في ترجمة العنوان
أشخاص الرواية
المشاهد
مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
في ترجمة العنوان
أشخاص الرواية
المشاهد
مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
ترويض النمرة
ترويض النمرة
تأليف
ويليام شكسبير
ترجمة
إبراهيم رمزي
في ترجمة العنوان
كلمة
Shrew
في الإنجليزية معناها المرأة السلطة الصخابة، السيئة الخلق، وهي الشرسة والشكسة.
وعليه فالترجمة الحرفية للعنوان هي ترويض (المرأة) السلطة، أو ترويض الشرسة، أو الشكسة.
ولكن لما كان العنوان يتطلب من الناقل شيئا خاصا من الرعاية، فلا يجوز أن يكتفي بنقله حرفيا إذا أعوزه الرنين الواجب لروعة المطلع، وإذ رأيت الصورة الحرفية يعوزها الرنين المنشود؛ فكرت أن أتجاوز قليلا جدا، كما فعل المترجم الفرنسي، إذا ارتضى للعنوان «تأنيس المتوحشة»
La Sauvage Apprivoisée ، ورأيت أن أجعله «ترويض النمرة». وهون علي الأمر أن الشكاسة والشراسة كلمتان لمعنى واحد هو سوء الخلق والتنكر والخلاف والجراءة، وإنها صفة للحيوان المفترس كالأسد والنمر وما إليهما، كما تكون صفة للإنسان، وأن النمر اسم يوصف به الإنسان المتوحش، والرجل الشكس، والباغي الخبيث. وعلى ذلك فالمرأة نمرة، واشتقوا من هذا الاسم أفعالا فقالوا: نمر الرجل أي غضب وساء خلقه، وتنمر تنكر وتغير وأوعد؛ لأن النمر لا تلقاه إلا متنكرا غضبان. كما أني أجد الإضافة إلى الاسم أسلس وأبين من الإضافة إلى الصفة؛ لأن الرياضة تكون للحيوان لا لصفته.
ولقد كنت أؤمل حين عرضت الترجمات الثلاث للعنوان على حضرات المراجعين، وأبديت لهم وجه عذري في اختياري «ترويض النمرة» عنوانا للرواية أن يقروني، ولكنهم آثروا «ترويض الشرسة». ولما كنت قد عدت عند الطبع إلى ما ارتاحت إليه نفسي عنوانا لترجمتي، فقد رأيت من واجبي أن أثبت رأيهم لكي أحمل الوزر وحدي.
المعرب
أشخاص الرواية
بترتيب ظهورهم في التمثيل
في المقدمة
كريستوفر سلاي
Christopher Sly :
سمكري أفاق.
صاحبة الحان.
لورد.
خدمه وصيادوه.
بعض ممثلين.
غلام.
في متن الرواية
لوسنتيو:
فتى من سراة مدينة بيزا
Lucentio, of pisa
وهو ابن فنسنتيو.
ترانيو
Tranio :
خادمه.
بابتستا
Babtista :
أحد سراة بادوا الأغنياء.
كاتارينا
Katharina :
السلطة: ابنته الكبرى.
بيانكا
Bianca :
ابنته الصغرى.
جريميو
Gremio :
سري عجوز خاطب بيانكا.
هورتانسيو
Hortensio :
فتى خاطب بيانكا.
بيونديلو
Biondello :
غلام لوسنتيو.
بتروشيو
:
سري من فيرونا.
جروميو
Grumio :
خادمه.
خدم بابتستا.
كورتس
Curtis :
أحد خدم بتروشيو.
خدم بتروشيو:
ناتانييل
Nathaniel ، فيليب
، جوزيف
Joseph ، نيكولاس
Nicholas ، بيتر
.
معلم.
بزاز.
خياط.
فنسنتيو
Vincentio :
أحد سراة بيزا والد لوسنتيو.
أرملة:
ابنة بابتستا.
المشاهد
بعضها في مدينة بادوا والبعض في دار بتروشيو بالريف.
نقلت هذه الرواية عن نسخة
The New Readers Shakespeare
واستأنست بترجمة روغال الفرنسية.
مقدمة
المنظر الأول (حان ريفي على جانب الطريق بالقرب من أبواب أحد القصور. ينفتح الباب على حين فجأة، ويرى كريستوفر سلاي السمكري الأفاقي وقد أخرج من الحان مدفوعا من الوراء، وتتبعه صاحبة الحان مغضبة حانقة. وسلاي من السكر بحيث لا يفعل شيئا إزاء ذلك سوى الاحتجاج على ما لقيه بضجيج ولغب.)
سلاي :
والله لأكسرن رأسك.
صاحبة الحان :
إنك حقير وغد.
سلاي :
أنت الحقيرة، ليست أسرة سلاي أوغادا ... راجعي سجلات التاريخ فقد جئنا هذه البلاد في صحبة رتشارد الفاتح. إذن أقصري ودعي الدنيا تسير. امشي.
صاحبة الحان :
ألا تريد أن تدفع ثمن الكئوس التي كسرتها؟
سلاي :
لا ... ولا فلسا ... على رأي المثل: انجي بنفسك يا جيرونومي واذهبي إلى فراشك البارد تستدفئي.
صاحبة الحان :
أنا أعرف الدواء اللازم، سأذهب في طلب الشرطي الثالث (تخرج).
سلاي :
اذهبي وهاتي الثالث أو الرابع أو الخامس. سأجيبه بنص القانون، ولن أتزحزح خطوة عن موقفي. دعيه يأتي إذا تكرمت. (يرقد على الأرض ويغلبه النوم فينام نوما ثقيلا. وبعد هنيهات يمر اللورد صاحب القصر وهو عائد من الصيد برجاله وكلابه.)
اللورد :
يا صاحب الصيد، عليك برعاية الكلاب على الوجه الأتم، روح عن مريمانة المسكينة، فإنها تلهث من التعب وتزبد. واقرن كلدور مع ذات الفم الغائر. أرأيت أيها الغلام كيف تدارك سلفر خطأه في زاوية السياج عندما غم عليه؟ لا، لا أفارقه على عشرين جنيها.
الصياد الأول :
وبلمان يا سيدي اللورد، إنه لا يقل عنه كفاية، لقد نبح لأول وهلة غابت فيها الطريدة عن ناظريه، واليوم أمكنه أن يتشمم الصيد من أهون ريح. ثق يا مولاي أنه خير من سلفر.
اللورد :
أنت أبله. لو كان أيكو مثله في العدو لكان يعدل عشرا من بلمان. عش الكلاب عشاء وافيا وارعها تمام الرعاية. سأخرج إلى الصيد في الغد مرة أخرى.
الصياد الأول :
سمعا يا مولاي.
اللورد (عندما يرى سلاي راقدا) :
ما هذا؟! ... ميت أم سكران؟ انظر أهو يتنفس؟
الصياد الثاني :
يتنفس يا مولاي. لو لم يكن مستدفئا بما احتسى من الخمر ما استطاع أن ينام ملء جفنيه في هذا الفراش البارد.
اللورد :
يا له من بهيم بشع! انظر كيف هو مستلق كالخنزير! أيها الموت العابس، ما أشنع صورتك وأبغضها للعين! (يخطر في باله خاطر على حين فجأة)
أريد أن أعبث يا سادة بهذا الرجل المخمور، ما رأيكم لو نقلناه إلى فراش وثير مغطى بالخز والحرير، ووضعنا في أصابعه خواتيم وأعددنا بجوار سريره مائدة عليها أطيب الألوان، وجعلنا في خدمته حين يستيقظ فئة من الخدم في أبهى حلل، ألا ينسى هذا الصعلوك حينئذ حقيقة حاله؟
الصياد الأول :
لعمرك يا مولاي، ما إن له غير ذلك.
الصياد الثاني :
سيلوح الأمر لناظريه عجبا ساعة يفيق.
اللورد :
سيجده حلما خادعا أو وهما فارغا. احملوه إذن وأحسنوا اللعب، انقلوه برفق إلى أجمل غرفة في قصري وعلقوا على جدرانها جميع ما لدي من الصور المغرية، وعطروا رأسه القذر بماء ساخن عطر، واحرقوا في الغرفة أطيب الأعواد ليطيب مقامه، وأعدوا له حين يفيق فرقة موسيقية تسمعه ألطف الألحان وأسحرها. وإذا اتفق أن تكلم فسارعوا إليه وقولوا له في تجلة وخضوع: بماذا يأمر مولانا؟ وليقم بين يديه واحد منكم يحمل طستا من الفضة مليء بماء الورد وقد نثرت عليه الأزهار، وليحمل آخر الإبريق وآخر منشفة، وقولوا له: هل يريد مولانا أن تبترد راحتاه؟ وليكن واحد منكم قد أعد له ملبسا ثمينا فيسائله: أي حلة يريد مولاي لبسها؟ ويكلمه آخر عن كلاب صيده وعن جياده، وأن السيدة زوجه لا يفارقها الأسى لمرضه. أقنعوه أنه كان به مس من الجنون، فإذا أصر على تقرير حقيقة حاله فقولوا له إن ذلك وهم؛ إذ الواقع أنه سيد من عظماء السادة. هكذا تفعلون أيها السادة، وعليكم أن تراعوا شاكلة الأمر متقنين، فإذا عرفتم أن تدبروا الأمر وتحسنوه، فسيكون لنا منه لهو يفوق كل وصف.
الصياد الأول :
مولاي، أضمن لك قيامنا بأدوارنا حتى لا ندع له سبيلا إلا أن يعتقد، لما يراه من حسن أدائنا، أنه ليس إلا لوردا عظيما.
اللورد :
خذوه برفق إلى الفراش، وليمض كل منكم في عمله ساعة يفيق. (يحملون سلاي وهو على تلك الحالة من فقدان الحس إلى القصر، ويسمع عند ذلك صوت بوق.)
اذهب أنت يا غلام وتبين صاحب البوق (يخرج الخادم المخاطب) .
قد يكون صاحبه من كرام السادة المسافرين، فهو يريد أن ينزل في ضيافتنا. (يعود الخادم.)
ما وراءك؟ من صاحب البوق؟
الخادم :
ليس إلا نفرا من الممثلين يعرضون على مولاي خدمتهم.
اللورد :
فليدخلوا. (يدخل الممثلون)
مرحبا بكم يا جماعة.
الممثلون :
نشكر مولاي.
اللورد :
أفي عزمكم أن تقضوا الليلة معي؟
الممثل الأول :
إذا تفضل مولاي فتقبل خدمتنا.
اللورد :
بعظيم الارتياح (إلى الممثل الثاني)
إني أتذكر هذا الفتى منذ كان يمثل دور الولد الأكبر لفلاح في رواية، فقد كنت تمثل دور عاشق الحسناء أحسن تمثيل. لقد نسيت اسمك، ولكن في الحق كان الدور يلائمك تماما، وقد أديته بدون تكلف.
الممثل الثاني :
أظن مولاي يقصد دور سوتو.
اللورد :
بعينه. وقد أجدت تمثيله. نعم، لقد جئتم إلي في وقت الحاجة إليكم؛ لأني أعددت صنفا من اللهو ينفعني فيه فنكم كثيرا، في ضيافتي لورد سيحضر تمثيلكم الليلة ولكني غير واثق من قدرتكم على حبس عواطفكم، ذلك أني أخشى، إذ هو لم يشهد تمثيل رواية من قبل، أن يدفعكم شذوذ مسلكه إلى الضحك فيتأذى، بل إني لأخشى أيها السادة أنكم إذا ابتسمتم لشيء منه ضاق صدره وذهب صبره.
الممثل الأول :
لا عليك يا مولاي، إن في استطاعتنا ضبط عواطفنا ولو كان الرجل أعجب ضحكة في الدنيا.
اللورد (إلى أحد الخدم) :
هلم يا فتى، اذهب بهم إلى غرفة الطعام وأكرم كلا منهم إكرام الأحبة، لا تحبس عنهم شيئا يكون في بيتي. (يخرج الممثلون داخلين القصر وراء الخادم.) (إلى خادم آخر):
واذهب أنت إلى بارتولميو
Bartholomew
غلامي، ومره يلبس كل ما تلبسه المرأة من فرعها إلى قدمها، ثم سر به إلى غرفة صاحبنا السكران، وخاطبه بقولك يا سيدتي. في طاعة وأدب. وبلغه عني إذا أراد أن ينال رضاي، فعليه أن يسلك معه مسلك السيدات على نحو ما رأى من كرائم العقيلات في حضرة أزواجهن. وقل له أيضا أن يكون على حد الأدب في معاملة ذلك السكران، أوصه أن يكلمه برقة وبصوت منخفض وتواضع وأدب، ويقول له: خبرني يا مولاي، أي شيء تأمر به مما تستطيع امرأتك وزوجك الخاضعة أن تظهر بأدائه لك عظيم تعلقها بك وفرط محبتها لك؟ وقل له يتناوله بالعناق الرقيق والقبلات المغرية، ويميل برأسه على صدره ويذرف الدموع كأنما غلبتها عاطفة الفرح إذ ترى زوجها النبيل وقد ردت إليه العافية بعد سبع سنين لم تكن تراه إلا كالسائل البغيض المحروم في أطماره الكريهة. وإذا لم يكن للغلام موهبة المرأة في إرسال الدموع حينما يريد، فإن بصلة يضعها في منديل ويقربه من عينه كفيلة أن تدفعها إلى سكب الدموع. هلم، قم بتنفيذ ذلك بأسرع ما تستطيع وسأعطيك بعد ذلك أوامر أخرى. (ينسحب الغلام.)
إني واثق أن الغلام قادر على تمثيل رشاقة المرأة الراقية وتصنع صوتها وخطرتها وحركتها. ما أشد شوقي لسماعه وهو يقول للسكران: يا زوجي! ورؤية رجالي وهم حابسون أنفسهم عن الضحك ساعة يؤدون مراسم التجلة لهذا الريفي الساذج! سأذهب لإرشادهم ربما كان في وجودي بينهم ما يخفف من غلوائهم فلا يغرقون في الضحك. إني إذا لم أفعل تجاوزوا الحد وخرجوا عن الطوق.
المنظر الثاني
من المقدمة (بعد أن يصحو سلاي من سكرته يجد نفسه في سرير فخم يحيط به خدم وحشم، بعضهم يحملون أطايب من الطعام ليغروه بالإفطار وبعضهم يعاونونه على ارتداء الملابس. ويرى اللورد بينهم متنكرا.)
سلاي (وهو يتمطى في نعاسه) :
بالله عليك، كوزا من الجعة الخفيفة.
الخادم الأول :
ألا يشتهي مولاي اللورد أن يشرب كأسا من النبيذ الأبيض؟
الخادم الثاني :
ألا يشتهي مولاي الشريف أن يتذوق شيئا من هذه المجففات؟
الخادم الثالث :
أي ثياب يحب مولاي النبيل لبسها اليوم؟
سلاي (وهو على حاله من النعاس) :
أنا كريستوفر سلاي، لا تدعوني لوردا ولا شريفا، إني ما ذقت في حياتي النبيذ الأبيض، وإذا أردتم أن تعطوني شيئا من المجففات فهلم إلي باللحم القديد المجفف. وإياكم أن تسألوني أي ثوب أرتديه؛ فليس عندي من الأقمصة إلا بقدر ما لي من ظهور، ولا جوارب إلا بعدد ما لي من سيقان، ولا أحذية إلا بعدد أقدامي، بل ربما زاد عدد أقدامي أحيانا على ما لي من أحذية، وقد تكون أحذيتي من الصنف الذي تطل أصابع الرجلين من مقدمه.
اللورد :
اللهم اصرف هذا الهذر عن مولاي الشريف! رباه! كيف تأتى لرجل مثل هذا عظيم القدر شريف النسب، واسع الضياع، عالي المقام أن تغلب عليه هذه الأوهام؟!
سلاي (جالسا في دهش) :
ماذا؟! ... أتريدون أن تذهبوا بعقلي؟ ألست كريستوفر سلاي ابن العم سلاي، من ناحية برتون هيث
Burton Heath ، نشأتي بياع في الطرقات وصنعتي التي تعلمتها عمل الورق المقوى، والشغلة التي تدهورت إليها ملاعب للدببة، والحرفة التي أزاولها الآن سمكري؟ اسألوا مريان هاكت، المرأة السمينة صاحبة حانة وينكوت
Wincot ، فهي تعرفني حق المعرفة، وإذا لم تقل لكم إني مدين لها بأربعة عشر بنسا عدا ونقدا ثمن الجعة وحدها، فعدوني أكذب وغد في عالم المسيحية. ويحي! أنا لست مخبول العقل، وهذه جلية أمري.
الخادم الثالث :
هذا الكلام هو الذي جعل زوجكم الشريفة دائمة الحزن والأسى.
الخادم الثاني :
هذا هو الذي يجعل خدمك مطرقي الرءوس من الغم.
اللورد (متدخلا بسرعة قبل أن ينطق سلاي بشيء) :
من أجل هذا امتنع أهلك عن غشيان دارك، شردهم عنك ذلك الخبال الذي أنت فيه. أيها اللورد النبيل، اذكر أصلك الكريم، وأعد حسن تفكيرك من منفاه، وانف هذه الأوهام المزرية عن ذهنك. انظر كيف قام خدمك من حولك في خدمتك كل منهم في عمله طوع إشارتك. إن شئت أن تسمع الموسيقى فاسمع، ها هو ذا أبلو يعزف لك وها هي ذي عشرون بلبلا تصدح لك في أقفاصها، أو شئت أن ترقد فإنا نحملك إلى سرير أوثر وأطيب من سرير المتعة الذي أعد خصيصا ل سميراميس
Semiramis ، قل إنك تريد أن تمشي ونحن ننثر الورود في الطريق، قل إنك تريد أن تركب تحضر إليك جيادك محلاة العدة بالذهب واللؤلؤ. إن كنت تحب القنص بالباشق فإن لديك من الشواهين ما يستطيع أن يحلق فوق قبر الصباح في طيرانها، أو كنت تحب الصيد بالكلاب هزت صفحة السماء بنباحها ورجعت الأودية أصداءها.
الخادم الأول :
قل إنك تريد صيد الطراد تجد كلابك السلوقية في سرعة الوعل الطويل النفس، نعم، بل أسرع من الظبية.
الخادم الثاني :
أتحب الصور؟ ... سنحضر لك على الفور أدونيس
Adonis
مصورا بجوار غدير جار، وسيتريا
Cytherea ، وقد استترت في شملة من عشب السعد يخيل إليك أنها تتنفس وتتحرك مرحا، وكأن ما عليها من العشب يهتز ميلا مع النسيم.
اللورد :
سنريك أيو
Io
حينما كانت عذراء وكيف استهويت على حين غرة منها، مصورة بإبداع حتى لكأنك ترى الأمر يقع.
الخادم الثالث :
أو صورة الفتاة دافني
Daphne
وهي هائمة في غابة شائكة تجرح سيقانها حتى ليكاد يقسم الناظر أنها تدمى، وعاشقها أبلو يبكي حزنا لهذا المنظر، يالله! ما أبدع تصوير قطرات الدم والدمع في تلك الصورة!
