كانت الشهوات الحسية تطارد ابن عربي أينما توجه، وكانت تطالعه في صور موشاة بالتهاويل، فكان يلتمس المخرج بالتعلق بأذيال التفسير والتآويل: لأنه كان انغمر في عالم المجد، وكان يحب أن تكون جميع النوازع تفسيرا لما ينتظره في أودية المعقول.
وإليكم هذه الرؤيا، فهي وحدها شاهد على أنه يتناول المعاني بطرائق حسية ويواجه الدنيا بعين متشوقة إلى الصور والأشكال، إليكم هذه الرؤيا ففيها المقنع لمن يزعم أن في مقدور المتصوف أن يخلص كل الخلاص من عالم الحس، إليكم هذه الرؤيا التي غمرت ابن عربي في تيار الشهوات من حيث لا يريد، إليكم هذه الرؤيا لتعرفوا كيف كان رجل اقتحام، وكيف كانت غرائزه المقهورة تصور له العوالم القوية بصورة الخضوع المؤنث.
حدث عن نفسه قال:
رأيت ليلة أني نكحت نجوم السماء كلها فما بقي منها نجم إلا نكحته بلذة عظيمة روحانية، ثم لما أكملت نكاح النجوم أعطيت الحروف فنكحتها، وعرضت رؤياي هذه على من عرضها على رجل عارف بالرؤيا بصير بها، وقلت للذي عرضتها عليه: لا تذكرني، فلما ذكر له الرؤيا استعظمها وقال: هذا هو البحر العميق الذي لا يدرك قعره، صاحب هذه الرؤيا يفتح له من العلوم العلوية وعلوم الأسرار وخواص الكواكب ما لا يكون فيه أحد من أهل زمانه، ثم سكت ساعة وقال: إن كان صاحب هذه الرؤيا في هذه المدينة فهو ذلك الشاب الأندلسي الذي وصل إليها.
وأين هذه الرؤيا البهلوانية من رؤيا يوسف إذا قال لأبيه:
يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين .
إن الفرق بين هذين الخيالين كالفرق بين هذين الروحين، سواء بسواء وما كذب يوسف، وإنما استطال محيي الدين!
تحفظ واحتراس
والدعوى كانت تتسع أمام الرجلين في كثير من الشئون، فقد نقل أن امرأة كانت ترضع صغيرا لها فمر رجل ذو شارة حسنة وخول وحشم فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الرضيع الثدي ونظر إليه، وقال: اللهم لا تجعلني مثله. ومرت عليه امرأة وهي تضرب والناس يقولون فيها: زنت وسرقت فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه. فترك الصغير الثدي ونظر إليها وقال: اللهم اجعلني مثلها.
ثم يحدثنا ابن عربي أن رسول الله قال في ذلك الرجل: إنه كان جبارا متكبرا، وإنه قال في المرأة: كانت بريئة مما نسب إليها.
Unknown page