فمن ذلك أشياء نزل القرآن بها قبل كونها.
فمن ذلك قصة ابي لهب، وقد كان من المؤذين لرسول الله ﷺ، والمجردين/ في مكروهه وطلب نفسه، وفي الصدّ عن اتباعه، فبشره الله بأن ذلك لا يضره ﷺ، ولا يغني عن ابي لهب فيما قصد ما كسب من جاه ومال وأهل وولد وصداقة واخوان، وانه يخسر ذلك كله، وانه وامرأته يموتان على الكفر به ويصيران الى النار. نزل ذلك بمكة وهما حيّان سليمان، فكان ذلك كله على ما قال وعلى ما أخبر وكما فصّل وفسّر. وهذه غيوب كثيرة لا يكون مثلها بالاتفاق ولا بالحدس ولا بالزرق «١»، ولا يتفق لحذّاق المنجمين أقل القليل من هذا. ومن عجيب الأمور انها نزلت بمكة، وتلاها رسول الله ﷺ، وسمعها ابو لهب وجميع أعداء رسول الله ﷺ من قريش والعرب وغيرهم وهم أعوان ابي لهب، فهاجهم هذا القول في عداوته، وزاد في غيظهم وحنقهم، وأذكرهم بنفسه وهو معهم وفي أيديهم وفي قبضتهم، فما ضره، ولا تمّ لهم أمر في الظفر بقتله، ولا على زلة يتبين فيها كذبه وسقوط قوله، وهذا لا يقدم عليه العاقل إلا وهو على غاية الثقة بما يقول، ورسول الله ﷺ ممن لا يدفع عدوّه عقله. ومنذ نزلت هذه السورة والى هذه الغاية يحرص أعداء رسول الله ﷺ ان يجدوا في ذلك مطعنا فما وجدوا. وقد رجع بعضهم الى بعض في ذلك وتشاوروا فيه، وتعاضدوا وتعاونوا، فكان عليه ما انتهى اليه كيدهم أن قالوا: لما رأى عمه وامرأته قد صمما في تكذيبه وعداوته قال ذلك فيهما.
_________
(١) الزرق: الخداع، وفي اللسان: رجل زراق اي خداع.
1 / 36