اللورد :
أنت يا سيدي لورد، ولا شيء إلا لورد، ولك امرأة أجمل من كل امرأة في عصر الاضمحلال الذي نحن فيه.
الخادم الأول :
وكانت إلى اليوم الذي أرسلت فيه سيل دموعها منحدرا على محياها الجميل كفيضان تتبارى قطراته حزنا عليك؛ أجمل امرأة في الدنيا، بيد أنها حتى اليوم لا تفوقها في الحسن حسناء.
سلاي (وكاد يملكه الاقتناع بتأثير هذا السيل الجارف من الكلام) :
أأنا لورد؟! ... وهل لي امرأة كما يصفون، أم أنني أرى في المنام رؤيا، أم أنني كنت حتى الآن في الرؤيا؟! ولكني غير نائم، إني أبصر وأسمع وأتكلم، وأتنسم أريجا طيبا، وأستشعر أشياء لينة الملمس. لعمري لأنا لورد حقا، لا سمكري ولا كريستوفر سلاي. أجل، هلم هاتوا زوجنا لنراها، وآمركم مرة أخرى أن تحضروا كوزا من أخف أنواع الجعة.
الخادم الثاني :
أتحبون عظمتكم أن تغسلوا يديكم؟ (يؤتى بإبريق وطست ومنشفة وتقدم إليه باحترام) ... ما أسعدنا برؤيتك وقد رد إليك عقلك وعدت تعرف من أنت، لقد كنت في هذه السنوات الخمس عشرة في أحلام، فلما أفقت عدت كأنما كنت نائما.
سلاي (بشك) :
هذه السنوات الخمس عشرة! ما أطيبها نومة وربي! ولكن خبروني ألم أتكلم طوال هذه المدة؟
الخادم الأول :
أجل يا مولاي، ولكنك لم تكن تتكلم إلا كلاما فارغا، فقد كنت تقول وأنت راقد في هذه الغرفة الفخمة إنهم طردوك، وتلعن صاحبة الحان، وتقول إنك سترفع أمرها إلى المحكمة؛ لأنها تستعمل جرارا من الحجر بدلا من قناني مختومة، وكنت أحيانا تنادي سيسلي هاكت.
سلاي :
أجل، خادمة صاحبة الحان.
الخادم الثالث :
عجبا يا سيدي! لست تعرف مثل تلك الدار، ولا تلك الخادم، ولا ناسا ممن كنت تعدد أسماءهم، مثل ستيفن سلاي
Stephen Sly
والعم جون نابس
John Naps
الإغريقي وبيتر تورف
وهنري پمپرنيل
Henry Pimpernell
وعشرين اسما من نوع هذه الأسماء لم تقع العين على أصحابها، ولا كان لهم وجود في الدنيا.
سلاي :
إذن فلنشكر الله على الصحة.
الجميع :
آمين.
سلاي :
وأشكركم جميعا، لن يعدوكم جزاء ذلك. (يدخل الغلام متنكرا كأنه سيدة القصر تصحبها وصيفتها، فتنحني تحية لسلاي.)
السيدة :
كيف حال مولاي النبيل؟
سلاي :
أحسن حال وربي! فإني لأجدني في غبطة وسعادة، أين زوجي؟
السيدة :
ها أنا ذي يا مولاي النبيل، مرني بما تشاء.
سلاي :
أنت زوجي ثم تقولين يا مولاي؟! للرجال أن يخاطبوني بهذا اللقب، أما أنا فزوجك.
السيدة :
زوجي ومولاي، مولاي وزوجي، إني زوجك الطائعة.
سلاي :
أعرف ذلك حق المعرفة. (إلى اللورد):
كيف أدعوها؟
اللورد :
مدام.
سلاي :
أليس مدام أم جوان مدام؟
اللورد : «مدام» ليس غير. كذلك يدعو اللوردة زوجاتهم.
سلاي :
يا مدام زوجي، إنهم يقولون إني كنت أرى رؤيا، وإنني نمت حوالى خمسة عشر عاما أو أكثر!
السيدة :
أجل، وكأنها عندي ثلاثون سنة. (يدخل رسول.)
رسول :
فرقة ممثلي القصر يا مولاي سمعوا بشفائك فأتوا يلعبون أمامك أمثولة هزل، فقد قال أطباؤك إن هذا التمثيل نافع لك. قالوا إن ما لقيت من الغم قد أفسد دمك، والغم يورث الخبال؛ ولذلك رأوا أن تشهد رواية تنزل في فؤادك البهجة والمرح، وتشرد عنك سحائب الآلام، وتطيل في عمرك.
سلاي :
إذن اسمح لهم أن يلعبوا. أليست المهزلة نوعا من قراقوز العيد، أو ملعوبا يوقع فيه إنسان؟
السيدة :
لا يا مولاي، إنها متاع آخر ألطف وأحلى.
سلاي :
كيف؟! متاع من متاع المنازل؟
السيدة :
هي نوع من التاريخ.
سلاي :
لا بأس، فلنرها. تعالي يا مدام زوجي، اجلسي إلى جانبي، ودعي الدنيا تسير بنا، ولنغتنم الفرصة فإن ما مضى من أعمارنا لن يعود. (ينفخ في الأبواق ويبتدئ اللعب.)
الفصل الأول
المنظر الأول (لوسنتيو بن فنسنتيو من مدينة بيزا، حديث المجيء إلى بادوا يصحبه خادمه ترانيو.)
لوسنتيو :
ترانيو، إذ كانت شدة الشوق لرؤية مدينة بادوا الجميلة مهد الفنون والآداب قد أنزلتني في لومبارديا الخصيبة جنة إيطاليا العظيمة، وإذ يشد أزري اليوم حب أبي إياي وإذنه ويصحبني منه الرضا ومنك حسن المرافقة أنت يا خادمي الأمين يا ذا الخلق القويم في كل منحى؛ فهلم بنا نتنفس قليلا، ونشرع خفاف القلب في تلقي منهج من العلم والأدب الحر في جامعتها. بيزا بلد الرصانة، في أهلها ولدتني. وأبي هو فنسنتيو التاجر ذو المعاملات التي تضرب في أنحاء العالم وسليل بيت بنتيفولي
Bentevolli . وإذ إن ولد فنسنتيو إنما تربى في فلورنسا ليحقق الآمال التي نيطت به، فحق عليه أن يزين جبين جده بفضائل الأعمال. من أجل هذا فإني عازم في خلال الدرس على أن أوفر نفسي على اكتساب الفضيلة، وعلى تحصيل مطلب الفلسفة الذي يبحث في السعادة، تلك السعادة التي لا يمكن نيلها إلا بالفضيلة خاصة. ماذا ترى في ذلك، لأني تركت بيزا ورائي وجئت إلى بادوا كمن يترك الجدول الضحضاح ليغتمر في لجة النهر العميق، وينقع غلة ظمئه؟
ترانيو :
معذرة يا سيدي الكريم ، إني أشاطرك الرأي في كل هذا، ويسرني أن تستمر في عزمك على ارتشاف حلاوة الفلسفة، ولكن حذار يا سيدي العزيز ونحن مغرمون بهذه الفضيلة وهذه الرياضة الخلقية أن يسوقنا الأمر حتى نصبح من الرواقيين أهل الزهد والجمود، أو يدفعنا التعلق بمبادئ الفيلسوف أرسطو حتى نرى غزل الشاعر أوفيد هملا وسقطا مستوجبا كل زراية! استعمل المنطق في الحديث مع معارفك، ومرن لسانك على البيان في كلامك السائر، وتعلم الموسيقى والبلاغة لتزكو نفسك، وإياك أن تجنح إلى الرياضيات وعلم ما وراء المادة إلا بقدر ما يعينان فؤادك على أمرك. واعلم أنه لا فائدة للإنسان من شيء لا يكون له منه مسرة. وقصارى القول يا سيدي أن تدرس ما ترى نفسك إليه أميل.
لوسنتيو :
شكرا لك يا ترانيو على هذه النصائح الغالية. آه يا بيونديلو! لو أنك بلغت الشاطئ لكنا اليوم قد انتهينا من إعداد شئوننا، ولكنا استطعنا أن نقيم منزلا يصلح لإكرام الصحاب الذين ستلدهم الأيام لنا في بادوا. ولكن رويدك قليلا، من القادمون؟
ترانيو :
سيدي، هؤلاء نفر أتوا للترحيب بمقدمك إلى المدينة. (يقفان على جانب الطريق. ويدنو بابتستا، أحد أغنياء بادوا، ومعه ابنتاه كاتارينا وبيانكا، وبرفقتهما جريميو وهورتانسيو خاطبا بيانكا.) (بيانكا فتاة حلوة الطبع، طيبة القلب. أما كاتارينا «الشرسة» فذات طبع حاد لا يكبح جماحه، لا يطيقها أحد ممن يتصل بها في شيء؛ ولذلك فإن أباها بابتستا لا يسمح بزواج بيانكا حتى يخلص من ابنته الشكسة الصعبة المراس.
أما خاطبا بيانكا فأحدهما، وهو جريميو، رجل مسن، مغرم بها، مع خفة في العقل. والآخر هورتانسيو، وإن كان أليق بها فإن حبه موجه في أغلبه إلى مال الفتاة لا إلى الفتاة نفسها).
بابتستا :
أيها السادة، لا تلحفوا فإني ثابت العزم كما تعلمون لا أزوج ابنتي الصغرى قبل أن يجيئني زوج للكبرى، إني أعرفكما حق المعرفة وأحبكما كل الحب، فإذا كان فيكما من يحب كاتارينا، فإني أسمح له بخطبتها والتحبب إليها أنى شاء.
جريميو (لنفسه) :
إنها أولى أن تربط في مؤخرة عربة وتسام سوء العذاب. ما لي قدرة على احتمال شرها وجلافتها. هيا أنت يا هورتانسيو، ألا تريد أن تتزوج؟
كاتارينا (إلى أبيها بغضب) :
خبرني يا سيدي أتريد أن تجعلني هزأة في عين هذين الرفيقين؟
هورتانسيو :
الرفيقين يا آنسة! ماذا تعنين بذلك؟ لن يكون لك منهما أحد حتى تكوني ألطف من هذا طبعا وأرق تكوينا.
كاتارينا :
بالله يا سيدي لا تخش بأسا! إنك لم تقطع نصف الطريق المؤدي إلى قلبي، وإلا فما كانت تقصر عنايتي بك عن تمشيط رأسك بكرسي مثلث الأرجل، وصبغ أديم وجهك بدمك، وجعلك ضحكة وهزأة كضحكة القصور.
هورتانسيو :
اللهم نجنا من أمثال هذه الشياطين.
جريميو :
وأنا أيضا يا إلهي! (يرق لوسنتيو لبيانكا فيميل نحوها ولكن ترانيو يمنعه.)
ترانيو :
رويدك يا سيدي، إنها فرجة سنحت لنا، هذه الآنسة إما مجنونة تمام الجنون أو أنها شريرة عاتية.
لوسنتيو :
ولكني أرى في سكوت الأخرى لطف العذراء وكياستها، مهلا يا ترانيو.
ترانيو :
صدقت يا سيدي، سكت. املأ عينيك منها كما تشاء.
بابتستا :
أيها السادة، لكي أحقق لكم ما قلته الآن سأحجبها على الفور. بيانكا، ادخلي الدار، ولا يسوءك هذا، فما ينقصك حبي إياك يا ابنتي الكريمة النفس.
كاتارينا :
يا لها من دمية جميلة لا أثر للحياة فيها! لو وضعت إصبعك في عينها ما شعرت بما فعلت.
بيانكا :
أختي، لتكن لك السعادة من شقائي. وأنت يا سيدي الوالد، إني طوع إرادتك. سأجعل لنفسي رفقة من الكتب وآلات الموسيقى أطالع فيها وأعزف عليها، فريدة في غرفتي.
لوسنتيو :
اسمع يا ترانيو، لكأنك تسمع منيرفا نفسها تتكلم.
هورتانسيو :
يا سيد بابتستا، أترضى أن تسلك هذا المسلك الشاذ في معاملة ابنتك؟ يحزنني أن يبعث حسن قصدنا أسى لبيانكا.
جريميو :
لماذا تحبسها يا سيد بابتستا؟ من أجل شيطانة الجحيم هذي؟! وتحملها على معاناة العذاب تكفيرا عما جنى لسان أختها؟!
بابتستا :
مهلا يا سادة، هذا ما عزمت عليه ولن أرجع فيه. بيانكا، ادخلي (تخرج بيانكا).
وإذ إني أعلم أنها مغرمة بالموسيقى والآلات وبالشعر، فسأجمع لها في بيتي من المعلمين عدة يتولون تعليمها. فإذا كنت يا هورتانسيو أو يا سيد جريميو تعرف من يليق لذلك فابعث به إلي. واعلم أني أكرم أهل الحذق ولا أقصر عن السخاء في سبيل تربية أولادي، ولذلك أستودعكم الله. كاتارينا، انتظري هنا إذا شئت، فإن لدي حديثا مع بيانكا (يخرج في أثر بيانكا).
كاتارينا :
أظن أن لي الحق في أن أذهب من هنا أنا أيضا، لم لا؟ ماذا؟! أيريد أن أبقى هنا ساعات طويلة كأنما أنا لا أدري ما آخذ وما أترك، ها؟ (تخرج).
جريميو :
أولى بك أن تلحقي بحظيرة الشياطين! إن مواهبك قد بلغت حدا لا يدرك، فلا يستطيع أحد هنا أن يقف في سبيلك. ليس حب بابتستا لابنته هذه عظيما يا هورتانسيو، فلنصفر معا لحن الخيبة والخذلان، لقد سقط في أيدينا وحبطت آمالنا، فوداعا أيتها الآمال! ولكني، لما أحمل من الحب لبيانكا الجميلة، إذا استطعت أن أعثر لها على رجل يصلح لتعليمها ما تحب فسأذكره عند أبيها.
هورتانسيو :
وسأفعل كذلك يا سيد جريميو. ولكن لي كلمة إذا تكرمت: نعم، إن تنافسنا لا يسمح لنا بالحديث والتذاكر، ولكن اعلم أننا إذا فكرنا في مصلحتنا وأردنا أن نقترب مرة أخرى من حبيبتنا الجميلة ونعود إلى التنافس السعيد فيها؛ فهناك أمر يجب علينا أن نوجه إليه همتنا.
جريميو :
أي أمر هذا يا ترى؟
هورتانسيو :
أن نبحث عن زوج لأختها.
جريميو :
زوج! عفريت.
هورتانسيو :
أقول زوج.
جريميو :
وأقول عفريت. أتظن يا هورتانسيو أن في الدنيا رجلا من الغفلة والجنون بحيث يرضى أن يتزوج جهنم هذه، وإن كان أبوها واسع الثروة والغنى؟
هورتانسيو :
عجبا يا جريميو! إذا لم يكن في وسعي ولا وسعك أن نتحمل منها مثل ذلك الصخب المزعج، فإن في الدنيا لو فتشت رجالا كثيرين يتمنون لو يأخذونها على عيوبها؛ طمعا في مهرها العظيم.
جريميو :
لا أدري، ولكن حري بي لو أخذت مهرها على هذه العلة أن أضرب بالسوط صباح كل يوم في ساحة السوق.
هورتانسيو :
هو كما تقول، ليس للمرء خيار في تفاح عفن، ولكن اسمع إذا كان هذا المانع قد جمعنا على صداقة، فلتبق هذه الصداقة بيننا حتى نجد زوجا لابنة بابتستا الكبرى، ونطلق بهذا سراح ابنته الصغرى، ثم نعود إلى التنافس كرة أخرى. آه يا بيانكا الجميلة! ما أسعد الرجل الذى تكونين من قسمته! من يكن منا أسرع خطوا من صاحبه يظفر بخاتم الخطبة. ماذا تقول في ذلك يا سيد جريميو؟
جريميو :
أنا موافق. ووددت لو أعطيت أسرع جواد في بادوا لمن يريد أن يستبق إليها، ليتحبب إليها ويخطبها ويتزوجها ويريح المنزل منها! هلم بنا. (يخرج جريميو وهورتانسيو متأبطا أحدهما ذراع الآخر، وفي هذه الأثناء يكون لوسنتيو قد تنقل به الأمر من الإعجاب ببيانكا إلى توله.)
ترانيو :
بالله خبرني يا سيدي، أيمكن أن يملك الحب قلب صاحبه مفاجأة كما أرى؟
لوسنتيو (مفتتنا) :
آه يا ترانيو! ما كنت أظن الأمر ممكنا أو جائزا قبل ما وقع لي، ولكن انظر حينما كنت واقفا أنتظر في سكون وجدت أثر الحب في هنيهة ذلك السكون نفسه. والآن أقر لك صراحة يا ترانيو، يا من أنت موضع السر والمحبة مني كما كانت حنا من ملكة قرطاجة، أني أحترق وأذوي وأفنى يا ترانيو إذا أنا لم أظفر بتلك الفتاة الصغيرة الوديعة. كن مدبر أمري يا ترانيو، فإني أعلم أنك قادر على ذلك، وكن عونا لي فإني أعلم أنك لا تأبى علي ذلك.
ترانيو :
سيدي، ليس هذا وقت لومك، ليس يمحو الحب عذل العاذلين. وإذا كان الحب قد مس فؤادك فما بقي في اليد غير أمر واحد، يقول المثل: «العاقل من يفتدي نفسه من الأسر بأقل فدية».
لوسنتيو :
شكرا لك يا صاحبي، شكرا عظيما، فلنتصرف، كفاني الآن هذا. لن يسليني إلا سماع حديثك ونصحك الرشيد.
ترانيو :
سيدي، لقد كنت تنظر إلى الفتاة متلهفا؛ ولذلك أخشى أن تكون قد غفلت عن الجوهر.
لوسنتيو :
لم أغفل عن شيء، لقد رأيت وجهها يتلألأ بالجمال كوجه ابنة أزينور
Azenor
إذ ملكت فؤاد جوبيتور العظيم، فهوى على يديها في ذلة وخضوع حتى جثت ركبتاه على شاطئ كريد.
ترانيو :
ألم تر غير ذلك؟ ألم تر كيف أن أختها أخذت تصخب وتزمجر وتثير زوبعة لا تحتمل أذن الإنسان وقعها؟
لوسنتيو :
رأيت عقيق شفتيها يتحرك وأحسست أنها تعطر الهواء بأنفاسها، كل ما رأيت منها كان مقدسا وكان جميلا.
ترانيو :
ويحي! لقد حان لي أن أوقظه من غيبوبته (يهز سيده)
سيدي، أفق بالله عليك! إذا كنت تحب الفتاة فأعمل رأيك وذكاءك للظفر بها. الواقع الآن ما أذكره لك: أختها الكبرى فتاة شكسة سلطة اللسان، وما لم يخلص أبوها منها فلابد أن يبقى حبك يا سيدي حبيسا كالعذراء في بيتها؛ ولذلك فإنه أقفل باب القفص على صاحبتك حتى يريحها من إلحاح الخطاب والرغاب.
