وفاض الاسلام بالمدينة وفي هذه القبائل، وأقيمت فيها الصلاة، وأديت الزكاة، وأقيمت الجماعات والجمعة، وأقرىء القرآن، وصارت المدينة دار الهجرة؛ ورسول الله ﷺ مقيم بمكة محصور في الشعب يؤذى ويقصد بأنواع المكاره هو ومن اتبعه، الى ان هاجر الى المدينة ومعه ابو بكر الصديق الهجرة المعروفة.
فهؤلاء الذين اجابوا بلا حرب، وقبل الحرب احتججنا، وهو موضع دلالتنا في هذه الآية التي اخبر وهو في تلك الحال انكم ستجيبونني، وإن كانت لنا في الحروب والمحاربين دلائل اخرى لعلنا نذكرها لك في كتابك هذا ان شاء الله.
فإن قيل: أو ليس قد كان يدافع عنه عمه ابو طالب وإن كان على غير دينه، ويشفع الى قريش فيه، ويعاتبهم في بابه، ويذكرهم بصدقه وأمانته وقد كان ﷺ معروفا فيهم قبل الرسالة بمحمد الامين، ويسألهم الكف عنه وعن اذيته. وقد نصره ابو بكر الصديق وصدّقه وكاشف «١» في بابه، وأنفق ماله في/ نوائب الاسلام وفي عتق المعذبين في الله واتبعه من اهل مكة جماعة. وأسلم عمر قبل الهجرة وكاشف، وقال: لا نعبد الله سرا، فكيف ادعيتم له الوحدة وعليه الغلبة وهو بمكة؟
قيل له: قد علمنا انه حين دعا كان وحده والناس كلهم على خلافه، وليس في اجابة هؤلاء ومدافعة ابي طالب طعن «٢» فيما استدللنا، بل هو من الدلائل على ما قال صلى الله عليه قبل ان يجاب انه يستجاب وينصر، ثم مع
_________
(١) كاشفه بالعداوة: بادأه بها. انظر القاموس: مادة كشف
(٢) وقد كتب فوقها في الاصل: به، وهي زائدة من الناسخ او المعلق.
1 / 25