Tasis Mitafiziya Akhlaq
تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق
Genres
يترتب على هذا أننا لو وزنا كل شيء من وجهة نظر واحدة وبالذات؛ أعني من وجهة نظر العقل، لوقعنا على تناقض في إرادتنا نفسها؛ بمعنى أننا نريد لمبدأ معين، بوصفه قانونا كليا عاما، أن يكون ضروريا ضرورة موضوعية، ونريد مع ذلك ألا تكون له من الناحية الذاتية قيمة كلية عامة، بل أن يدع مجالا للاستثناءات. غير أننا لما كنا نعد فعلنا مرة من وجهة نظر إرادة مطابقة للعقل مطابقة تامة، وكنا نعتبره مرة أخرى من وجهة نظر إرادة واقعة تحت تأثير الميل، فليس ها هنا في واقع الأمر تناقض، بل مقاومة من جانب الميل للتعليمات التي يقضي بها العقل (تعارض
Antagonismus )، مما يجعل كلية المبدأ
Universalitas
تتحول إلى مجرد تعميم
Generalitas
بحيث يكون على المبدأ العملي للعقل أن يتلاقى مع المسلمة في منتصف الطريق. وعلى الرغم من أن هذا الحل الوسط لا يمكن أن يبرره حكم نصدره بغير تحيز، فإنه يدل مع ذلك على أننا نعترف اعترافا صحيحا بصلاحية الأمر الأخلاقي المطلق وأننا (مع ما نحمله له في أنفسنا من احترام تام) إنما نسمح لأنفسنا ببعض الاستثناءات التي تبدو لنا غير ذات بال والتي نكره عليها إكراها.
بهذا نكون قد بينا على أقل تقدير أنه إن كان لتصور الواجب أن يكون ذا معنى وأن يشتمل على تشريع واقعي لأفعالنا، فلا يمكن أن يعبر عن هذا التشريع إلا في صورة أوامر أخلاقية مطلقة لا في شكل أوامر شرطية أبدا، كذلك استطعنا، وهذا بالفعل كثير، أن نعرض محتوى الأمر الأخلاقي المطلق، الذي لا بد له أن يشتمل على المبدأ الذي تقوم عليه جميع الواجبات (إن كان لمثل هذه الواجبات وجود على وجه الإجمال) عرضا واضحا محددا بالقياس إلى كل تطبيقاته الممكنة. غير أننا لم نصل بعد إلى أن نقرر بطريقة قبلية أن مثل هذا الأمر المطلق موجود في الواقع حقا، وأن هناك قانونا عمليا يصدر أوامره من ذاته على نحو مطلق وبغير أن يدفعه إلى ذلك دافع، وأن اتباع مثل هذا القانون واجب.
31
إنه من أهم ما ينبغي علينا أن نضعه في اعتبارنا، حين نعقد النية على بلوغ هذا الهدف، أن نجعل الحذر رائدنا، فلا نسمح لخاطر أن يصور لنا أن من المستطاع استنباط هذا المبدأ من الخاصية «المميزة للطبيعة الإنسانية»؛ ذلك أن الواجب ينبغي أن يكون مصيره ضرورة عملية غير مشروطة للفعل؛ أي إنه ينبغي أن يكون صالحا لكل الكائنات العاقلة (وهي الكائنات الوحيدة التي يمكن للأمر المطلق أن يطبق عليها دائما) وأن يكون، لهذا السبب وحده، قانونا صالحا لكل إرادة إنسانية.
أما ما يشتق على العكس من ذلك من الاستعداد الطبيعي الخاص بالإنسانية، من عواطف وميول معينة، بل إن ما يشتق - على فرض أن هذا ممكن - من اتجاه خاص يتميز به مبدأ العقل الإنساني وحده ولا يلزم ضرورة أن يكون صالحا لإرادة كل كائن عاقل، كل هذا قد يقدم لنا مسلمة [نسترشد بها] ولكنه لن يقدم لنا قانونا، وقد يعطينا مبدأ ذاتيا يدفعنا الميل والنزوع إلى أن نلائم بينه وبين أفعالنا، ولكنه لن يعطينا مبدأ موضوعيا «نؤمر» بأن نفعل بمقتضاه حتى لو كانت كل ميولنا ونوازعنا وكل الاستعدادات التي أودعتها الطبيعة فينا مضادة له، بل إن السمو والعزة الكامنة في الأمر الذي يعبر عنه الواجب لتزداد بمقدار ما تقل مساندة العوامل الذاتية له، لا بل بقدر ما تشتد هذه العوامل مقاومة له، بغير أن يضعف ذلك البتة من الإلزام الذي يفرضه القانون أو يسلبه شيئا من صلاحيته.
Unknown page