لوسنتيو :
آه يا ترانيو! ما أقسى هذا الوالد! ولكن ألم تر أنه اعتزم أن يستأجر لها بعض الأساتذة ليتولوا تعليمها؟
ترانيو :
بلى، بلى، يا سيدي. وعندي في هذا تدبير.
لوسنتيو :
وعندي كذلك يا ترانيو.
ترانيو :
سيدي، أقسم أن الرأيين واحد، وأنهما يرميان إلى غرض واحد.
لوسنتيو :
قل لي أنت رأيك أولا.
ترانيو :
تكون أنت المعلم وتتولى تعليم الفتاة، أليس هذا ما ترى؟
لوسنتيو :
بعينه. هل يمكن أن ينفذ ذلك؟
ترانيو :
لا يمكن. من الذي يقوم بدورك ويجعل نفسه في بادوا ولد فنسنتيو: يفتح دارا، ويدرس كتب الجامعة، ويرحب بإخوانه، ويزور بني بلدته، ويقيم لهم الولائم؟
لوسنتيو :
هون عليك. عندي لذلك عدته كلها: إلى الآن لم نطرق بيتا، ولا يستطيع أحد أن يعرف من وجوهنا أينا الخادم وأينا السيد. وعليه فلتكن أنت السيد يا ترانيو في مكاني، فاستأجر منزلا وتلبس سيادته وأكثر خدما كما يجمل بمثلي. أما أنا فسأجعل نفسي رجلا آخر من أهل فلورنسا أو نابولي أو رجلا رقيق الحال من بيزا. لقد نضجت الفكرة فيجب أن تستقر على ذلك. اخلع ثيابك وخذ قبعتي الملونة وطيلساني، وإذا جاء بيونديلو فسيقوم بخدمتك، ولكن لا بد لي أن أخلب لبه وأستهويه ليحبس لسانه عن الكلام.
ترانيو :
حقا إنك في حاجة إلى ذلك (يخلع ثيابه ويتبادلان الثياب) . وقصارى القول يا سيدي إنه ما دامت هذه مشيئتك وأنا مكلف بطاعتك؛ إذ قال أبوك قبل رحيلنا أطع ولدي، وإن لم يكن يقصد فيما أظن أن تكون الطاعة في مثل ذلك، فإني راض أن أكون لوسنتيو لأني أحب لوسنتيو كثيرا.
لوسنتيو :
كن كذلك؛ لأن لوسنتيو قد وقع في أشراك الغرام. فلأكن عبدا إن كان ذلك يقربني من تلك الفتاة التي أسرت عيني عند النظرة الأولى. ها هو ذا الوغد قد أتى. (يدنو بيونديلو غلام لوسنتيو)
هيا فتى، أين كنت؟
بيونديلو :
أين كنت؟! ويحي! كيف هذا؟! بل أين أنت؟ سيدي، هل سرق ترانيو ثيابك أم سرقت أنت ثيابه أم كلاكما سرق؟! بالله خبرني ما سر هذا؟!
لوسنتيو :
أيها الوغد، ادن مني ليس هذا وقت المزاح؛ ولذلك يجب عليك أن تجعل مسلكك وفاق الحال. زميلك ترانيو هذا لينقذ حياتي يلبس ثيابي ويظهر بمظهري وأنا لأنجو لبست ثيابه، فإني مذ بلغت شاطئ هذه البلدة قتلت رجلا في شجار، وأخشى أن يكون قد شهدني أحد؛ لذلك أكلفك القيام بواجب خدمته بما يليق بي حتى أجد السبيل إلى الفرار من هذا المكان لأنجو بنفسي، أفهمت؟
بيونديلو :
أنا يا سيدي لم أفهم شيئا.
لوسنتيو :
إياك أن تنبس شفتك بحرف من اسم ترانيو، ترانيو قد استحال لوسنتيو.
بيونديلو :
من حسن حظه. أتمنى لو صح لي مثل أمره.
ترانيو :
وأتمنى أنا أيضا يا ولدي أن ينال لوسنتيو صغرى بنات بابتستا. ولكني أوصيك أيها الوغد، لا من أجلي بل من أجل سيدك، أن تستعمل العقل في أعمالك في جميع الظروف، إذا أنا كنت وحدي فأنا بطبيعة الحال ترانيو، ولكني في كل ظرف آخر سيدك لوسنتيو.
لوسنتيو :
ترانيو، هلم بنا. بقي عليك شيء واحد تقوم به، وهو أن تكون من بين خطاب هذه الفتاة، وإذا أنت سألتني سر ذلك فالسبب وجيه وعظيم. (يخرجان). (كريستوفر سلاي وهو لم يتعود شهود مثل هذه المباهج العالية يدركه النعاس.)
الخادم الأول :
مولاي، إنك تنام، أنت غير منتبه إلى الرواية.
سلاي :
بل منتبه وحق القديسة حنا، هل بقي منها شيء؟
السيدة :
إنها إنما ابتدأت الآن.
سلاي :
إنها قطعة فنية رائعة يا مدام سيدتي (يتثاءب)
ليت أنها قد انتهت.
المنظر الثاني (بتروشيو وهو من سراة فيرونا أتى هو أيضا إلى بادوا في التماس الثروة ولو من طريق الزواج إذا اقتضى الحال، وقد أحضر معه خادمه جروميو، وهما واقفان أمام منزل هورتانسيو.)
بتروشيو :
فيرونا، أودعك إلى حين لأرى أصحابي في بادوا ولا سيما صديقي المحبوب هورتانسيو، وفي اعتقادي أني واقف أمام داره. هيا جروميو، تعال واضرب.
جروميو :
أضرب يا سيدي؟ أضرب من؟ هل أساء أحد إلى سماحتك؟
بتروشيو :
ويك يا وغد! أقول لك اضرب
1
لي هنا بشدة.
جروميو :
أضربك يا سيدي، ويحي يا سيدي! من أنا يا سيدي حتى أضربك هنا يا سيدي؟
بتروشيو :
أقول لك يا وغد دق لي على هذا الباب، واطرق لي جيدا، وإلا دققت لك رأسك؟
جروميو :
لقد أصبح سيدي يحب الشجار، إذا ضربتك يا سيدي فإني أعرف سوء العاقبة.
بتروشيو :
ألا تضرب؟ والله لئن لم تضرب لأشدن جرس أذنك (يلوي أذن جروميو)
سأرى هل تعرف الصول والفا وتغني.
جروميو :
الغياث يا سادة! الغياث! سيدي مجنون.
بتروشيو :
أرأيت؟ اضرب حيثما آمرك أيها الوغد اللئيم. (يأخذ في ضرب جروميو وهذا يحتج بصوت عال. وإذ يتنبه هورتانسيو إلى الضجيج فهو يأتي من الدار.)
هورتانسيو :
ما هذا؟ صديقي القديم العهد جروميو؟ وصديقي الكريم بتروشيو؟ كيف حال أهل فيرونا؟
بتروشيو :
السيد هورتانسيو! أجئت لتفض هذا الشجار؟ يا سيد هورتانسيو، ليس في الأمر ما يدعو إلى هذا يا صديقي المبجل.
هورتانسيو :
مرحبا بك وأهلا. انهض يا جروميو، انهض، سنعد لهذا القتال عدته في فرصة أخرى.
جروميو :
كلا يا سيدي، لا يهمك ما يدعيه الآن باللسان اللاتيني. اسمع يا سيدي واحكم أليس ما أذكره لك سببا شرعيا يحملني على ترك خدمته؟ اسمع يا سيدي: أمرني أن أضربه وأدقه بشدة يا سيدي، هل كان يليق بخادم أن يفعل هذا بسيده، وهو فيما أرى يبلغ الثانية والثلاثين أو يزيد؟! لعمري لو أنني فعلت به هذا أولا لما عرف جروميو قدر ما يصيبه من الأذى من جراء ذلك.
بتروشيو :
يا له من وغد أبله! يا سيد هورتانسيو، لقد أمرت هذا الصعلوك أن يدق باب بيتك، ولم أستطع أن أحمله على ذلك على الرغم من إلحاحي.
جروميو :
أدق باب البيت! يا إلهي! ألم تقل لي هذه الكلمات بوضوح: اضربني، اضربني هنا، اضربني جيدا، اضربني بشدة. والآن أنت تقول إنك أمرتني أن أدق باب البيت؟!
بتروشيو :
انصرف يا وغد، أو فالزم الصمت خير لك.
هورتانسيو :
صبرا يا بتروشيو، أنا الضمين لجروميو، هذا نزاع يؤسف لحدوثه بينك وبينه وهو خادمك القديم المخلص الظريف. قل لي الآن أيها الصديق الحبيب أي ريح طيبة دفعت بشراعك إلى بادوا من فيرونا القديمة؟
بتروشيو :
الريح التي تدفع بالفتيان في مناكب الأرض ليسعوا في سبيل الرزق فيما وراء بلادهم حيث لا تزداد خبرتهم بالحياة إذا لزموها. ولكني مخبرك موجزا يا سيد هورتانسيو عن حالي كما هو الآن: أنطونيو أبي توفي، وقد ألقيت بنفسي في تيه هذه المدينة عسى أن أجد لي زوجة وأنال بها من الثروة ما أستطيع نيله، عندي نقود في جيبي وبضاعة في بيتي؛ ولذلك خرجت من بلدي لأرى الدنيا.
هورتانسيو :
بتروشيو ... إذا كان لي أن أتكلم مسارعا ففي مقدوري أن أدلك على زوجة غنية، غنية جدا ... بيد أنك لن تشكرني على ذلك؛ لأنها شكسة منحوسة ونحن من الصداقة بحيث لا أرضى لك مثلها.
بتروشيو :
بين مثلينا من الأصدقاء يكفي الكلام القليل، إذا كنت تعرف امرأة من الثروة بحيث تليق أن تكون زوجة لبتروشيو، إذ المال أنشودة قلبه وعقله في هذا الزواج، فعرفني بها. إن تكن مشوهة الخلقة كصاحبة فلوران عجوزا مثل سيبيل، شريرة سلطة اللسان مثل زانتيب زوجة سقراط أو أقبح منها؛ فإنها لا تضيرني بل لا يقل ذلك من حبي، كلا، ولو كانت هوجاء كأمواج البحر الأدرياتيكي. إني إنما أتيت لأتزوج مثرية من أهل بادوا زواج الغنى، يعني زواج السعادة.
جروميو :
إليك يا سيدي فاسمع، إنه يطلعك صراحة على ما في نفسه ، املأ جيبه ذهبا يقبل أن يتزوج من العرائس الخشبية، أو مما ترسم الإبر من الصور على النسيج، أو من سعلاة عجوز ليس في فمها سن واحدة، ولو كانت تحمل في بدنها من الأدواء قدر ما يحمل اثنان وخمسون حصانا! لا يهمه من ذلك شيء ما إن يأته المال من ورائه.
هورتانسيو :
بتروشيو، ما دمنا قد دخلنا في الموضوع إلى هذا الحد فسأمضي بالجد فيما فاتحتك فيه في الواقع هازلا، إني أستطيع يا بتروشيو أن أساعدك على الحصول على زوجة ذات ثروة تسد مطامعك، صغيرة السن جميلة الخلقة، ربيت كخير ما تربى السريات. بيد أن عيبها الوحيد، وما أكبره عيبا! أنها من الشكاسة فوق حد الاحتمال، امرأة وحشية الطباع، بحيث لو أنني كنت في حالة من العيش أسوأ مما أنا فيه ما كنت أرضى بزواجها ولو جاءتني بكنز من الذهب.
بتروشيو :
حسبك يا هورتانسيو، لست تعرف ما للذهب من قوة الأثر. اذكر لي اسم والدها واسترح، فإني ملاقيها ولو صخبت كالرعد حين تتقصف السحب في الخريف.
هورتانسيو :
أبوها اسمه بابتستا مينولا، وهو رجل لطيف المعشر حلو المجاملة، واسمها كاتارينا مينولا المعروفة في بادوا بلسانها السالق السلط.
بتروشيو :
إني أعرف أباها، ولكني لا أعرفها، وهو يعرف المرحوم أبي حق المعرفة، لن أرقد في الفراش يا هورتانسيو حتى أراها؛ ولذلك أستميحك العذر في تركك الآن عند أول مقابلة إلا إذا شئت أن تصحبني إلى دارها.
جروميو (إلى هورتانسيو وقد شدهه ما رأى من تسرع بتروشيو) :
أتوسل إليك يا سيدي أن تدعه يذهب قبل أن يتغير مزاجه. يا إلهي! لو كانت تعرفه حقا كما أعرفه أنا لوجدت أن التقريع والسلق لا يجدي منه شيئا. نعم، قد ترميه بعشر مترادفات أو أكثر من أسماء الأوغاد، ولكنه لن يتأثر بشيء منها. وإذا هو أخذ يتكلم فسيغرق في خطاباته الفارغة. وأقول لك يا سيدي إنها إذا احتملته قليلا فسيجعل على وجهها من دهشتها صورة تتلف سحنتها، فإذا عيناها قد أصبحتا كعيني الهرة شاخصتين لا تكادان تنظران! لا ، إنك لا تعرفه يا سيدي.
هورتانسيو (يتذكر أنه إذا تزوجت كاتارينا خلا الجو له ليعمل على تحقيق آماله في زواج بيانكا) :
مهلا يا بتروشيو سأذهب معك؛ فإن كنزي في وديعة بابتستا، في يده متعة حياتي ابنته الصغرى بيانكا الجميلة، إنه يحجبها عني وعن غيري من خطابها ومنافسي في هواها، زاعما أن من المستحيل - لما ذكرت لك من سيئات كاتارينا - أن يتقدم أحد إليها راغبا في زواجها؛ ولذلك قرر بابتستا أن لا يدنو أحد من بيانكا حتى تجد كاتارينا اللعينة من يتزوجها.
جروميو :
كاتارينا اللعينة! أقبح به لقبا لفتاة!
هورتانسيو :
والآن يا صديقي بتروشيو أريد أن تصنع في جميلا؟ أريد أن تقدمني وأنا متنكر في ثوب الوقار والحشمة إلى بابتستا على أني معلم من أهل الدراية بالموسيقى والكفاية لتعليم بيانكا، فلعلي بهذه الوسيلة على الأقل أن أتمكن من التحبب إليها ومواصلتها بلا رقيب.
جروميو :
ليست هذه مؤامرة سافلة! وي! انظروا كيف يمكر الفتيان بالشيوخ! سيدي، سيدي، التفت، من السائر هناك، ها؟ (يقفان جانبا إذ يدخل جريميو ومعه لوسنتيو متنكرا في ثوب أستاذ يحمل بعض الكتب تحت إبطه.)
هورتانسيو :
اسكت يا جروميو، هذا منافسي في الهوى. بتروشيو، قف بنا جانبا لحظة.
جروميو (متهكما من جريميو) :
فتى حلو الطلعة وعاشق جميل! (ينسحبون.)
جريميو :
نعم، حسن، لقد قرأت الخطاب جيدا. اسمع يا سيدي أريد أن يكون تجليدها جميلا جدا. أكل هذه الكتب في الحب والغرام؟ أحسنت، يجب أن تكون كذلك على كل حال، فإياك أن تقرأ لها في غيرها، هل فهمت ما قلت لك؟ فوق ما ستنال من كرم السيد بابتستا سيكون لك مني الجزاء الأوفى. خذ هذه الأوراق واحرص على أن تكون معطرة بخير أنواع الطيب؛ لأن التي ستتناولها أطيب من العطر نفسه. ماذا أعددت للقراءة معها؟
لوسنتيو :
سيكون في كل ما أقرأ لها ما يزكيك لديها تزكية الخادم لمولاه، فكن مطمئنا إلى ذلك كما لو كنت في مكاني، بل وربما كان لكلامي من قوة التأثير في نفسها ما لا تستطيعه أنت، إلا إذا كنت من أهل العلم والثقافة يا سيدي.
جريميو :
لله هذا العلم! ما أعظم شأنه!
جروميو :
لله هذا الأحمق! يا له من حمار!
بتروشيو :
اسكت يا مغفل!
هورتانسيو :
جروميو، صه (يتقدم)
حفظك الله يا سيد جريميو.
جريميو :
مرحبا بك يا سيد هورتانسيو، أتعرف وجهتي؟ إلى بابتستا مينولا. لقد وعدت أن أبحث له عن معلم لبيانكا الحسناء، ولقد هداني حسن الحظ إلى هذا الفتى، فإنه لعلمه وأدبه يصلح لتأدية هذه المهمة، هذا إلى سعة اطلاعه في الشعر والأدب وإلمامه بما حواه كثير من الكتب النافعة.
هورتانسيو :
حسن ... وأنا أيضا لاقيت سيدا وعد أن يقدم إلي معلما آخر ليعلم سيدتنا، وهو موسيقار مبدع؛ ولذلك لن أقصر فتيلا فيما يجب علي لبيانكا الحسناء التي أحبها.
جريميو :
التي أحبها، والتي ستثبت لها أعمالي صدق حبي.
جروميو (لنفسه) :
ونقوده كذلك.
هورتانسيو :
جريميو، ليس هذا وقت بث الهوى والغرام. استمع لي، إذا أخلصت لي فإني محدثك بخبر يهمنا نحن كلينا، معي رجل لقيته عرضا سيخطب كاتارينا اللعينة لنفسه، نعم، ويتزوجها إذا أرضاه مهرها.
جريميو :
إذا كان الفعل يعقب القول فما أحسنه! هورتانسيو، هل خبرته عن عيوبها؟
بتروشيو :
إني أعرف أنها متعبة وصخابة وشتامة، إن كان هذا يا سادة هو كل شيء فإني لا أجد فيها بأسا.
جريميو :
أتقول لا بأس؟! من أية بلد أتيت يا صاحبي؟
بتروشيو :
أنا من فيرونا، مولود فيها، أبي أنطونيو، وقد مات وبقيت ثروته لي. وأؤمل أن يطول عمري وتسعد أيامي.
جريميو :
آه يا سيدي! من العجب أن تطلب حياة كهذه مع زوج مثل صاحبتنا! ولكن إذا كان عزمك قد صح فامض على بركة الله، وسأكون عونا لك على كل ما تريد. ولكن أراغب أنت حقا أن تخطب ود هذه القطة المتوحشة؟
بتروشيو :
أراغب أنا أن أعيش؟!
جريميو (لنفسه) :
أراغب هو في خطبتها حقا؟! والله لئن لم يفعل لأخنقنها.
بتروشيو :
لماذا أتيت هنا إلا لهذا الغرض؟ أتظن أن الطنين يزعج آذاني؟ ألم أسمع في حياتي زئير الأسود؟ ألم أسمع البحر تعصف به الرياح فيزمجر كالخنزير الوحشي بلل العرق أديمه في غضبه؟ ألم أسمع دوي المدافع في ميادين القتال وقذائف السحب تقصف في السماء؟ ألم أسمع في الملحمة العاتية صوت الأبواق وصهيل الخيول ودق الطبول؟ أين من هذا لسان امرأة، ليس له من الصوت نصف ما للقسطل يشويه القروي على ناره؟ إليك عني، إليك، إنما يخوف الأطفال بحديث العفاريت.
