محمد الأمين الشنيقطي، عند قول الله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ .
٢ قوله: (ابن عبد الله) من خ.
1 / 56