201

Tasawwuf

التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق

Genres

انظر إليه وهو يتكلم في الطهارة تجده يلخص أقوال الفقهاء، ثم ينتقل إلى اعتبار ذلك في الباطن فيقول: «اعلم أن الطهارة في طريقنا طهارتان: طهارة غير معقولة المعنى، وهي الطهارة من الحدث، والحدث وصف نفسي للعبد فكيف يمكن أن يتطهر الشيء من حقيقته، فإنه لو تطهر من حقيقته انتفت عينه، وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة؛ وما ثم إلا الله؟ فلهذا قلنا: إن الطهارة من الحدث غير معقولة المعنى. فصورة الطهارة من الحدث عندنا أن يكون الحق سمعك وبصرك وكلك في جميع عباداتك فأثبتك ونفاك، فتكون أنت من حيث ذاتك، وتكون هو من حيث تصرفاتك وإدراكاتك» إلخ.

5

ومن هنا يمكن الحكم بأن ابن عربي كان يرى الشريعة من حظ العوام، ويرى الحقيقة من حظ الخواص، وكانت دراساته للشريعة تمهيدا لشرح الحقيقة، وكان الفقه عنده مقدمة لدرس أحوال القلوب.

وهو في هذا المسلك مسبوق بالغزالي، فكتاب الفتوحات المكية صدى لكتاب إحياء علوم الدين، والفرق بين الرجلين أن الغزالي يحترم الأحكام الفقهية ويدرسها درس الفقيه، ثم ينتقل إلى المعاني الصوفية فيدرسها في حرارة وشوق، أما ابن عربي فيظهر بشخصية جارفة في البابين، فيقتحم في الفقه ويقتحم في التصوف، ولا يكاد مع عنفوانه ينير العقل أو يشرح الصدر، وهل تشرح الصدور بالغطرسة والكبرياء؟

إن كل صفحة من صفحات الإحياء ترسل إلى القلب أشعة من الأنوار الروحانية، أما كتاب الفتوحات فكل صفحة فيه تثير مشكلة أمام العقل.

وربما كان السر في ذلك أن الغزالي ألف كتابه بعد أن صفا وطاب، وأن ابن ألف كتابه وهو يتسامى إلى أن يكون خاتم الأولياء، كما كان محمد صلوات الله عليه خاتم الأنبياء.

ويوضح هذا السر أن الغزالي يملأ كتابه بالنقول كأنه يستمد معانيه من كرام الأسلاف، أما ابن عربي فيتكلم وحده، ولا يستأنس بكلام من سلف إلا في قليل من الأحايين.

وقد كان لمسلك ابن عربي أثر عنيف فيمن جاء بعده من الصوفية، فالعنجهية التي نراها في الشعراني هي بالتأكيد عدوى وصلت إليه من ابن عربي، والتطاول إلى معرفة ملكوت السموات جرأة خطرة لا تتيسر لكل مدع، وإنما يملكها من يرى نفسه عنصرا من الوحدة الكلية حين يؤمن بوحدة الوجود.

ترجمان الأشواق

وينبغي أن ننص على أن كتب ابن عربي أضيفت إليها زيادات جائرة بدلت أغراضه بعض التبديل، يدل على ذلك ما حدث به الشعراني في مختصر الفتوحات، إذ قال:

Unknown page