جروميو (لنفسه) :
أما هو فلا يخاف.
جريميو :
اسمع يا هورتانسيو هو الحظ قد دفع بصاحبنا هذا، فيما يخيل إلي، لمنفعته ومنفعتنا معا.
هورتانسيو :
لقد وعدته أنا سنشترك ونحمل عنه نفقة خطبته مهما كان مقدارها.
جريميو :
وهذا ما سنفعل بشرط أن ينالها.
جروميو (يدمدم) :
ليتني أكون واثقا من حصولي على أكلة طيبة كما هو واثق من حصوله عليها. (يدخل ترانيو في ثياب أنيقة متظاهرا بأنه سيده لوسنتيو، وبيونديلو يتبع ترانيو.)
ترانيو :
السلام عليكم يا سادة، هل أستطيع أن أجرؤ فأسألكم أي طريق أهدى إلى دار السيد بابتستا مينولا؟
بيونديلو :
والد الفتاتين الجميلتين؟
ترانيو :
بعينه يا بيونديلو؟
جريميو (قلقا) :
اسمع يا سيدي، لعلك لا تقصد تلك التي ...
ترانيو :
لعلي أقصد الذي والتي معا يا سيدي، ما شأنك في هذا؟
بتروشيو :
أرجو أن لا يكون مرادك على كل حال تلك التي تنهر وتصخب؟
ترانيو :
أنا لا أحب من ينهر أو يصخب يا سيدي. بيونديلو هلم بنا.
لوسنتيو (لنفسه) :
أحسنت البداية يا ترانيو.
هورتانسيو (إلى ترانيو) :
كلمة يا سيدي قبل انصرافك، أجئت خاطبا الفتاة التي عنيت؟ قل نعم أو لا.
ترانيو (بترفع) :
هب يا سيدي أنني خاطب لها، أفي ذلك إساءة إلى أحد؟
جريميو :
لا، على شرط أن ترحل من هنا على الفور دون أن تنبس بكلمة.
ترانيو :
عفوا يا سيدي ... أليست الشوارع مباحة لي كما هي مباحة لك؟
جريميو :
أما الفتاة فلا.
ترانيو :
وما السبب، إذا تكرمت؟
جروميو :
لأنها إذا شئت أن تعلم موضع الهوى من السيد جريميو.
هورتانسيو :
ولأنها مختارة السيد هورتانسيو.
ترانيو :
على رسلكم أيها السادة، إذا كنتم سادة حقا فأولوني هذا الحق، استمعوا لي واصطبروا ... بابتستا رجل نبيل، ليس أبي منه بالمجهول. لو كانت ابنته أجمل مما هي لكان لها من الخطاب عدد أوفر من هذا، وكنت واحدا من بينهم. لقد كان لابنة ليدا الحسناء ألف محب، فلا بأس أن يزيد خطاب بيانكا الجميلة واحدا، وسيكون ذلك. ولوسنتيو هو ذلك الواحد، حتى ولو نافسه باريس فيها.
جريميو :
ويحي! سيخرسنا هذا السيد بكلامه.
لوسنتيو :
سيدي ... دعه يتقدم، إني واثق من أنه سيكون آخر الحلبة.
بتروشيو :
هورتانسيو، ماذا تقصدون بكل هذا الكلام؟
هورتانسيو :
سيدي، اسمح لي أن أجرؤ فأسألك هل سبق لك أن رأيت ابنة بابتستا؟
ترانيو :
لا يا سيدي، ولكني سمعت أن له ابنتين إحداهما مشهورة بطول لسانها والأخرى بجمالها ووداعتها.
بتروشيو :
مهلا يا سيدي، مهلا، الأولى لي أنا فأسقطها من حسابك.
جريميو :
أجل، دع عنك هذه المشقة إلى هرقل العظيم، وثق بأنها تفوق كل ما يستطيع حمله الكيديس
Alcides .
بتروشيو :
سيدي ... خذ عني هذا واثقا: إن ابنته الصغرى التي ترتقبها قد حجبها أبوها عن عيون الخطاب، وهو يأبى أن يتكلم في شأن زواجها ما لم تتزوج أختها الكبرى أولا، وعند ذلك يستطيع الخطاب أن يتقدموا إلى الصغرى.
ترانيو :
إذا كان الأمر كذلك يا سيدي، فأنت الرجل الذي يعيننا جميعا على ما نحن في صدده، وأنا من بين هؤلاء. فإذا استطعت أن تقوم بهذا الأمر الجلل فتكون كمن يشق الجليد ليستنبط الماء للسقيا، فتأخذ الكبرى وتفك قيود الصغرى حتى نستطيع الدنو منها، ففي اعتقادي أن السعيد منا الذي سيوفق إلى نيلها لن يكون من ضعة الشأن بحيث ينكر عليك هذا الجميل.
هورتانسيو :
سيدي، قولك سديد ورأيك صائب، وإذ إنك تعلن أنك خاطب لها فيجب عليك أن تشاركنا في جزاء هذا السيد الذي ندين له كلنا بالفضل.
ترانيو :
سيدي، لن أقصر عن هذا. ودليلا على ذلك أرجو أن تتفضلوا بالحضور جميعا إلى منزلي عصر هذا اليوم؛ ليجري الاتفاق بيننا على ما يجب، ونحتسي الراح على ذكر الحبيب. وليكن لنا في المحامين أسوة، يجاهد بعضهم بعضا في المحاكم جهاد الأعداء، ولكنهم يأكلون ويشربون معا كما يفعل الأصدقاء.
جريميو، بيونديلو :
ما أحسن الرأي! أيها الصحاب هلموا بنا.
هورتانسيو :
الاقتراح حسن حقا، ولنمض فيه. بتروشيو، علي سرورك الليلة. (انتهى الفصل الأول)
الفصل الثاني
المنظر الأول (في بادوا. غرفة في منزل بابتستا. تدخل كاتارينا وبيانكا وقد شدت كاتارينا وثاق بيانكا قبل أن تناقشها الحساب.)
بيانكا :
أختى العزيزة، لا تظلميني ولا تظلمي نفسك فتعامليني معاملة الخادم أو الأمة، هذا لا يليق. أما هذه الزينة الباطلة فخلي يدي وأنا أنزعها عني بل أنزع ثيابي كلها إذا شئت حتى النصيف. إني فاعلة كل ما تأمرينني به عرفانا مني بالواجب علي لمن يكبرني سنا.
كاتارينا :
آمرك أن تخبريني أي خطابك أحب إليك، وإياك أن تماري.
بيانكا :
صدقيني يا أختي إني لم ألق حتى اليوم صاحب الوجه الذي أوثره على سواه.
كاتارينا :
أنت تكذبين أيتها المبتذلة، أليس هو هورتانسيو؟
بيانكا :
إذا كنت تحبينه يا أختي فلك علي - قسما بالله - أن أتوسل حتى تناليه.
كاتارينا :
إذن فقد تكونين ممن يفضلن الثروة على كل شيء؛ ولذلك فأنت تودين أن تأخذي جريميو لتعيشي في نعيم وترف؟
بيانكا :
أمن أجله إذن تحملين في قلبك كل الحسد لي؟ ... لا ... إذن فأنت تمزحين، والآن أرى أنك إنما كنت تمزحين معي طول الوقت. سألتك بالله يا أختي أن تفكي يدي.
كاتارينا :
إذا كان هذا مزاحا كان كل ما مضى مزاحا أيضا (تضربها) . (يدخل بابتستا.)
بابتستا :
لم هذا يا آنسة؟ ما سبب هذه الوقاحة؟ ... بيانكا، قفي جانبا. يا لها من فتاة مسكينة! إنها تبكي! عودي إلى إبرتك، انصرفي عنها. أما تستحيين، أنت يا كلبة يا وجه العفريت؟ لماذا تؤذينها وهي لم تؤذيك أبدا؟ متى ردت عليك بكلمة جارحة؟
كاتارينا :
إن صمتها استخفاف بي، ولا بد أن أنتقم منها لذلك. (تهم بضرب بيانكا.)
بابتستا :
عجبا! أمامي؟! بيانكا، ادخلي الدار. (تخرج بيانكا.)
كاتارينا :
ماذا! ألا تدعني؟! لا ... الآن تأكدت أنها العزيزة الغالية، وأنه يجب عليك أن تهدي إليها زوجا، وأنه يجب علي أن أرقص عانسا حافية القدمين ليلة عرسها، ومن أجلها أقود القرود في رحاب جهنم. لا تكلمني، سآوي إلى ركن أجلس فيه وأبكي حتى تسنح لي فرصة الانتقام. (تخرج).
بابتستا :
هل في الدنيا رجل أشد مني حزنا؟! من القادم يا ترى؟ (يدخل جريميو ولوسنتيو في لباس رجل حقير. وبتروشيو يصحب هورتانسيو متنكرا على أنه موسيقار. وترانيو يتبعه بيونديلو يحمل عودا وكتبا.)
جريميو :
أسعدت صباحا يا جاري بابتستا.
بابتستا :
أسعدت صباحا يا جاري جريميو، وحفظكم الله يا سادة.
بتروشيو :
وحفظك يا سيدي الكريم. بالله خبرني أليس لك ابنة تسمى كاتارينا، ابنة جميلة فاضلة؟
بابتستا :
لي ابنة يا سيدي تسمى كاتارينا.
جريميو (إلى بتروشيو) :
إنك عديم الكياسة يا صاحبي، سر إلى غرضك هونا.
بتروشيو :
لا تعترضني يا سيد غريميو، دعني أتكلم. (إلى بابتستا) : إني يا سيدي من أهل فيرونا، سمعت بجمالها وذكائها ولطفها ووداعتها وحيائها، وخبرت عن بديع صفاتها وطيب خلقها، فاجترأت بالقدوم عليك في بيتك لتشهد عيني ما طالما سمعته أذني. وردا لما أتسلفه من فضل ضيافتي عليك، أقدم إليك واحدا من رجالي (يقدم إليه هورتانسيو) ، وهو من ذوي الخبرة العظيمة بالموسيقى والرياضة؛ ليلقنها هذه العلوم وإن كنت أعلم أنها غير جاهلة بها، فاقبله وإلا فإنك تسيء إلي، إنه يدعى ليسيو
Lecio
وبلده مانتوا.
بابتستا :
مرحبا بك يا سيدي، وبه إكراما لك. أما عن ابنتي كاتارينا فعندي أنها غير أهل لك، وهذا ما يزيد أشجاني.
بتروشيو :
يخيل إلي أنك لا تحب فراقها أو أنك لا تحب مصاهرتي.
بابتستا :
لا تفهم كلامي على غير حقيقته، إني إنما أتكلم بما أعتقد. من أي بلد أنت يا سيدي؟ وبأي اسم أدعوك؟
بتروشيو :
اسمي بتروشيو، ولد أنتونيو، وهو رجل معروف في إيطاليا برمتها.
بابتستا :
إني أعرفه حق المعرفة، وأنت هنا على الرحب والسعة من أجله.
جريميو :
بتروشيو، لقد تكلمت بما في نفسك، فدع للسائلين المساكين فرصة الكلام هم أيضا، تنح جانبا يا صاحبي لقد تجاوزت مدى بعيدا.
بتروشيو :
معذرة إليك يا سيد جريميو، يسرني أن أنتهي.
جريميو :
لا شك عندي في ذلك يا سيدي، وإلا فقد أفسدت قصدك. أيها الجار، جئتك بهدية لا شك عندي أنها غالية، لقد طالما شملتني بمظاهر العطف، فردا لفضلك أهدي إليك هذا العالم الصغير (يقدم إليه لوسنتيو)
ممن جاوروا طويلا في مدينة ريمس. وهو متمكن من الإغريقية واللاتينية وغيرهما من اللغات، تمكن زميله من الموسيقى والرياضة، واسمه كامبيو ... فتفضل بقبوله في خدمتك.
بابتستا :
ألف شكر لك يا سيد جريميو، مرحبا بك أيها الفاضل كامبيو. (إلى ترانيو)
أراك أيها السيد الكريم تمشي بيننا مشية الغريب، أتغفر لي جرأتي في سؤالك عن القصد من قدومك علينا؟
ترانيو :
بل اغفر لي أنت يا سيدي، فإنما الجرأة التي تذكر جرأتي أنا، إذ استبحت لنفسي وأنا غريب عن هذه البلدة أن أتقدم خاطبا لابنتك بيانكا، الحسناء الفاضلة. بيد أني لم أجهل شرطك لهذا وهو أن تسبقها إلى الزواج أختها الكبرى، ولست أؤمل يا سيدي إلا أن تتفضل بعد إذ تعلم نسبي فتسمح لي أن أكون من خطابها، وتأذن لي بالقرب منها والحديث إليها، أسوة بسائر خطابها.
وها أنا ذا أتقدم في سبيل تعليم ابنتيك بإهداء هذه الآلة البسيطة، وهذه الرزمة من الكتب الإغريقية واللاتينية، فإن قبلتها كان قدرها بقبولك إياها عظيما. (يقدم هداياه إلى بابتستا.)
بابتستا :
اسمك لوسنتيو؟ من أي بلد أنت؟
ترانيو :
من بيزا يا سيدي، أنا ولد فنسنتيو.
بابتستا :
هذا رجل من عظماء بيزا، إني أعرفه بالسماع حق المعرفة، أنت على الرحب والسعة يا سيدي. (إلى هورتانسيو) : خذ أنت العود. (إلى لوسنتيو) : وأنت خذ الكتب. ستلقيان تلميذتيكما على الفور. هيا غلام، ادخل (يدخل خادم)
خذ هذين الفاضلين إلى ابنتي وخبرهما أن هذين معلماهما، وأوصهما بحسن معاملتهما. (ينصرف الخادم بلوسنتيو وهورتانسيو، ويتبعهما إلى الخارج بيونديلو).
سنتمشى الآن قليلا في البستان ثم نذهب للعشاء. أنتم على الرحب وعلى السعة، وأرجو أن تثقوا بذلك وتعملوا عليه.
بتروشيو (بصفاقة) :
يا سيد بابتستا، مهمتى تتطلب الإسراع وليس في مقدوري أن آتي كل يوم لأتحبب. لقد عرفت أبي جيدا وعرفتني به، وإذ إني أنا الوارث الفرد لجميع أراضيه وتجارته ولم أنقصها بل زدتها، فخبرني ماذا عزمت أن تمنحها من المهر إذا أنا ظفرت برضا ابنتك لكي تكون لي زوجة؟
بابتستا :
يكون لها نصف ما أملك من الأرض بعد وفاتي، ومعه عشرون ألفا من الكرونات الذهبية.
بتروشيو :
وفي مقابل هذا المهر، سيكون لها في ترملها من بعدي كل ما أملك من الأرض عينا وانتفاعا. فلتكتب بذلك الوثائق فيما بيننا؛ ليكون في يد كل طرف منا حجة.
بابتستا :
هذا إذا حصل الشيء المهم، أي حبها إياك، فهو الكل في الكل.
بتروشيو :
هذا أمر هين يا أبتي! فإن تكن ابنتك صلفة متكبرة فإني حازم جبار، وإذا اجتمعت ناران ثائرتان وجدت أنهما تلتهمان ما يغذي أوارهما. نعم، إن بصيص النار ينقلب مع الهواء شواظا، ولكن هبة الريح العاتية تذهب بالنار وما وراءها ... وسأكون معها على هذه الحال، وإذ ذاك لا تجد لها محيصا من الخضوع لي؛ لأني رجل خشن ولن يكون حبي إياها حب الطفل الغرير.
بابتستا :
أرجو لك حسن الزلفى والتوفيق. ولكني أوصيك أن توطن النفس على أن تسمع منها بعض كلمات مرة.
بتروشيو :
أنا لها كالجبل لا تهز الرياح من جنباته ولو دام عصفها عليها. (يدخل هورتانسيو جاريا ورأسه مشجوج.)
بابتستا :
ما هذا يا صاحبي؟! لماذا أنت مصفر الوجه؟! ...
هورتانسيو :
من الخوف والذعر.
بابتستا :
أترى ابنتي صالحة أن تكون موسيقارة ماهرة؟
هورتانسيو :
لعلها أصلح أن تكون جنديا يقوى عليها الحديد لا العود.
بابتستا :
إذن فأنت لم تستطع أن تروضها وتكسر من شماس رأسها في تعلم العود.
هورتانسيو :
كلا يا سيدي؛ لأنها كسرت العود على رأسي، ما إن قلت لها إنها غلطت في مس الأوتار وتناولت يدها لأعلمها كيف تستعمل أصابعها، حتى رأيتها قد زمجرت زمجرة الشيطان، وقالت لي: أنت تسمي هذا لمسا؟ لا بأس، سأريك نوبات المس. وإذ ذاك ضربتني على أم رأسي بالعود، فنفذ منه رأسي وبقيت على هذه الحالة مشدوها مدة ما، يطل رأسي من العود إطلال المشدود في خشبة التعذيب، وهي في أثناء ذلك تنهال علي بالشتائم، وتقول لي: يا عزاف، يا سافل، يا منجد، وعشرين لقبا آخر كأنما قد تعلمتها لتسيء إلي بها.
بتروشيو :
أما وحق الحياة، إنها لفتاة فارهة؛ لقد زاد حبها الآن في قلبي عشرة أضعاف ما كان. آه، ما أشد شوقي للحديث معها!
بابتستا (إلى هورتانسيو) :
إذن فتعال معي واصرف عنك هذا، خذ في تعليم ابنتي الصغرى، سترى أنها سريعة الفهم سريعة إلى إكرام من يكرمها (إلى بتروشيو) : يا سيد بتروشيو أتأتي معنا أم أرسل إليك ابنتي كات؟
بتروشيو :
سألتك بالله أن ترسلها. سأنتظرها هنا (الكل يخرجون ما عدا بتروشيو) ، وأتحبب إليها على طريقتي. لنفرض أنها ستشتم عندئذ أقول لها إنها تغني كالبلبل وتترنم. ولنفرض أنها ستعبس عندئذ أقول لها: إنك تلوحين وضاحة الوجه كورود الصباح باكرها الندى. أو نفرض أنها ستصمت ولا تتكلم كلمة، عندئذ أنوه بطلاقة لسانها وأقول لها إنها تنطق ببلاغة نفاذة. وإذا هي أمرتني أن أنصرف شكرتها كأنما هي تأمرني أن أبقى بجوارها سبعة أيام. وإذا هي أبت أن تتزوجني فسألتمس منها أن تحدد اليوم الذي نعلن فيه الزواج، وتعين ليلة الدخول. ها هي ذي آتية، والآن ... تكلم يا بتروشيو (تدنو كاتارينا) : أسعدت صباحا يا كات، هذا اسمك فيما يبلغني؟
كاتارينا (مغضبة لوقاحته) :
لقد سمعت حقا، ولكنك لم تسمع الاسم جيدا. إن الذين يتكلمون عني يدعونني كاتارينا.
