Taswir Wa Aclam Musawwirin Fi Islam
التصوير وأعلام المصورين في الإسلام
Genres
ومما امتاز به بهزاد براعته العظيمة في مزج الألوان وتفهم أسرارها، وفي التعبير في صوره عن الحالات النفسية المختلفة، وفي رسم العمائر والمناظر الطبيعية. وإنك لتحس أمام آثاره الفنية أن بين يديك صورا أرستقراطية بهدوئها وحسن الذوق وإبداع التركيب فيها ودقة الزخرفة وانسجامها، مما يشهد بأن بهزاد كان المصور الكامل الذي انتهى على يديه تطور التصوير الإيراني في عهد المدرستين الإيرانية المغولية ثم التيمورية وبلغ التقدم منتهاه.
وقد لاحظ بعض مؤرخي التصوير الإسلامي أن أكثر الصور التي رسمها بهزاد كان بين الأشخاص المرسومين فيها رجل ذو سحنة بربرية، ربما كان الفنان يقصد برسمه تأكيد الفرق بين تلك السحنة الزنجية وبين سحنة الأشخاص الآخرين من الجنس الأبيض. كما لوحظ أيضا أن بهزاد لم يأت في آثاره الفنية بصور كثير من النساء، فقد كان يتجنب ذلك لغير ما سبب نستطيع الجزم بصحته.
وقد رسم بهزاد في هراة صورتين للسلطان حسين بيقرا ولمحمد خان شيباني، وهما - فيما نعلم - أول ما نعرفه في الإسلام من الصور الحقيقية الشخصية التي ترسم فيها سحنة إنسان بتقاطيع وجهه وصفاته الجسمية.
وقد عاش بهزاد طويلا، وتنسب إليه صور عديدة من القرن الخامس عشر والسادس عشر وكثير من هذه الصور تمثل دراويش من العراق وإيران. ويذكرنا هذا بما كتبه أحد المؤلفين الهنود من أن بهزاد لم يحرز هذه الشهرة الواسعة والصيت الذائع لأنه سار بأساليب التصوير الإيراني إلى الكمال الطبيعي الذي كان مقدرا له أن يصل إليه في تطوره فحسب، بل لأنه صار به أبعد من ذلك فأدخل فيه عنصرا من الحب الإلهي لتأثره بمذهب الصوفية التي بلغ أوج عظمته في إيران، قبيل أن يولد بهزاد، وحين كان صبيا.
ومهما يكن من شيء فإننا بمصر لا عذر لنا في أن نجهل أثرا موجودا بيننا من الآثار الفنية البديعة التي تركها هذا المصور، فإن في دار الكتب المصرية مخطوطا من كتاب «بستان» للشاعر الإيراني سعدي وفيه ست صور من عمل بهزاد وعلى أربع منها إمضاؤه: «عمل العبد بهزاد». ويطمئن مؤرخو الفن الإسلامي كل الاطمئنان إلى صحة نسبة هذه الصورة إليه. وقد عرض هذا المخطوط في معرض الفن الإيراني بلندن سنة 1931 فكان موضع إعجاب الزائرين وكتبت عنه المقالات الطوال في الصحف وفي المؤلفات المطولة عن الفن الإيراني. وقد كتب هذا المخطوط سنة 893ه/1488م للسلطان حسين بيقرا الذي تراه مرسوما مع بعض أتباعه وندمائه في صورتين (أو صورة في صحيفتين) في فاتحة المخطوط. وتمثل إحدى الصور في هذا المخطوط الملك دارا مع راعي الخيل، وقد أتقن بهزاد في هذه الصورة رسم الطبيعة الريفية ورسم الخيل. وثمة صور أخرى فيها رسم بعض علماء الدين يتجادلون في مسجد وقد دخل عليهم رجل من العامة، ويتجلى في هذه الصورة إبداع بهزاد في تصاوير العمائر، ومزج الألوان المؤتلفة، والتعبير عن الحالات النفسية المختلفة، وتوفيقه في تمييز وجوه الأشخاص بعضها عن بعض. وتبدو هذه المزايا في صورة أخرى من نفس المخطوط تمثل مناظر في مسجد شخص يتوضأ، وفقهاء يتحدثون، وفقيه يحدث سيدة ... إلخ. أما الصورة الأخيرة فتمثل سيدنا يوسف يفر من زليخا امرأة العزيز حين اتخذت لنفسها قصرا، يصل المرء إلى داخله بعد اجتياز سبع طبقات من الأبواب وزينت زليخا القاعة الداخلية بصور تمثلها بين ذراعي سيدنا يوسف ظانة أن يوسف حين يرى هذه الصورة لا بد واقع في شراك صاحبتها الحسناء، ولكن يوسف الصديق لما دخل فطن إلى حيلة زليخا وصلى لربه ففتحت الأبواب ونجا من شر زليخا.
