Tasawwuf Thawra Ruhiyya
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Genres
6
ومنهم أبو بكر الواسطي (المتوفى سنة 320) الذي يقول: «المقامات أقسام قسمت ونعوت أجريت، كيف تستجلب بحركات أو تنال بسعايات؟»
7
والغاية من المجاهدة في نظر هؤلاء هي تطهير النفس وتبديل صفاتها، لا الحصول في عين القرب، ولا الوصول إلى الهداية. فهم يفهمون قوله تعالى:
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
بمعنى: والذين هديناهم سبلنا يجاهدون فينا؛ أي إن السير في طريق المجاهدة فرع عن الهداية التي يمنحها الله من يشاء من عباده لا العكس، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى:
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ،
8
وبالحديث القائل: «إن أحدكم لن يدخل الجنة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا.» ومعنى هذا أن إرادة الله الهداية للعبد سابقة على شرح صدره للإسلام وعلى مجاهدته، وكأن المسألة - حسب فهم هؤلاء الصوفية - مسألة العناية الإلهية والتقدير الأزلي، لا مسألة المجاهدة والأعمال التي يقوم بها العبد.
والظاهر لأول وهلة أن بين الموقفين تناقضا، وبين الآيتين تعارضا، والحقيقة ألا تناقض ولا تعارض. فالمفهوم من الآية الأولى أن الذين يجاهدون أنفسهم في سبيل الله يمنحهم الله الهداية من لدنه، لا جزاء على المجاهدة، ولا كسبا منهم لها، بل موهبة منه وتفضلا، وهذا لا يقدح في أن هداية هؤلاء المجاهدين أمر من الأمور التي سبقت بها العناية الإلهية واقتضتها مشيئة الله في الأزل، والله العادل في حكمه، والحكيم في فعله، تتعلق إرادته بالأفعال التي اقتضتها الحكمة وصريح العقل.
Unknown page