Tasawwuf Thawra Ruhiyya
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Genres
وتحل الضمير جوف فؤادي
كحلول الأرواح في الأبدان
ليس من ساكن تحرك إلا
أنت حركته خفي المكان
4
هذه أقوال جريئة لم يكن للمسلمين عهد بها قبل الحلاج، جرت على لسان صوفي مسلم ادعى أنه صورة الإله القائمة على الأرض وأن كل إنسان يمثل واحدة من تلك الصور الإلهية التي لا تحصى. فلا عجب أن أثار بذلك حنق المسلمين جميعا، ولم تعطف عليه طائفة منهم حتى الصوفية أنفسهم. يقول أبو عبد الرحمن السلمي في طبقاته: «رده أكثر المشايخ ونفوه وأبوا أن يكون له قدم في التصوف.
5
واتهمه عمرو بن عثمان المكي، ونقم عليه أبو القاسم الجنيد وأبو يعقوب إسحق بن محمد النهرجوري وكانوا من ألصق الناس به، واتهمه فقهاء عصره وتعقبوه في كل مكان، بمكة وبغداد والأهواز وغيرها، ورموه بالقرمطة والحلول وادعاء النبوة والألوهية، كما اتهمه المعتزلة بالمخرقة، والإمامية بالزندقة والظاهرية بالكفر .
ومن هذا نتبين إجماع المسلمين على إنكار أقوال الحلاج ودعاويه مما انتهى به إلى المحاكمة والإدانة بالكفر، ثم القتل، ولقد لقي أشنع قتلة لقيها مسلم من أجل عقيدته.
ومن جملة ما اتهم به الحلاج رأيه في المحبة الإلهية، وهو رأي أنكره عليه ابن أبي داود الظاهري الذي أصدر فيه فتوى كانت إحدى أسباب قتله، وذلك أن ابن أبي داود قال: إن المحبة لا تجوز على الله لأن المحبوب أمر حسي مادي والله تعالى منزه عن هذا. أما الحلاج فقال: إن الله يحب ويحب ولو أنه ليس بجسم، وصلته بمحبه صلة اضطرار لا اختيار. بل ذهب إلى أن كل محبوب فإنما يحب خلال الله، والظاهر أن الذي قصد إليه الحلاج من قوله أن المحبة الإلهية اضطرار لا اختيار هو أن بين الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية ميلا اضطراريا نحو الاتحاد كالميل الاضطراري بين الخمر والماء اللذين أشار إليهما في البيتين السابقين، فالمحبة متبادلة بين الطبيعتين كما أن الميل إلى الاتحاد متبادل بين عنصري الماء والخمر، ومعنى هذا أن حب الإنسان لله ليس مكتسبا ولا عارضا، بل هو جبلة في طبيعته تكشف عنها الحياة الصوفية وما فيها من رياضة وأحوال، وفي ضوء ما قلنا يتضح معنى الدعوى الحلاجية التي من أجلها لقي صاحبها حتفه وهي قوله: «أنا الحق» التي يترجمها الأستاذ ماسينيون: «أنا الحق الخالق» وأفضل أن تكون «أنا صورة الحق» أي أنا المظهر الخارجي الذي ظهر فيه الحق وعن طريقه عرف الحق وبواسطته ظهر جلال الحق وجماله، ويؤيد هذا التفسير عبارة للحلاج نفسه يقول فيها:
Unknown page