بتروشيو (بتلطف) :
أنت تكذبين وربي؛ لأنك تسمين كات فقط وكات الحلوة، وأحيانا كات الشريرة. ولكنك يا كات، يا أجمل كات في الدنيا، يا كات الأنيقة الفائقة، اسمعي مني هذا يا سلوتي كات: سمعت الناس في كل بلد ينوهون بدماثة أخلاقك، ويذكرون محاسن فضائلك، ويرددون آيات جمالك، وإن لم ينقلوا حقيقة حالك، فجئت إليك منقولا على أجنحة الهوى لأطلب يدك.
كاتارينا :
منقولا! لقد جئت قبل الأوان، قل لمن نقلك إلى هذا المكان ينقلك منه، لقد تبينت لأول وهلة أنك من المنقولات.
بتروشيو :
وي! وما المنقول يا ترى؟
كاتارينا :
كرسي حمام.
بتروشيو :
أصبت، فتعالي فاجلسي علي.
كاتارينا :
نعم، خلق الحمير للحمل ، وكذلك أنت.
بتروشيو :
وخلق النساء للحمل، وكذلك أنت.
كاتارينا :
لا ليحملن بغلا مثلك، إن كنت تعنيني.
بتروشيو :
يالله يا كات الكريمة، لن أكون ثقيلا عليك إذا حملتني، ولأني أعلم أنك خفيفة وصغيرة ...
كاتارينا :
أجل، أخف من أن يدركني جلف ثقيل مثلك، وإن كنت من الوزن بقدر ما يجمل بي، لست نحيلة.
بتروشيو :
أنت نحلة بظ
Buzz ... ظ ... ظ.
كاتارينا :
أحسنت محاكاة صوت الحشرة الطائرة، بل الطائر الكاسر.
بتروشيو :
أيتها اليمامة الضعيفة الجناح، أتسمحين له أن يتخطفك؟
كاتارينا :
أما اليمامة الضعيفة هي التي تفترس الحشرة الطائرة.
بتروشيو :
مهلا، مهلا أيتها الزنبار، في الحق أنك مغضبة.
كاتارينا :
إذا كنت زنبارا فاحذر إبرة حمى.
1
بتروشيو :
لا خوف من هذا، يكفي أن أستخرجها فأشفى.
كاتارينا :
هذا إذا استطاع الأحمق أن يعرف مكانها.
بتروشيو :
وهل يجهل أحد أين إبرة الزنبار من بدنه؟ إنها في عجزه.
كاتارينا :
بل في لسانه.
بتروشيو :
لسان من؟
كاتارينا :
لسانك إن لم تجد قولا خيرا من هذا، وعليه فالوداع.
بتروشيو :
وي! تذهبين؟! بل عودي، عودي أيتها الطيبة كات، إني رجل سري.
كاتارينا :
سأتعرف ذلك (تضربه) .
بتروشيو (خجلا) :
أضربك والله إذا ضربت مرة أخرى.
كاتارينا :
يومئذ تسقط يدك. فإذا ضربتني لم تكن سريا، وإذا لم تكن سريا لم تكن لك يد تطاول بها.
2
بتروشيو :
إن كنت نساية يا كات فاذكريني في دفاترك.
كاتارينا :
ما شارتك؟ قبعة مضحك كعرف الديك؟
بتروشيو :
بل ديك ولا عرف، تكون كات دجاجته.
كاتارينا :
لن تكون لي ديكا، إنك تنعق كالغراب المقهور.
بتروشيو :
رويدك يا كات، لا تتقززي.
كاتارينا :
عادتي حين أرى أحد عقارب الماء.
بتروشيو :
بيد أنه لا عقرب هنا، فلا تتقززي إذن.
كاتارينا :
بل إنه هنا.
بتروشيو :
أرنيه.
كاتارينا :
لو كانت معي مرآة لأريتك.
بتروشيو :
وي! تعنين وجهي؟!
كاتارينا :
حدسك أكبر مما يجوز لمثل سنك.
بتروشيو :
وحق القديس جورج، إني أصغر من أن أطاولك.
كاتارينا :
ومع ذلك فأنت ممصوص، شاحب.
بتروشيو :
من الهم.
كاتارينا :
أنا لا أهتم.
بتروشيو :
بل استمعي يا كات، لن تفلتي مني هكذا.
كاتارينا :
أفريك إذا بقيت، دعني أذهب.
بتروشيو :
لا والله، إني أراك رقيقة جدا، لقد خبروني أنك خشنة وحشة، ذات عبسة مزعجة، ولكني أرى اليوم أنهم كاذبون كل الكذب فيما رووا؛ لأنك حلوة الطبع لعوب وحسنة اللقيا، بيد أنك تتكلمين بوعي وحذر. إنك أحلى من زهرات الربيع، فلا تملكين أن تعبسي، ولا تستطيعين أن تنظري شزرا، أو تعضي شفتك كما تفعل الفتاة إذا غضبت. إنك لا تستطيعين الغضب في حديثك مع الناس، بل تقرين خطاب ودك بلطف الحديث، وتلقينهم باللين وطلاقة المحيا. ليت شعري لماذا يذيع الناس أنك تعرجين؟! دنيا هجاء وأكاذيب. كات كغصن البندق، معتدلة هيفاء، سمراء اللون كأديم البندقة وأحلى مذاقا من لبابها. بالله، دعيني أنظر إليك ماشية، تالله ما أنت عرجاء.
كاتارينا :
إليك عني يا أحمق، إن تأمر فأمرك على خدمك.
بتروشيو :
لا وربي، لم تزه خميلة بديانا كما تزهى هذه الغرفة بكات، وجلال خطرة كات. لو كنت أنت ديانا وكانت ديانا مكانك إذن لصرت بتولا وأصبحت ممراحة.
كاتارينا :
أين تعلمت هذا الكلام الجميل؟!
بتروشيو :
ما أعددته من قبل، إنما هو فطرة عن الأم.
كاتارينا :
ما أذكى الأم وأغبى الولد!
بتروشيو :
ألست ذكيا؟
كاتارينا :
بلى! وابق حيث أنت في مكانك الدفيء.
بتروشيو :
هذا ما أبتغي يا كات الحسناء، وأرجو أن يكون في فراشك؛ ولذلك أدع هذا الحديث جانبا وأقول لك بصراحة إن أباك قد رضي أن تكوني لي زوجة، وقد اتفقنا على المهر، وسأتزوج منك رضيت أو لم ترضي.
والآن يا كات إني زوجك الذي قدر لك. وأقسم بهذا النور الذي أتبين فيه جمالك، ذلك الجمال الذي شغفني حبا لك؛ لن تكوني زوجة لرجل سواي، فإني أنا الإنسان الذي خلق ليروضك يا كات، ويجعل من القطة البرية هرة أليفة أنيسة ككل هررة البيوت. ها هو ذا والدك مقبل، فإياك أن ترفضي، لا بد أن آخذ كاتارينا زوجة لي، ولا بد أن يتم ذلك. (يعود بابتستا وجريميو وترانيو.)
بابتستا :
هيا سيد بتروشيو، كيف سعيك مع ابنتي؟
بتروشيو (بلطف) :
كيف يكون إلا موفقا يا سيدي؟ محال أن يخيب سعيي.
بابتستا :
ماذا يا ابنتي كاتارينا، ألا تزالين على حالك؟
كاتارينا (بتألم) :
أتسميني ابنتك؟ لعمري لقد بدا منك حسن رعاية الوالد حين أردت لي أن أتزوج رجلا نصف مجنون وغدا هزأة وجلفا حلافا يظن أنه يستطيع تصريف الأمور بالقسم يتلو القسم.
بتروشيو :
أبي، خلاصة الأمر أنك أنت وسواك ممن تناولوها بالكلام إنما تكلمتم عنها خطأ، إذا كانت كما تقولون شريرة فذلك لغرض ترمي إليه، لعمري ما هي شكسة بل وديعة كالحمل، وما هي نار محرقة بل لطيفة كنور الصباح، في الصبر كجريسل
Grissel ، وفي الطهارة كلوكريس
Lucrece . وقصارى القول أنا اتفقنا معا على أن يكون يوم الأحد يوم زفافنا.
كاتارينا (ضاربة الأرض برجلها) :
فلتصلب يوم الأحد أولا!
جريميو :
اسمع يا بتروشيو، تقول إنها تود أن تراك مصلوبا أولا.
ترانيو :
أهذا مبلغ نجاحك في سعيك؟ لا، لا، إذن فسلام على آمالنا!
بتروشيو (على حاله من السكينة) :
صبرا أيها السادة صبرا، لقد اخترتها لنفسي، وإذا كنا أنا وهي قد تراضينا فما شأنكم أنتم؟ لقد جرى الاتفاق بيننا نحن الاثنين، ونحن في خلوة معا، أن تظل شرسة بين الناس. واعلموا أن حبها إياي عظيم ليس في مقدور أحد أن يعرف قدره. آه يا ألطف الناس يا كات! لقد تعلقت برقبتي وأخضعتني لها بالقبلات تباري الواحدة منها الأخرى، مقسمة ألف يمين أنها هامت غراما بي لأول نظرة، أوه! إنكم أغرار. عجبي لهذه الدنيا حين يجتمع الرجل والمرأة كيف تنصلح المرأة الشكسة الشرسة على أيدي الرجل التقي الحيي! عاطني يدك يا كات: سأرحل إلى البندقية لأشتري ثياب يوم العرس. وأنت يا أبي، أعد الوليمة، وادع الأصحاب، إني واثق أن كاتارينتي ستبدو في جلالها.
بابتستا (مشدوها) :
لا أدري ماذا أقول! ولكن أعطياني يديكما: كتب الله لك السعادة يا بتروشيو! قضي الأمر.
جريميو وترانيو :
آمين! سنكون شهود الزواج.
بتروشيو :
أبي، وزوجتي، وسادتي، أستودعكم الله، سأذهب إلى البندقية، يوم الأحد قريب. سيكون لنا خواتيم وشوار، وكل ما تشتهي العين. قبليني يا كات، سيكون زواجنا يوم الأحد (يقبلها بالرغم منها فتخلص منه وتجري خارجة، وبتروشيو يخطو خارجا من جهة أخرى) .
جريميو :
هل سمع أحد بزواج جرت صفقته بمثل هذه السرعة؟!
بابتستا :
والله يا سادة، إني ماض في هذا مضي التاجر المغامر.
ترانيو :
لقد كانت بضاعة نافقة، كلما مكثت لديك تلفت، وستأتي لك بغنم يرضيك أو يبتلعها اليم.
بابتستا :
ما لي من مغنم أرتجيه إلا هدوء البال في هذا الزواج.
جريميو :
لقد كانت غنيمة باردة ولا شك. والآن يا سيد بابتستا فلننصرف إلى ابنتك الصغرى، هذا هو اليوم الذي طالما انتظرناه، إني جارك وأنا خاطبها الأول.
ترانيو (يزاحمه ليزيحه) :
وأنا خاطب يحب بيانكا حبا فوق ما يلم به كلام أو تدرك مداه الأحلام.
جريميو :
أيها الغر، ليس في مقدورك أن تحبها بالإعزاز أكثر مني.
ترانيو :
أيها الأشيب، حبك بارد.
جريميو :
وحبك يشوي! أقلع أيها الطائش، ثمرة الحياة في كبر السن.
ترانيو :
ولكن الشباب في عين النساء هو زهرة الحياة.
بابتستا :
على رسلكم يا سادة، سأفض هذا النزاع، إنما تنال الجوائز بالأعمال، فمن استطاع منكما أن يمنح ابنتي أكبر مهر فحبها له. تكلم يا سيد جريميو ... ماذا في مقدورك أن تمنحها؟
جريميو :
أولا: بيتي الذي في المدينة، وهو كما تعرف مهيأ بالغالي الثمين، فيه من أواني الفضة والذهب ما فيه من طسوت وأباريق لغسل أيديها اللطيفة، وأستاره كلها من نسيج صور، وفيه خزانات من العاج لاختزان أموالها، وصناديق من خشب السرو لصيانة أستاري وغلالاتي، وفيه ما فيه من غالي الثياب، والخيام والمضارب، والمراقد وملاءات الكتان والوسائد التركية المطرزة باللؤلؤ، ومن وشائج الإبرة بأسماط الذهب البندقي، وفيه من مواعين القصدير
3
والنحاس، وكل ما يلحق بدور السكن وتدبير أمورها. أما في ضيعتي فلدي مائة بقرة حلوب رأد الأوطاب، ومائة وعشرون ثورا سمينا في زريبتها، ولدي من سواها بقدر ما يظاهر هذا العدد. وأنا كما ترى رجل أمعنت في السن، فإذا أنا مت في الغد فسيكون لها كل ذلك من بعدي لو أنها وحدها تكون لي في حياتي.
ترانيو :
كلمة «وحدها» هذه جاءت في محلها. استمع لي يا سيدي، إني أنا الوارث وحدي لأبي بل أنا ولده الفريد، فإذا أنا ظفرت بابنتك زوجة لي فسأترك لها من بعدي ثلاثا أو أربعا من الدور داخل أسوار مدينة بيزا المعروفة بثراء أهلها، تعدل كل منها كل دار يملكها السيد جريميو العجوز في بادوا. وأترك لها فوق ذلك ألفي وزنة من الذهب كل عام غلة من أراضي العامرة التي ستكون كلها مهرا لها. ماذا! تراني وخزتك أيها السيد جريميو؟
جريميو (مأخوذا) :
ألفا وزنة من الذهب كل عام غلة من الأرض! لا تبلغ أرضي في حر ثمنها كل هذا القدر. ومع ذلك فسيكون لها فوق ما ذكرت سفينة راقوسية تمخر اليوم في طريقها إلى مرسيليا! ماذا أصابك؟! هل سدت السفينة حلقومك؟
ترانيو (بتباه) :
يا سيد جريميو، الناس تعلم أن أبي يملك ما لا يقل عن ثلاث سفن كبيرة منها ودرمونتين واثنتي عشرة خضارية متينة. هذه السفن كلها أعطيها لها وضعفي كل ما قد تذكره بعد ذلك.
جريميو :
لقد عرضت كل شيء، وليس عندي شيء آخر، وما تستطيع أن تملك هي أكثر مما أملكه. (إلى بابتستا) : إذا رضيت بي فستملكني ابنتك وتملك ما أملك.
ترانيو (لبابتستا) :
إذن فالفتاة لي وحدي وفاق شرطك المشروط، أما جريميو فقد اندحر.
بابتستا (إلى ترانيو) :
لا يسعني إلا الإقرار بأن عرضك هو الأعلى، وإذا أيد العرض أبوك فابنتي لك، وإلا فسامحني يا سيدي إذا أنت مت قبله فما يكون نصيب ابنتي؟
ترانيو :
ليس هذا في الواقع إلا إشكالا صوريا، إنه رجل مسن وأنا صغير السن.
جريميو :
ألا يحدث أن يموت الصغير كما يموت الكبير؟
بابتستا :
اسمعوا يا سادة، لقد عولت على هذا: تعلمون أن ابنتي كاتارينا ستزف يوم الأحد المقبل، ففي يوم الأحد الذي يليه تكون ابنتي بيانكا عروسا لك إذا استطعت أن تؤيد ما عرضت، فإذا لم تستطع فستكون للسيد جريميو. وعلى هذا أستأذن في الانصراف مع الشكر لكما أنتما الاثنين.
جريميو :
في وديعة الله أيها الجار الصالح . (يخرج بابتستا) . (بشكاسة) : الآن لم أعد أخشاك، أيها الفتى الطائش ليكونن أبوك أحمق إذا هو أعطاك كل ما يملك ويعيش في أواخر أيامه تحت رحمتك. كفى هذرا، لم تبلغ المكارم هذا الحد عند أحد من ثعالب إيطاليا المسنين. (يخرج متذمرا.)
ترانيو :
رميت بالطاعون في جلدك الذابل المغضن! بيد أني والحمد لله قد طالعته بورقة عشرة فغلبته. خطر لي الآن خاطر ينفع سيدي: لا أرى لماذا لا يكون للوسنتيو المفتعل أب مفتعل نسميه هو أيضا فنسنتيو! هنا محل العجب، جرت العادة أن الآباء هم الذين يلدون الأبناء، أما في هذا الظرف الغرامي فالأبناء هم الذين يلدون الآباء، إذا لم يخب تدبيري (يخرج) . (انتهى الفصل الثاني)
الفصل الثالث
المنظر الأول
في منزل بابتستا (لوسنتيو، وهو على حاله من التنكر في زي معلم، وهورتانسيو ومعه آلته يتباريان في التحبب إلى بيانكا.)
لوسنتيو :
أقصر أيها الكمنجار أراك تتمادى، أم نسيت على عجل ما لاقتك به أختها كاتارينا؟
هورتانسيو :
هذه السيدة، أيها المعلم الشرس، هي ولية الألحان السماوية، فمن حقي إذن أن أسبقك. وإذا ما قضينا ساعة في الموسيقى، كان لك أن تقضي مثل هذا الزمن في درسك معها.
لوسنتيو :
أيها الحمار الأحمق الذي لم يحصل من العلم ما يبصره، لماذا خلق الله الموسيقى؟! أما هي لإنعاش فؤاد الإنسان بعد درسه أو كده؟ إذن فمن حقي أن أسبقك في مطالعة الفلسفة معها، وإذا ما انتهيت فتقدم بلحنك.
هورتانسيو :
أيها الوغد، أنا لا أصبر منك على هذه الزراية الجريئة.
بيانكا :
رويدكما يا سادة، إنكما تسيئان إلي إساءة مزدوجة حين تتجادلان في أمر أنا وحدي صاحبة الرأي فيه. لست تلميذة ممن تناولون بالعقاب والإصلاح في المدارس، لن أرتبط بساعات ولا أوقات معينة، بل أقرأ دروسي على هواي. وفضا لكل نزاع نجلس هنا جميعا. خذ أنت عودك وأصلح أنغامه أثناء درسي معه فسينتهي الدرس قبل أن تنتهي أنت من إصلاحه.
هورتانسيو (إلى بيانكا) :
أوتتركين درسه ساعة أنتهي من إصلاحه؟
لوسنتيو :
لن يكون هذا. خذ في إصلاح عودك (ينتحي هورتانسيو جانبا ومعه عوده ويشتغل به) .
بيانكا :
إلى أي حد وصلنا؟
لوسنتيو :
هنا يا سيدتي. (يفتح الكتاب ويأخذ في قراءته بصوت منخفض)
هيك إيبات سيمواس، هيك است سيجيا تللوس. هيك ستترات برايامي ريجيا سلساسينس.
1
بيانكا :
فك هذه الطلاسم.
لوسنتيو : «هيك إيبات» كما قلت لك من قبل، «سيمواس» أنا لوسنتيو، «هيك است» ابن فنسنتيو من مدينة بيزا، «سيجيا تللوس» تنكرت هكذا لأتقرب منك، «هيك ستترات» أما لوسنتيو الذي أتى إليك خاطبا «بريامي» فهو خادمي ترانيو، «ريجيا» حل مكاني، «سلسا سينس» لنخدع الخرف المسن. (يعود إليهما هورتانسيو.)
هورتانسيو :
سيدتي، لقد أصلحت العود.
