مقرن «١» واخوته، وغيرهم ممن يطول الكتاب بذكرهم وشرح أحوالهم، وهو مذكور في مواضعه، ولا يشك في زهد هؤلاء إلا من شك في زهد رسول الله ﷺ، ولا يبلغ ذلك إلا الجاهل القليل النظر البطيء التأمل.
فأما من نظر واعتبر وكان قصده التعرف والتبين، فان ذلك يفضي به الى العلم بأنه ما صحب نبيا قط قوم أزهد ولا أردع ولا أعلم من هؤلاء قبل ان يرجع الى قوله ﷿: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «٢»» . فلو كان غرض رسول الله ﷺ وأصحابه الدنيا والملك لكانوا وإن ابتدأوا بذكر الزهد في اول أمرهم إذا ملكوا وقدروا عليها قد ساروا فيها سيرة طلاب الدنيا وملوكها وخطّابها، وما لبثوا ان تظهر سرائرهم وضمائرهم عند القدرة. بهذا جرت العادة، وهكذا أخرجت العبرة، فان من تخلّق للناس وتصبّر خوفا منهم واتقاء لهم ومداراة لهم، اذا قدر وتمكن تغير وزال عما كان، وظهر مكنونه، فلما دام أمر رسول الله ﷺ وهؤلاء واتصل على طريقة واحدة، علم العامل المتأمل ان سريرتهم كعلانيتهم، وظاهرهم كباطنهم.
وقد رغب قوم منهم في المباح وفيما أحله الله لهم، ولا لوم عليهم ولا تعنيف، وانما كان كلامنا فيمن زهد في المباح المطلق منهم، وقد ملك هؤلاء ما لم يملك ابراهيم وإسحق ويعقوب والأسباط وموسى وهرون وداود ومتى وعيسى، وإن كان الأنبياء خيرا منهم.
_________
(١) هو النعمان بن مقرن بن عائذ المزني، أخو سويد واخوته، له ذكر كثير في فتوح العراق وفارس. توفي سنة احدى وعشرين هجرية.
(٢) آل عمران: ١١٠
1 / 34