وعلى كل حال فقد كان لبهزاد تأثير كبير في الأساليب الفنية في عصره، فقلده كثيرون وتعلم عليه مصورون نهضوا بالصناعة في ذلك العصر، حتى إننا نستطيع أن نقول، في ثقة واطمئنان، أنه كان زعيم مدرسة عظيمة في فنه.
وقد كشفت الدراسات الحديثة في تاريخ التصوير عن اسم مصور كبير عاش أيضا في هراة في القرن الخامس عشر، وكان مؤرخو الفن الإسلامي يخلطون بين آثاره الفنية وآثار زميله بهزاد. هذا المصور هو قاسم علي الذي نجد إمضاءه في صور بمخطوط من القصائد الخمسة لنظامي محفوظ في المتحف البريطاني ومؤرخ من سنة 899ه/1493م، وتمثل إحدى هذه الصور مدرسة في الهواء الطلق، بينما تمثل صورة أخرى عددا من النساء في بركة حمام وتطربهن عازفة على العود. وله صورة ثالثة تمثل جماعة من الصوفية في حديقة.
مدرسة بخارى
وثمة مدرسة أخرى في التصوير الإسلامي يمكن أن نلحقها بالمدرسة التيمورية، ونستطيع أن نرى في آثارها الفنية ما كان لبهزاد وتلاميذه من تأثير على رجالها. تلك هي المدرسة التي ازدهرت بأقاليم بخارى في خلال القرن السادس عشر. والواقع أن الأحداث السياسية التي وقعت بخراسان وبلاد ما وراء النهر في بداية القرن السادس عشر هي التي أدت إلى قيام هذه المدرسة، فإن مدينة هراة سقطت في يد شيباني خان زعيم الأوزبك سنة 1507، ولكن الشاه إسماعيل الصفوي انتزعها من يدهم بعد ثلاث سنوات، وتقلص حكم الشيبانيين إلى بلاد ما وراء النهر، وصاروا يحكمون من سمرقند وبخارى، وهاجر إلى هاتين المدينتين كثير من المصورين في هراة، ولا سيما لأن قيام الدولة الصفوية في هذا الإقليم كان معناه فرض المذهب الشيعي عليهم بعد أن كان سني المذهب في عصر تيمور وخلفائه، وفي عصر الشيبانيين. ثم استولى الأوزبك مرة ثانية على هراة ونهبوها سنة 1535 فهاجر منها إلى بخارى جمهرة الباقين فيها من رجال فن. وقامت على أكتاف هؤلاء الفنانين في مهجرهم هذه المدرسة التي تنسب إلى بخارى والتي كان أشهر رجالها المصور محمود مذهب. وقد ظلت هذه المدرسة مجهولة بعض الشيء، حتى ظهر من آثارها الفنية في معرض الفن الإيراني بلندن سنة 1931 ما لفت الأنظار إليها.
ومن أبدع منتجات هذه المدرسة صورة في مخطوط من منظومة الشاعر نظامي المسماة «مخزن الأسرار». وهذا المخطوط محفوظ الآن في المكتبة الأهلية بباريس وقد كتب في بخارى سنة 944ه/1537م بقلم الخطاط المعروف مير علي وفيه صورة من عمل محمود مذهب. وهي مؤرخة من 954ه/1546م وتوضح أسطورة في عدل السلطان سنجر السلجوقي فتمثله ومعه حاشيته وقد استوقفتهم عجوز تطلب إلى السلطان النظر في مظلمة لها. وقد صور بعض المصورين الإيرانيين هذه الأسطورة تصويرا غاية في الدقة والإتقان.
Unknown page