بيانكا :
أسمعنا. (يلعب هورتانسيو قليلا)
أعوذ بالله! لقد نشزت في المقام العالي.
لوسنتيو :
اذهب يا رجل، ابصق في الشمسية وأعد إصلاحه. (ينصرف هورتانسيو.)
بيانكا (إلى لوسنتيو بصوت منخفض) :
دعني الآن أرى ثانيا هل أستطيع الترجمة: «هيك إيبات سيمواس» أنا لا أعرفك، «هيك است سيجيا» ولا أثق بك، «هيك ستترات بريامي» حذار أن يسمعنا، «ريجيا» إياك والتمادي في الأمل، «سلسا سينس» ولكن لا تيأس.
هورتانسيو (عائدا) :
سيدتي، انصلح العود الآن.
لوسنتيو :
ما عدا الوتر السافل.
هورتانسيو :
الوتر السافل لا بأس به، أما الوغد السافل فهو الناشز (وقد استيقظت شكوكه)
لشد ما أرى هذا المعلم متحمسا وجريئا. أما وربي إني لأرى الوغد يغالبني على هواي. أيها المعلم الحقير، سآخذ بالي منك.
بيانكا :
قد يثبت لي الأمر بعد وقت، أما الآن فإني أستريب.
لوسنتيو (يعلي صوته من أجل هورتانسيو) :
لا تستريبي، إذ الواقع أن أياسيديس
2
لم يكن إلا أجاكس
3
سماه كذلك جده.
بيانكا :
لا بد لي أن أصدق أستاذي وإلا لطال بي جدالك في هذه المسألة التي اختلفنا فيها، ولنتركها عند هذا الحد. والآن يا ليسيو، إليك أيها الأستاذان، سألتكما بالله أن لا يغضب أحدكما تلطفي مع الآخر.
هورتانسيو (إلى لوسنتيو) :
طوف على قدميك قليلا وخلني وحدي هنيهة، ليست دروسي في الموسيقى مما تحتاج إلى ثالث.
لوسنتيو :
أتلتزم الرسميات إلى هذا الحد؟ لا بأس، سأنتظر (لنفسه)
وأراقب ما يجري، إذا لم أكن مخدوعا فصاحبنا الموسيقار قد أصبح عاشقا.
هورتانسيو :
يجب يا سيدتي قبل أن تمسي العود أن تتعلمي طريقة عفقى الأوتار، ولذلك يجدر بي أن أبتدئ معك بأوليات هذا الفن. ولكي تتعلمي السلم على يدي بطريقة أسرع وأحلى وأوفر وأبقى من كل ما سبق لغيري من أهل الفن تعليمه؛ وضحته لك ها هنا بالكتابة.
بيانكا :
عجبي! لقد فت السلم منذ عهد بعيد.
هورتانسيو :
ولكن لا بأس أن تقرئي سلم هورتانسيو (يقدم إليها ورقة) .
بيانكا (قارئة) :
السلم أنا، أساس كل اتفاق.
الري لتعلن غرام هورتانسيو.
والمي رجاء منه أن تقبله بعلا.
والفا لأنه يحب من كل قلبه.
والصول ري عنده نغمتان لمفتاح واحد.
لامي فارحميني وإلا مت.
بيانكا :
أتسمي هذا سلما؟! إني لا أستحسنه، إني أوثر الطرق القديمة، ولست من الحمق بحيث أدع القواعد الصحيحة رغبة في بدع عجيبة. (يدخل خادم.)
الخادم :
سيدتي، أبوك يرجو منك أن تدعي كتبك وتعملي على إعداد غرفة أختك، هذه ليلة العرس كما تعلمين.
بيانكا :
أستودعكما الله أيها السيدان اللطيفان، لا بد لي من الذهاب. (تخرج بيانكا والخادم.)
لوسنتيو :
ليس بي من حاجة إذن للبقاء (يخرج) .
هورتانسيو :
أما أنا ففي حاجة إلى التجسس على هذا المعلم، يخيل إلي أنه مغرم بها، فإذا كانت نفسك يا بيانكا من الضعة بحيث تلقين ببصرك المشرد إلى كل زائف وتشتهينه لنفسك زوجا فاسمعي: إذا استشعر هورتانسيو أنك تتطلعين إلى غيره، فسينصرف عنك إلى غيرك.
المنظر الثاني
في بادوا (عند باب بيت بابتستا، يرى جريميو وترانيو وكاتارينا وبيانكا ولوسنتيو وغيرهم مرتدين ملابس الحفاوة بعرس كاتارينا، وينتظرون مقدم العروس بتروشيو.)
بابتستا (إلى ترانيو) :
يا سيد لوسنتيو، هذا هو اليوم المعين لزواج كاتارينا وبتروشيو بيد أننا لا نرى أثرا لصهرنا. ويحي! ماذا يقول الناس عنا؟ أي سخرية تعد لنا، إذ نفتقد الزوج فلا نجده حين يقف الكاهن في انتظار القيام بمراسم الزوجية؟! ماذا ترى يا لوسنتيو فيما حاق بنا من العار؟
كاتارينا (بمرارة) :
لا عار إلا ما حاق بي؛ فلقد أرغمت وربي على أن أعطي يدي بالرغم من قلبي إلى رجل مخبول العقل وقح نزق، قام بالخطبة مسرعا على نية أن يتزوج على هواه. لقد قلت لك إنه رجل ماجن خبيث يستر نكاته اللاذعة وراء ما يتظاهر به من جلافة. ولكي يقال عنه إنه رجل ممراح لا يستنكف أن يخطب ألف امرأة ويعين ليلة الزواج، ويقيم الولائم، ويدعو الأصدقاء، ويعلن المراسيم وهو لا ينوي أن يتزوج ممن خطب. والآن فهو يعني أن يشير كل إنسان بإصبعه على كاتارينا المسكينة، ويقول: انظروا هذه زوجة بتروشيو المجنون تنتظر تفضله بالحضور ليتزوجها.
ترانيو :
صبرا يا كاتارينا، وأنت يا بابتستا أيضا، أقسم بحياتي أن بتروشيو لا يريد إلا خيرا. إنكم لا تدرون أي سوء حظ نزل به حتى عاقه عن تنفيذ وعده. إن يكن الرجل جلفا ففي اعتقادي أنه عاقل ورشيد، أو يكن مرحا فإنه مع ذلك شريف.
كاتارينا :
ليت كاتارينا لم تقع عليه عينها! (تخرج باكية معولة، فتتبعها بيانكا وآخرون.)
بابتستا :
اذهبي يا بنيتي لا ألومك الآن على البكاء، فإن مثل هذه الإساءة جديرة أن يغضب لها القلب ولو كان قلب قديسة، فما بالنا بنزقة مثلك ذات مزاج قلق مضطرب؟ (يجري بيونديلو داخلا وهو يلهث.)
بيونديلو :
سيدي، سيدي، أخبار، أخبار قديمة بل أخبار لم تسمع بها في حياتك!
بابتستا :
أتكون أخبارا جديدة وقديمة معا؟! كيف يكون ذلك؟!
بيونديلو :
عجبا ألا تكون أخبارا جديدة أن تسمع بمقدم بتروشيو؟
بابتستا :
هل أتى؟
بيونديلو :
كيف ذا؟ لا يا سيدي.
بابتستا :
إذن فما الخبر؟
بيونديلو :
إنه آت.
بابتستا :
متى يكون هنا؟
بيونديلو :
عندما يقف حيث أقف الآن هنا ويراك هناك.
ترانيو :
فما أخبارك القديمة؟
بيونديلو (وهو لاهث) :
أخباري القديمة أن بتروشيو آت وعليه قبعة جديدة، وسترة قديمة وسراويل عتيقة قلبها ثلاث مرات، وفي قدميه حذاءان كان يحفظ فيهما الشموع، أحدهما مزرر بكبشة والآخر بقيطان، وهو يحمل سيفا قديما كساه الصدأ جلبه من مخزن الأسلحة في المدينة مكسور المقبض مفلول النصل في موضعين مقطع الحبائل. وعلى حرقفتي حصانه سرج قديم أكلته العثة، وله ركاب واحد في جهة واحدة، وفضلا عن ذلك فالحصان مصاب بمرض السراجة في أحشائه والرخاوة في ظهره والورم في حلقه والقروح في جلده والنفاخات في قوائمه والسلع في عراقيبه، وهو مضروب باليرقان، مورم غدد الآذان، مصاب بالدوار، مأكول الأحشاء بالديدان، رخو المتن، خليع الكتف، خائر القوادم، وهو ملجم بنصف شكيمة، وزناق رأسه من جلد الغنم، طالما تقطع من كثرة ما شد به ليقال من عثاره فأصلح بالعقد، ومحزم بحزام مقطع وموصول ست مرات، ومشدود بتفر من مخمل ثوب امرأة، عليه حرفان للدلالة على اسمها قد كفتا بأزرار مرصوصة وشلل هنا وهناك بخيوط من الكتان ليحفظه في مكانه.
بابتستا :
ومن القادم معه؟
بيونديلو :
غلامه يا سيدي، قد طهم هو أيضا كالحصان: في إحدى ساقيه جورب من الكتان قصير، وفي الأخرى جورب من الصوف طويل، مشدودين بقيطان ثخين مضفور بلونين أحمر وأخضر، وعليه قبعة عتيقة ركب عليها مكان الريشة حزمة من الخيوط ذات أربعين لونا، مسخا، مسخا حقيقيا في ملبسه لا ساعيا كالسعاة أو كغلام لأحد السراة.
ترانيو :
لعمري لهو سوء مزاج فيه قد حمله على هذا المظهر، بيد أنه كثيرا ما يبدو في ثياب حقيرة.
بابتستا :
إني لمسرور لحضوره كيفما كان مظهره.
بيونديلو :
كيف ذا يا سيدي؟ إنه لا يحضر.
بابتستا :
ألم تقل أنت إنه سيحضر؟
بيونديلو :
من، بتروشيو سيحضر؟
بابتستا :
أجل، قلت بتروشيو سيحضر.
بيونديلو :
لا يا سيدي، أنا قلت إن حصانه سيحضر وحضرته على ظهره.
بابتستا :
عجبا! هذا شيء واحد.
بيونديلو :
لا وحق القديس جامي، أراهن على بني أن الرجل والحصان اثنان لا واحد، ومع ذلك فهما لا يكونان أكثر من واحد. (يدخل بتروشيو لابسا ملابس عرس مستهجنة وهو يتجانف يتبعه جروميو).
بتروشيو :
أين السادة أهل السماحة؟ من في الدار؟
بابتستا :
سلم مقدمك يا سيدي.
بتروشيو :
ومع هذا فإني قدمت غير سليم.
بابتستا :
بيد أني لا أرى بك شيئا، إنك لا تعرج.
ترانيو :
لا أراك مرتديا كما كنت أحب لك.
بتروشيو :
هي العجلة دفعتني أن آتي هكذا، ولكن أين كات ؟ أين عروسي الحسناء؟ كيف حال والدي؟ أين السادة؟ يخيل إلي أنكم تعبسون، لماذا ينظر إلي جمعكم الكريم نظرة من يرى أمامه عجبا، نجمة ذات ذنب، أو مسخا من شواذ الخلق؟!
بابتستا (بشدة) :
كيف ذا يا سيدي؟ أنت تعلم أن هذا اليوم يوم عرسك. أسينا أول الأمر خشية أن لا تحضر، فلما حضرت غير متهيئ لعرسك بما يجب له زاد أسانا. تبا لما نرى! اخلع عنك هذه الثياب، إنها لشارة عار على رجل في مثل مقامك، وقذى للعين في هذا الاحتفال الموقر!
ترانيو :
خبرنا أي حادث جلل قد عاقك عن زوجتك كل هذه المدة، ثم دفع بك إلينا هكذا على غير ما يليق بك!
بتروشيو :
إنه لشرح يرهق اللسان ويؤلم السمع، بيد أني قد جئت لأبر بوعدي، الذي اضطررت أن أخل به من بعض نواحيه لعذر، سأذكره لكم في غير هذا الوقت، كفيل لي منكم بالقبول. ولكن أين كات؟ لقد أخرتموني عنها طويلا، أوشك الصباح أن ينقضي وكان يجب أن نكون الآن في الكنيسة.
ترانيو :
لا تقابل عروسك في مثل هذه الثياب المزرية، اذهب إلى غرفتي وارتد من ثيابي.
بتروشيو :
محال وذمتي، بل أقابلها هكذا.
بابتستا :
ولكن هكذا لن تستطيع في اعتقادي أن تتزوجها.
بتروشيو :
لا يكون شيء بغير هذا، فدعوا الكلام في هذا الشأن، إنها تتزوج مني لا من ملابسي، وإذا كان في استطاعتي أن أصلح ما ستبليه مني كما أستطيع أن أغير هذه الملابس المزرية، لكان خيرا لكات ولي معا. ولكن ما أشد حماقتي إذ أقف أتكلم معكم حين كان يجب أن أقرئ التحية عروسي، وأختم على هذا اللقب بقبلة جميلة! (يخطو خارجا يتبعه جروميو.)
ترانيو :
إن تحت ثيابه الحمقاء معنى يريده. ولكن يجب علينا أن نحمله على أن يرتدي ثيابا أليق من تلك قبل أن يذهب إلى الكنيسة.
بابتستا :
سأذهب في أثره لأرى عاقبة ذلك. (بابتستا وجريميو وجماعتهما يتبعون بتروشيو.)
ترانيو (عائدا للكلام في مسألة لوسنتيو) :
ولكن يجب أن يقرن حبها برضاء أبيها، ولكي نضمن هذا الرضا سأحضر كما قلت لك رجلا كيفما اتفق، إذ إن هذا لا يهم ما دمنا نستطيع أن نهيئه لغرضنا؛ نجعله فنسنتيو البيزاوي، ونوصيه أن يعطي التضمينات هنا في بادوا على أنه سيقطعها مبالغ من الثروة أكثر مما وعدت. بهذا يتحقق أملك بسلام، وتتزوج بيانكا الجميلة بالرضا.
لوسنتيو :
لولا أن زميلي أستاذ الموسيقى يراقب خطوات بيانكا مراقبة عسيرة، لكان يحسن في ظني أن نسترق زواجنا استراقا. إذا ما تم ذلك لم أعد أخشى أن تقف الدنيا كلها رافضة زواجي ما دمت سأحتفظ بعروسي بالرغم من الدنيا كلها.
ترانيو :
هذا ما يحسن بنا أن نفكر فيه على مهل، ونتحين الفرص. سنخدع صاحب اللحية الزرقاء جريميو وأباها مينولا الشديد الشك والموسيقار العجيب العاشق ليسيو، من أجل مولاي لوسنتيو. (يعود جريميو في شيء من الاضطراب)
يا سيد جريميو، أآت أنت من الكنيسة؟
جريميو :
مرتاحا لخروجي منها كأعظم ما ارتحت لانصرافي من المدرسة.
ترانيو :
وهل العروسان عائدان إلى الدار؟
جريميو :
عروس هو؟ بلى، عروس حقا! عروس شكس، هذا ما ستجد الفتاة فيه.
ترانيو :
أسوأ خلقا منها؟ عجبا! هذا محال!
جريميو :
عجبا! إنه شيطان، شيطان، عفريت مصفى.
ترانيو :
وهي! شيطانة، شيطانة، بل أم الشياطين.
جريميو :
رويدك، إنها لحمل أو حمامة أو بلهاء بالقياس إليه! سأخبرك يا سيد لوسنتيو بما حدث: لما سأله القسيس أهو راض أن يتخذ كاتارينا زوجة له، رد عليه بلهجة السفلة قائلا: «أجل وحق آلام الله»، وكان قسمه بصوت راعد انزعج له القسيس فسقط الكتاب من يده، وعندما انحنى إلى الأرض ليرفعه صفعه هذا الزوج المجنون صفعة رمت القسيس والكتاب والكتاب والقسيس، وعندئذ قال: ارفعوهما الآن إذا طاب لكم أن تفعلوا ذلك!
ترانيو :
وماذا قالت الفتاة عندما نهض القسيس من وهدته؟
جريميو :
تولتها الرعدة وأخذتها الرعشة؛ لأنه كان يضرب الأرض برجليه ويشتم كأنما كان القسيس عاملا على غشه. وبعد إجراء مراسم طويلة نادى صاحبنا طالبا الخمر، فلما جيء بها صاح: «في صحتكم»، قالها كأنما هو نوتي على ظهر سفينة يشرب في صحة إخوانه بعد هدوء الزوبعة، ثم شرب النبيذ ورمى بثمالة الكأس في وجه الشماس، وعذره في ذلك أن لحية الشماس كانت ضعيفة المنبت صادية، وكأنما كانت ظامئة إلى تلك الثمالة ساعة كان يشرب. ولما انتهى من ذلك تناول العروس مطوقا رقبتها وقبل شفتيها قبلة صامتة ما افترقت فيها شفتاه عن شفتيها حتى دوى في الكنيسة صداها! لما رأيت هذه الفعال خليت المكان حياء مما كان، وفي اعتقادي أن الجمع آتون ورائي هم أيضا. لا، لعمري لم يحدث من قبل مثل هذا الزواج المنطوي على الجنون. اسمعوا، اسمعوا، إني أسمع عزف المنشدين. (يدخل بتروشيو يجر معه كاتارينا مترددة، ويأتي بعدهما بابتستا وبيانكا وهورتانسيو وجريميو، وبقية المحتفلين بالزواج).
بتروشيو :
أيها السادة والأصدقاء، أشكركم لما لقيتم من المتاعب، إني أعلم أنكم تؤملون أن تتغدوا معي اليوم، وأنكم قد أعددتم لهذا اليوم عدة بالغة من أسباب المسرة، ولكن الواقع أني مضطر إلى الرحيل عن هذا المكان على عجل؛ ولذلك عزمت على أن أستأذن منكم في الرحيل الآن.
بابتستا :
أيجوز أن ترحل الليلة عنا؟
بتروشيو :
بل يجب أن أرحل اليوم قبل أن يجيء الليل، لا تعجب لهذا فلو عرفت ما يدعوني إلى ذلك لآثرت ذهابي على البقاء ورجوت مني التعجيل. الشكر لكم جميعا أيها الرفقة الكرام الذين تفضلوا بحضور حفلة اقتراني بأصبر النساء وألطفهن وأفضلهن، تغدوا مع صهري المحترم، واشربوا في صحتي؛ لأني مضطر إلى الرحيل، فأستودعكم الله جميعا.
ترانيو :
دعنا نتوسل إليك أن تبقى إلى ما بعد الغداء.
بتروشيو :
لن يكون ذلك.
جريميو :
دعني أتوسل إليك.
بتروشيو :
لن يكون ذلك.
كاتارينا :
دعني أتوسل إليك.
بتروشيو :
إني راض.
كاتارينا :
أنت راض أن تبقى.
بتروشيو :
أنا راض أن أدعك تتوسلين إلي أن أبقى، وإذ إني لا أنوي البقاء فتوسلي إلي كيفما شئت.
كاتارينا :
إذا كنت تحبني فابق.
بتروشيو :
جروميو، جوادي.
جروميو :
حاضر يا سيدي، على الفور. العلف أكل الخيل.
كاتارينا (غير قادرة على كبح جماح غضبها بعد ذلك) :
إذن، فافعل ما تقدر عليه، لن أذهب اليوم، لا، ولا في الغد ، ولا في غيره حتى أشاء، الباب مفتوح أمامك، وهذا طريقك، فاركب قبل أن تزول جدة حذائك، أما أنا فلن أذهب حتى يطيب لي أن أذهب. يظهر لي أنك ستكون شريرا، وأنك أخذت على نفسك من البداية أن تكون كذلك.
بتروشيو :
لا تغضبي يا كات، أتوسل إليك لا تغضبي.
كاتارينا :
بل سأغضب (تضرب الأرض بقدمها)
ماذا تقدر أن تفعل؟ اطمئن يا أبي، لا بد له من البقاء كما أشاء.
جريميو :
نعم وربي يا سيدي، أخذ الدواء يفعل فعله.
كاتارينا :
هلموا أيها السادة إلى وليمة العرس، إن المرأة لتعرض نفسها إلى العبث والسخرية ما لم تكن لها إرادة تصون بها كرامتها.
بتروشيو :
سيذهبون طوعا لأمرك يا كات، أطيعوا العروس يا رفقة العروس، اذهبوا إلى الوليمة، كلوا واشربوا وامرحوا وتنفخوا، واشربوا في صحتها حتى تغصوا، واذهبوا كل مذهب في الجنون واللذة، أو فاذهبوا واخنقوا أنفسكم. أما كات عروسي الحلوة اللطيفة فلا بد أن تذهب معي. لا، لا تتكبري، ولا تضربي الأرض بالأقدام، ولا تحملقي، ولا تثوري في وجهي. إني متمسك بحقي في السيطرة على ما أملك، إنها بضاعتي وحاجتي، هي بيتي ومتاع بيتي، هي غيطي ومخزني، هي حصاني وثوري وحماري، هي كل شيء أملكه. وها هي ذي واقفة فليدن منها من يجرؤ على ذلك، فإني رافع قضية على أكبر رجل تحدثه نفسه أن يعترض طريقي في بادوا. جروميو، جرد سلاحك إنا محاطون باللصوص، أنقذ مولاتك إن كنت رجلا! لا تخافي أيتها الفتاة الجميلة! إنهم لن يمسوك بأذى، سأكون دريئة لك يا كات دون ألف رجل في ألف. (بتروشيو يأخذ كاتارينا في ذراعيه ويخترق بها طريقا إلى الخارج، وجروميو وراءه.)
بابتستا :
دعوهما يذهبان، هذان زوجان سيعيشان في سلام.
جريميو :
لو لم يذهبا على عجل لمت من فرط الضحك.
ترانيو :
لم أشهد في حياتي زواجا أملأ بالجنون من هذا الزواج.
لوسنتيو :
سيدتي، ما رأيك في أختك؟
بيانكا :
مجنونة تزوجت من مجنون.
جريميو :
لعمري لقد تكترن
4
بتروشيو.
بابتستا :
أيها الجيران والأصدقاء، إن يكن يعوزنا عروس وبعل لنملأ بهما مكانهما من المائدة، فلن تعوزنا الحلوى في الوليمة. (إلى ترانيو)
لوسنتيو، اشغل مكان الزوج ولتشغل بيانكا مكان أختها.
ترانيو :
أهذا لتتمرن بيانكا الجميلة على تمثيل دور العروس؟
بابتستا :
هو كذلك يا لوسنتيو، هلم بنا أيها السادة. (يخرجون.) (انتهى الفصل الثالث)
الفصل الرابع
المنظر الأول (في منزل بتروشيو، كان جروميو قد أرسل ليعد الدار لمقدم سيده، يدخل مقرورا لما لقي من وعثاء السفر.)
جروميو :
تبا لكل الخيول المتعبة، وكل الأسياد المجانين، وكل السكك الوعرة! هل هم إنسان بمثل هذا، أو لوثت ثيابه كما حصل، أو أصيب بمثل هذا الإعياء؟! لقد أرسلت قبلهما لأوقد نارا وهما الآن قادمان ليستدفئا، لولا أني كالوعاء الصغير سريع إحماؤه لجمدت شفتاي من البرد على أسناني، ولصق لساني بسقف حلقي وقلبي بجدار بطني قبل أن يتيسر لي الجلوس بجوار موقد للنار تلين به أعضائي. بيد أني بنفخي النار سأستدفئ، وإلا فإن جوا قارسا مثل هذا جدير أن يرمي من هو أطول مني بزكام. (ينادي)
هيا، هو! كورتيس! (يدخل كورتيس.)
كورتيس :
من ذا يناديني بهذا البرود؟
جروميو :
قطعة من الثلج، وإذا لم تصدق فجرب أن تتزحلق على جسمي من كتفي إلى قدمي، وأنا كفيل أنك لن تتجاوز رقبتي من شدة البرد. أعد نارا يا كورتيس الطيب.
كورتيس :
أعائد سيدي وعروسه يا جروميو؟
جروميو :
أو! أجل يا كورتيس أجل؛ ولذلك أسرع أعد نارا ولا تلق عليها ماء.
كورتيس :
أهي كما يقولون امرأة شكسة حامية؟
جروميو :
كانت فيما مضى يا كورتيس الطيب قبل هذا الصقيع، ولكنك تعلم أن الشتاء يكسر من شره الرجل والمرأة والبهيم، فقد كسر من حدة سيدي وسيدتي الجديدة، وكسر من حدتي أنا أيضا يا زميلي كورتيس.
كورتيس :
امش يا مجنون يا طول الإصبع، لست زميل البهيم.
جروميو :
أنا طول الإصبع فقط؟ ويحك! إن قرنك طوله قدم وأنا على الأقل طوله. ولكن قل لي ستوقد النار أم أشكوك لسيدتنا لتذوق كفها وهي توشك أن تنزل عليك لتدفئ من برد جسمك؛ لجمودك عن القيام بعملك بحرارة .
كورتيس :
خبرني بالله يا جروميو، كيف حال الدنيا؟
جروميو :
باردة يا كورتيس في كل ناحية من العمل إلا ناحيتك؛ ولذلك أسرع وأشعل النار، قم بما يجب عليك تنل ما يجب لك؛ لأن سيدتي وسيدي يكادان يجمدان من البرد.
كورتيس :
لدينا نار معدة من قبل، وعليه فقل لي يا جروميو الطيب ما عندك من الأخبار؟
جروميو : «جاك بوي هوبوي»
1
عندي من الأخبار بقدر ما تريد.
كورتيس :
هلم خبرني، أنت الصائد المحتال.
جروميو :
أنا؟! إذن فأشعل النار، إني ما تصيدت إلا بردا شديدا. أين الطاهي؟ هل العشاء مجهز والبيت معد؟ هل كنستم القش وأزلتم أعشاش العنكبوت؟ هل لبس الخدم حللهم الجديدة وجواربهم البيضاء، وارتدى كل مستخدم ثوب الأعراس؟ هل الأكواب نظيفة الجلدية منها والمعدنية؟ وهل فرشتم البسط وكل شيء في محله؟
كورتيس :
كل شيء معد، ولذلك فهات الأخبار.
جروميو :
أولا: اعلم أن حصاني متعب، وأن سيدي وسيدتي قد وقعا.
كورتيس :
كيف؟!
جروميو :
وقعا عن سرجيهما في الوحل، وهنا قصة.
كورتيس :
علينا بها يا جروميو الطيب.
جروميو :
أعرني سمعك.
كورتيس (يميل نحوه بأذنه) :
تفضل.
جروميو (يلطمه) :
خذ.
كورتيس :
هذه وسيلة ليحس بها الإنسان الحكاية لا ليسمعها.
جروميو :
ولذلك يسمونها حكاية محسوسة ملموسة، وهذه اللطمة لتقرع باب أذنك تلتمس منك الإصغاء. والآن فلأبتدئ: أولا نزلنا سفح تل وعر، وكان سيدي راكبا وراء سيدتي.
كورتيس :
الاثنان على حصان واحد؟
جروميو :
ماذا يهمك من ذلك؟
كورتيس :
عجبا! الحصان؟!
جروميو :
قل أنت الحكاية! لولا أنك قاطعتني لعرفت كيف أن حصانها وقع ووقعت هي تحته. كنت سمعت مني كيف كانت الوقعة في مكان موحل، وكيف تلطخت بالأقذار، وكيف رفعها هي والحصان من فوقها، وكيف أنه ضربني بسبب عثرة حصانها، وكيف كانت تخوض في الأوحال لترفعه عني، وكيف كان يشتم ويلعن، وكيف كانت تتضرع، وهي لم تتضرع في حياتها من قبل، وكيف بكيت، وكيف جرى الحصان فرارا، وكيف تقطع لجامه، وكيف فقدت سرجي وفقدت معه أشياء كثيرة ذات ذكريات غالية ستضيع الآن بضياعها وتصبح نسيا، وتنحدر أنت بدونها إلى القبر مجردا من كل ذكرى.
كورتيس :
على هذا يكون صاحبنا شرا من صاحبتنا؟
جروميو :
أجل، وسترون هذا أنت ومن هو أعظم منك حين ينزل الدار. ولكن لماذا أتكلم عن هذا؟ ناد ناتانيل
Nathaniel
وجوزيف ونيكولاس وفيليب ووالتر وشوجار سوب
Sugarsop
وسائر الخدم، قل لهم يمشطوا رءوسهم جيدا، وينظفوا سترهم الزرقاء، ويجعلوا أربطة سيقانهم من ألوان أخرى، وقل لهم يحيوا بتقديم أرجلهم اليسرى ولا يدنوا أو يمسوا شعرة من ذيل حصان سيدي قبل أن يقبلوا أيديهم، أليسوا على استعداد؟
كورتيس :
بلى.
جروميو :
نادهم.
كورتيس :
يا هو، أتسمعون؟ يجب عليكم أن تقابلوا سيدي، وتؤدوا لسيدتي محيا.
جروميو :
عجبا! أليس لها محيا خاصا بها؟!
كورتيس :
من ذا يجهل ذلك؟
جروميو :
أنت فيما يخيل إلي، إذ تدعو الجماعة لتؤدي محيا لسيدتك.
كورتيس :
إني إنما أدعوهم ليدينوا لها بالطاعة.
جروميو :
عجبا، ليس في نيتها أن تستدين منهم شيئا. (يدخل أربعة أو خمسة من الخدم.)
ناتانيل :
مرحبا بك يا جروميو.
فيليب :
كيف حالك يا جروميو؟
نيكولاس :
الصديق جروميو!
ناتانيل :
كيف صحتك أيها الرفيق القديم العهد؟
جروميو (هازا أكف الجميع واحدا بعد واحد) :
مرحبا بكم، كيف حالك أنت، وصحتك أنت، والصديق أنت؟ كفانا تحية. والآن أيها الرفقة المتأنقون، أكل شيء معد، وكل شيء على أتمه؟
ناتانيل :
كل شيء معد. خبرني أين منا سيدنا الآن؟
جروميو :
على مدى الذراع، ويخيل إلي أنه قد ترجل، وبناء عليه فلا تكونوا ... اسكتوا، إني أسمع صوت سيدي. (يخطو بتروشيو داخلا هو وكاتارينا.)
بتروشيو (مزمجرا) :
أين أولئك الأوغاد؟ عجبا! ألا يقف واحد منهم بالباب ليمسك بركابي أو يأخذ حصاني؟! أين ناتانيل، جريجوري، فيليب؟
جميع الخدم :
هنا، هنا يا سيدي، هنا يا سيدي.
بتروشيو :
هنا يا سيدي! هنا يا سيدي! هنا يا سيدي! هنا يا سيدي! ويحكم أيها الحشم البلداء الأجلاف! عجبا! لا خدمة، لا اهتمام، لا واجب! أين الوغد المغفل الذي أرسلته قبلي؟
جروميو :
هنا يا سيدي، على ما عهدت في من الغفلة.
بتروشيو :
يا ريفي، يا جلف، يا ابن الفاجرة، يا بغل الطاحون، ألم آمرك أن تقابلني في البستان وتحضر معك هؤلاء الأوغاد السفلة؟
جروميو :
لم تكن سترة ناتانيل يا سيدي قد انتهى صنعها، وكان حذاء جابريل مفتوقا من الخلف، ولم يوجد لدينا هباب نسود به قبعة بيتر، وخنجر والتر لم يعد من عند السنان، ولم يكن أحد على استعداد إلا آدم ورالف وجريجوري، أما الباقون فهم في أسمال بالية مزرية. بيد أنهم قد جاءوا بحالتهم التي وصفت ليؤدوا تحية اللقاء إليك.
بتروشيو :
اذهبوا أيها الأوغاد، اذهبوا وأحضروا العشاء (يجري الخدم خارجين، وبتروشيو يهمهم مترنما) : «أين الحياة التي قضيتها رغدا؟ ...» أين أولئك ...؟ اجلسي يا كاتارينا، مرحبا بك، أف، أف، أف، آخ. (كاتارينا تقف بجوار المنضد ساكنة مغتاظة، وبتروشيو يجلس على الكرسي جلسة متعوجة، رجل له هنا وأخرى هناك، ويد فوق ظهر الكرسي وأخرى بلا قياد. ويدخل الخدم جارين ومعهم العشاء.)
أسرعوا، ما لك يا كات الظريفة؟ أشرقي وانشرحي، اخلعوا نعلي يا كلاب، وأنتم أيها الأوغاد انتهوا. (يجري أحد الخدم من ورائه ليخلع حذاء ركوبه، ويهمهم بتروشيو مترنما):
لقد كان قسا من ذوي الخلع الزرق
أخونا الذي شمناه يخطر في الطرق
ابعد يا حمار، أنت تخلع قدمي خلعا (يضربه)
خذ هذه، وخذ بالك عند خلع الثانية. انشرحي يا كات، أشرقي. أحضروا ماء هنا. ماذا ... هو؟ أين كلبي ترويلوس؟ أنت يا هو، اخرج وقل لابن عمي فرديناند يحضر هنا. هذا يا كات شخص يجب عليك أن تقبليه وتتعرفي إليه. أين خفاي؟ (بشدة) : ألا تتكرمون علي بماء؟ هلمي يا كات، اغسلي أيديك، مرحبا بك وأهلا (يدخل خادم بإبريق وطست يقع من يده في اضطرابه)
يا وغد، يا ابن الفاجرة، أترمي الطست على الأرض؟
كاتارينا :
صبرا أرجوك، إنه لم يتعمد ذلك.
بتروشيو :
يا وغد، يا ابن الفاجرة، يا مخ الخنفساء، يا طويل الآذان! تعالي يا كات، اجلسي، أنا واثق أنك تائقة للطعام، أتقومين أنت بالدعاء قبل الطعام يا كات الظريفة أم أتولى أنا ذلك؟ (يقلب فخذ الضأن)
ما هذا؟ ضأن؟!
الخادم الأول :
نعم.
بتروشيو :
من أحضره؟
بطرس :
أنا .
بتروشيو :
إنها محروقة، واللحم كله محروق، ما هؤلاء الكلاب؟! أين الطباخ السافل؟ كيف تجرءون أيها الأوغاد أن تحضروها من المطبخ هكذا، وتقدموا إلي لونا لا أحبه؟! إليكم عني. خذوها لكم هي وسفرتها، وأكوابها، وكل شيء. (يرمي اللحم والأطباق على رءوس الخدم)
أنتم عبيد مناحيس لم تتربوا، ويحكم! تتذمرون؟ سأريكم على الفور كيف يكون التذمر.
كاتارينا :
أتضرع إليك يا زوجي لا تغضب كذلك، لقد كان اللحم حسنا لو أنك رضيت به.
بتروشيو :
أقول لك يا كات إنه كان محروقا وإنه كان جافا ناشفا، ولقد منعني الأطباء أن أذوقه كذلك لأنه يعين على فوران الدم، ويثير ريح الغضب في النفس؛ ولذلك يكون خيرا لنا نحن الاثنين في مثل هذه الحال أن نصوم، إذ إننا من نفسنا مصابان بريح الغضب، ولا أن نأكل لحما أفرطوا في شوائه. لا عليك، سينصلح كل شيء في الغد، سنصوم الليلة معا عن الطعام. تعالي، سأذهب بك إلى غرفة عرسك. (يقود كاتارينا ويخرج بها. يتبعهما كورتيس، ويعود الخدم على أطراف أصابعهم).
ناتانيل :
بيتر، هل رأيت في حياتك مثل هذا؟
بيتر :
إنه يقتلها بسلاحها ويعاملها بأخلاقها. (يعود كورتيس.)
جروميو :
أين هو؟
كورتيس :
في غرفتها يعطيها درسا في الحلم! يسب ويلعن ويهين حتى دهيت تلك الروح المسكينة فلم تدر أين تضع قدميها، ولا كيف تنظر ولا ماذا تقول، وجلست ذاهلة جلسة من استفاق من حلمه وشيكا. انصرفوا، انصرفوا، إنه قادم. (يخرجون تفاديا من لقائه. ويعود بتروشيو.)
بتروشيو :
بهذه السياسة الحكيمة ابتدأت حكمي، وأؤمل أن ينتهي إلى خير. إن صقري الآن جائع وحوصلته خالية، وينبغي لي أن لا أطعمه فيشبع حتى يذل ويخضع، وإلا خفي عنه الطعم الذي ألقيه ليلتقطه. ولدي طريقة أخرى لترويضه وهي أن أعلمه المجيء وإدراك نداء حارسه، وذلك بأن أراقبه كما تراقب هذه الشواهين الشامسة التي ترف وتضرب بجناحيها وتأبى أن تخضع لأحد. إنها لم تأكل اليوم لحما بل ولن تأكل، وليلة الأمس لم تذق نوما ولن تنام الليلة، كما ادعيت في الشواء عيبا وما فيه من عيب سأدعي أن في إعداد الفراش عيبا مثله، ثم أطوح بالمخدة هنا والوسادة هناك، وأرمي الغطاء هذه الناحية والملاءات والألحفة في تلك الناحية، وأحرص أثناء هذه الثورة أن يبين لها أني إنما أفعل ذلك لشدة عنايتي بها وتقديري، ومن ثم تقضي الليلة ساهرة، وإذا صادف أن مال رأسها وأغفت فسأصخب وأصيح لتفيق وتبيت مستيقظة. هذه طريقة قتل الزوجة بسم الإشفاق. سأكبح من جماحها، وأرد إليها صوابها. فمن كان يعرف منكم وسيلة أخرى أفضل من هذه في ترويض المرأة المتنمرة فليتكلم، وله الأجر والثواب.
المنظر الثاني (في بيت بابتستا في بادوا يرى ترانيو وهو على تنكره باسم لوسنتيو وليسيو - الذي هو هورتانسيو - يتناقشان فيما يرجوان من بيانكا.)
ترانيو :
أيمكن يا صاحبي ليسيو أن تهوى السيدة بيانكا أحدا من الناس سواي؟ أؤكد لك يا سيدي أنها شديدة الحفاوة بي.
هورتانسيو :
لكي أقنعك بما ذكرته لك من حبها لكاميو، أرجو أن تقف جانبا وترقب كيف يعلمها. (تدنو بيانكا ولوسنتيو.)
لوسنتيو :
حسن يا سيدتي، انتفعي بما تطالعين.
بيانكا :
وماذا تقرأ أنت يا أستاذ؟ خبرني عن هذا أولا.
لوسنتيو :
أنا أقرأ ما أنا حاذق فيه، كتاب الهوى.
بيانكا :
وهل تستطيع يا سيدي أن تثبت أنك مالك عنان هذا الفن؟
لوسنتيو :
أجل، أيتها الحبيبة الغالية، ما دمت مالكة عنان فؤادي. (وإذ إنهما لا يلحظان وجود الاثنين الآخرين، فإنهما يستمران في المغازلة وينتحيان جانبا.)
هورتانسيو :
إنهما يسيران في الأمر على عجل. والآن قل لي من فضلك، يا من لا يتحرز أن يقسم أن محبوبته بيانكا لا تحب في الدنيا أحدا سواه.
ترانيو (متظاهرا بالكدر والتأفف) :
ما أحط هذا الحب! وما أشد تقلب المرأة! أؤكد لك يا ليسيو أن هذا الأمر عجيب مدهش.
هروتانسيو :
لا تنخدع بعد ذلك، لست ليسيو، ولا أنا معلم موسيقى كما يلوح لك، وإنما أنا واحد أكره أن أبقى على هذا التنكر من أجل واحدة تهجر السري وتؤله الزري. اعلم يا سيدي أني أسمى هورتانسيو.
ترانيو :
السيد هورتانسيو! لقد طالما سمعت عن فرط حبك لبيانكا، وإذ إني قد شهدت بعيني استخفافها بهواك فسأكون معك إذا ما أرضاك هذا، فانبذ بيانكا وانبذ حبها إلى الأبد.
هورتانسيو :
انظر، كيف يتبادلان القبل ويتغازلان! أيها السيد لوسنتيو، هذي يدي وها أنا ذا أقسم قسما أكيدا أن أقلع عن خطبتها بل أنبذها نبذ من لا تستحق شيئا من سابق الفضل الذي حبوتها به حتى اليوم عن حمق مني وجهالة.
ترانيو :
وها أنا ذا أقسم قسما لا مواربة فيه لا أتزوج هذه الفتاة ولو توسلت إلي توسلا، قبحا لها. انظر، كيف تغازله مغازلة سافلة!
هورتانسيو :
أتمنى لو نبذها الناس جميعا ما عداه، أما أنا فبرا بقسمي فقبل أن تنقضي ثلاثة أيام سأتزوج أرملة غنية طالما أحبتني قدر ما أحببت هذه الصقرة الصلفة. وعلى هذا فالوداع يا سيد لوسنتيو سأذهب، إنما يأخذ بلبي من المرأة ما تنطوي عليه من عطف ورفق لا ما يزينها من جمال وبهاء. أستأذنك في الانصراف، وأنا على ما عقدت عليه اليمين. (يخرج هورتانسيو في حالة استياء. ويذهب ترانيو إلى المتحابين.)
ترانيو :
أيتها السيدة بيانكا، كتب الله لك السعادة التي خص بها العاشقون! لقد فاجأتك أيتها الحبيبة وأنت لاهية، وحرمتك على نفسي أنا وهورتانسيو.
بيانكا (ضاحكة) :
ترانيو، إنك تمزح، أحقا أنكما قد حرمتماني على نفسيكما؟
ترانيو :
سيدتي، نعم حقا.
لوسنتيو :
إذن فقد خلصنا من ليسيو.
ترانيو :
الواقع أنه عثر بأرملة غنية سيخطبها ويتزوجها في يوم واحد.
بيانكا :
متعه الله.
ترانيو :
وسيكسر من شرتها.
بيانكا :
هذا ما كان يقوله يا ترانيو.
ترانيو :
إنه ذهب إلى مدرسة يتعلمون فيها ترويض النفوس الجامحة.
بيانكا :
مدرسة لترويض النفوس الجامحة؟! أيوجد مكان كهذا؟
ترانيو :
أجل. يديرها بتروشيو، ويعلم فيها طرقا كثيرة لترويض كل شكسة وإخراس لسانها عن الكلام. (يدخل بيونديلو جاريا.)
بيونديلو :
سيدي، سيدي، لقد انتظرت طويلا حتى سئمت سأم الكلاب، ولكني رأيت أخيرا شيخا وقورا يهبط الوادي، وفي اعتقادي أنه يصلح لما نحن في صدده.
ترانيو :
وماذا يكون يا ترى؟
بيونديلو :
قد يكون يا سيدي تاجرا أو معلما، لا أدري. ولكنه وجيه المنظر، يلوح في مشيته ومنظره كأنه والد وقور.
لوسنتيو :
وماذا يهمك منه يا ترانيو؟
ترانيو :
إذا كان الرجل غريرا فصدق ما سأحكيه له، فسأجعله يفرح بأن يتظاهر بأنه أبوك فنسنتيو، ويعطي لبابتستا مينولا كل الضمانات التي يريدها كأنما هو فنسنتيو أبوك بعينه. ادخل بهواك الدار ودعني الآن وحدي. (لوسنتيو وبيانكا ينتحيان جانبا ويدنو المعلم.)
المعلم :
وقيت يا سيدي!
ترانيو :
ووقيت يا سيدي، أهلا وسهلا، على سفر طويل أنت أم انتهى بك المسير؟
المعلم :
بل انتهى بي المسير، وسأبقى هنا أسبوعا أو اثنين ثم أعاوده راحلا، وذلك إلى روما ومنها إلى طرابلس، إذا مد الله في عمري.
ترانيو :
من أية بلدة أنت يا ترى؟
المعلم :
من مانتوا.
ترانيو :
من مانتوا يا سيدي وتأتي إلى بادوا مخاطرا بحياتك؟! يالله!
المعلم :
مخاطرا بحياتي يا سيدي؟! كيف هذا بربك؟ هذا أمر جلل!
ترانيو :
الموت مقدور لكل إنسان يرى في مانتوا إذا كان من أهل بادوا. ألا تدري السبب؟ لقد حجزوا سفائن مدينتكم في البندقية، وأعلن الدوق عليكم الحرب لخلاف شخصي بينه وبين دوقكم. يا عجبا! لولا أنك حضرت قريبا لسمعت بإعلان الحرب عليكم في كل مكان.
المعلم (مذعورا) :
ياللداهية يا سيدي! إنه شر علي، إنه أكبر من هذا؛ لأن معي صكوكا بأموال محولة من فلورنسا وعلي أن أسلمها هنا.
ترانيو :
إذا كان الأمر كذلك يا سيدي فهذا ما سأفعل إكراما لك، وهذا ما أنصح لك به. ولكن خبرني أولا هل سبق لك أن نزلت بمدينة بيزا؟
المعلم :
أجل يا سيدي، لقد نزلت بمدينة بيزا كثيرا، بيزا مشهورة بوقار أهلها.
ترانيو :
أتعرف من بينهم واحدا يدعى فنسنتيو؟
المعلم :
أنا لا أعرفه، ولكني سمعت به، هو تاجر واسع الثروة.
ترانيو :
هو أبي يا سيدي، والواقع يا سيدي أنه يشبهك نوعا ما.
بيونديلو (لنفسه) :
بقدر ما تشبه التفاحة أم الخلول.
ترانيو :
لكي تنجو بحياتك في هذه الناحية سأصنع فيك هذا الجميل، ولا تظن أن إشباهك السيد فنسنتيو في صورته هو أقل مظاهر حسن حظك، فستتخذ اسمه وتتمتع بجاهه وستنزل ضيفا مكرما في بيتي. وعليك أن تمثل الدور كما يجب له، فاهم يا سيدي؟ بهذه الوسيلة يمكنك أن تبقى في المدينة حتى تنجز أعمالك كلها. فإذا راقك هذا التدبير فتفضل بقبوله.
المعلم (شاكرا) :
آه يا سيدي، إني أقبله، وسأذيع في الدنيا أنك واهب الحياة والحرية لي.
ترانيو :
إذن فتعال معي لننجز هذه المهمة. وأخبرك يا سيدي على فكرة أنهم كانوا ينتظرون قدوم أبي من يوم ليوم، ليقدم ضمانا عن مهر يقطعه لزواج بيني وبين ابنة رجل من هذه المدينة يدعى بابتستا. وسأبصرك بما يجب عليك فعله في هذه المسألة. تعال معي ألبسك من الثياب ما يليق بك.
المنظر الثالث (في دار بتروشيو في صباح الغد، كاتارينا تأمر جروميو أن يحضر لها شيئا من الطعام للفطور.)
جروميو :
لا وديني، لا، لا أستجرئ أن أفعل ذلك أبدا.
كاتارينا :
كلما تكررت إساءاته إلي زادت نزوة نفسه في كل مرة ظهورا، ليت شعري أتزوجني ليميتني جوعا؟! ما على السائلين الذين يقرعون باب أبي إلا أن يمدوا يدهم ليعطوا ما تيسر من الصدقات، فإن لم ينالوها منه وسعتهم مكارم الخير لدن غير بابه. وأنا التي ما عرفت السؤال ولا كان بي حاجة إلى السؤال محرومة من الطعام؟! يملكني الدوار لحرماني النوم! ويؤرقني بصخب شتائمه! ويسد جوعتي بزعيقه! ولا يغيظني منه أكثر من كل هذا إلا أنه يفعل هذا بحجة أنه يحبني الحب كله! كأنما النوم والطعام جديران أن ينزلا بي مرضا عضالا أو موتا عاجلا. أتوسل إليك أن تذهب وتأتيني بشيء من الطعام، لا يهمني نوع ما تحضر ما إن يكن صالحا للأكل.
جروميو :
ماذا تقولين في كراع بقري؟
كاتارينا :
طيب جدا، علي به أتوسل إليك.
جروميو (هازا رأسه) :
أشفق أن هذا اللحم يولد الصفراء والغضب. ماذا تقولين في كرش بديع طبخ على نار هينة؟
كاتارينا :
أحبه جدا، هاته يا جروميو.
جروميو :
لا أدري، لعله مما يولد الصفراء والحدة في الطبع. ماذا ترين في قطعة من لحم البقر بالخردل؟
كاتارينا :
هذا لون أحب أن آكله.
جروميو :
أجل، ولكن الخردل حار قليلا.
كاتارينا (وقد نفد صبرها) :
إذن فهات اللحم ودع الخردل.
جروميو :
لا، لا أفعل ذلك، لا بد أن تأخذي الخردل وإلا فلن تلمسي اللحم من يد جروميو.
كاتارينا (بضجر) :
إذن فهاتهما كليهما، أو أحدهما، أو ما تشاء.
جروميو :
إذا كان الأمر كذلك فالخردل دون اللحم.
كاتارينا (تضربه) :
اذهب، اخرج من هنا يا عبد الكذب والمخادعة الذي يطعمني أسماء اللحوم دون حقيقتها، بلاك الله بالأسى والحزن أنت وكل من أشبهك، يا من يغتبطون بالانتصار على بؤسي وشقائي! اذهب، ابعد عن ناظري قلت لك. (يدخل بتروشيو يحمل طبقا عليه لحم، ومعه هورتانسيو وكان قد جاء من بادوا.)
بتروشيو :
كيف حالك يا حبيبتي كات؟ ماذا أرى يا حبيبتي الحلوة، كئيبة النفس؟!
هورتانسيو :
كيف حال السيدة؟
كاتارينا (بكدر) :
أسوأ حال وربي.
بتروشيو :
انتعشي، انظري إلي نظرة انشراح (يضع الصحن على المنضد) ، ها أنت ذي ترين مقدار نشاطي واجتهادي، إذ أهيئ اللحم بنفسي وأحضره لك بنفسي. وفي اعتقادي يا حبيبتي كات أن هذا التلطف مني يستوجب الشكر منك. عجبا! ألا تقولين كلمة واحدة؟ إذن فأنت لا تحبين هذا الصنف؛ ولذا ذهب تعبي سدى في إعداده. هو! خذ هذا الطبق من هنا.
كاتارينا :
أتوسل إليك أن تدعه حيث هو.
بتروشيو :
أهون المعروف يستوجب الشكر، فمن الواجب أن تشكري لي ما فعلت قبل أن تلمسي الطعام.
كاتارينا :
أشكرك يا سيدي.
هورتانسيو :
أف لك يا بتروشيو! الحق عليك في هذا. تعالي يا سيدة كات سأرافقك.
بتروشيو (يهمس في أذن هورتانسيو) :
كله، كله يا هورتانسيو إن كنت تحبني، كله بالهناء والشفاء. (إلى كاتارينا):
كلي يا كات وعجلي. والآن يا حبيبتي الحلوة سنعود إلى بيت أبيك ونمرح هناك قدر ما نستطيع، وستكونين لابسة أفخر ملبوس، ثيابا وقبعات من الحرير، وخواتيم من الذهب، بالطوق المكشكش والكم المسجف والحمائل العالية، وما لا حصر له من الحاجات. بله الملافع والمراوح والملابس الثمينة التي تتنقلين في لبسها مع أساور العنبر والقلائد وغيرها من أدوات الفتنة. حسن ، انتهيت من تناول الطعام؟ الخياط في انتظار أمرك ليزين قوامك بحلله الزاهية. (يدخل خياط وبزاز، ومعهما بضاعتهما)
تعال يا خياط، أرنا هذه الزخارف، اعرض الثوب. (إلى البزاز):
ما وراءك يا صاحبي؟
البزاز :
جئت بالقبعة التي أمرتم سعادتكم بها.
بتروشيو (يقلب القبعة باحتقار) :
عجبا! أشكلتها على سلطانية؟! ألا إنها من القطيفة، قبحا لها! قبحا! إنها لقبعة خليعة فاحشة، إنها لصدفة أو قشرة بندقة، لغز، لعبة، حيلة، قبعة طفل. أبعدها، خذها وهات واحدة أكبر منها.
كاتارينا :
لا أريد أكبر منها، إنها زي اليوم، وكرائم القوم يلبسن اليوم مثل هذي.
بتروشيو :
إذا رقت حواشيك ككرائم القوم جئتك بمثلها، أما اليوم فلا.
هورتانسيو (لنفسه) :
لن يكون هذا اليوم قريبا.
كاتارينا :
أعتقد أن من حقي أنا أيضا أن أتكلم، وسأتكلم فعلا (يزداد هياج نفسها):
لست طفلة ولا رضيعة، لقد كان من هم أفضل منك يحتملون القول مني، فإذا لم تكن تستطيع ذلك فخير لك أن تسد منافذ أذنيك. سينفس لساني عما يجيش في قلبي من الغضب وإلا تمزق القلب بما يضمر، متفاديا من ذلك سأطلق للساني العنان إلى الحد الأقصى كما يشتهي، وأرسل عليه ما أشاء من الكلام.
بتروشيو :
نعم، إنك تقولين حقا، إنها قبعة حقيرة، إنها وجه فطيرة، لعبة فارغة مزخرفة، فطيرة من الحرير. إني أحبك أكثر فيما لا تحبين.
كاتارينا :
تحبني أو لا تحبني، أنا أحب هذه القبعة، وسآخذها أو لا آخذ شيئا. (يخرج البزاز.)
بتروشيو (متجاهلا غضبها) :
ثوبك؟ على العين. تعال يا خياط أرنا إياه. (الخياط يعرض الثوب.)
أوه! رحمة بنا يا رب، ما هذا النوع من الكساء؟ ما هذا، كم؟ إنه أشبه بمدفع صغير، ماذا؟ فوق وتحت، مقور كما يقور الواحد صحفة فيها فطيرة تفاح، هنا قصة، وهنا تقويرة، وهنا فتحة، وهنا شق، وهنا شرم! لكأنه مبخرة في دكان مزين! قل لي بحق الشيطان أنت يا خياط ماذا تسمي هذا؟
هورتانسيو (لنفسه) :
لعمري لن تنال الثوب ولا القبعة!
الخياط :
أنت كلفتني أن أفصله على زي اليوم.
بتروشيو :
نعم، ولكن إذا كنت تتذكر فإني لم أكلفك أن تتلفه على زي اليوم. انصرف عاجلا قفزا فوق كل قناة وبالوعة حتى تبلغ إلى دارك، فإنك عائد بالخيبة يا صاحبي، لا أريد شيئا مثل هذا. انصرف وافعل به ما تشاء.
كاتارينا :
أنا لم أر في حياتي ثوبا أحسن تفصيلا من هذا، ولا أعجب منه قطعا، ولا أجمل في العين منظرا، ولا أدعى إلى الثناء، أم تريد أن تجعل مني دمية في الدمى؟
بتروشيو :
فعلا، إنه يريد أن يجعلك دمية.
الخياط :
إنها تعني أن جنابك تريد أن تجعلها دمية.
بتروشيو (هازا الخياط) :
وقاحة جريئة، أنت كاذب، يا فتلة، يا كستبان، يا ياردة، يا ثلاثة أرباع الياردة، يا نصف الياردة، يا ربع ياردة، يا مسمار، يا برغوث، يا صئبانة، يا صرار، يا ... أتهينني في منزلي شلة خيط؟! انصرف يا خرقة بالية يا فضلة، وإلا ذرعتك بياردتك ذرعا لن ينسيك ثرثرتك ما حييت، أقول لك أنا إنك أتلفت ثوبها.
الخياط :
مولاي واهم، الثوب مصنوع كما أمر سيدي أن يصنع. جروميو هذا هو الذي أعطانا الزي المطلوب.
جروميو (بحذر) :
أنا لم أعطه زيا، أنا أعطيته النسيج وحده.
الخياط :
ولكن كيف رغبت إلينا أن نصنعه؟
جروميو :
يا إلهي! بالخيط والإبرة.
الخياط :
ولكن ألم تطلب منا أن نفصله؟
جروميو :
لقد سبق لك أن فصلت عروضا كثيرة.
الخياط :
معلوم.
جروميو :
دع عنك عرضي، كم من رجل ألبسته وجملته! أما أنا فأرجو أن لا تلبسني شيئا من التهم، أنا لا أقبل أن تفصل لي أو تلبسني. أقول لك في وجهك: إني أمرت معلمك أن يفصل الثوب، ولكني ما أمرته أن يقطعه، وبناء عليه فأنت كذاب.
الخياط (يخرج ورقة) :
إليك هذه المذكرة، إن فيها وصف الزي الذي طلبته.
بتروشيو :
اقرأها.
جروميو :
تكون المذكرة كاذبة إذا قالت إنني قلت كذلك.
الخياط :
أولا: فضفاض.
جروميو :
سيدي، إذا كنت قلت إن الثوب يكون فضفاضا فخيطني على داير أطرافه واضربني حتى أموت ببكرة الخيط البني. أنا قلت: ثوب.
بتروشيو :
أكمل.
الخياط (مستمرا في القراءة) :
بزياق صغير التقوير.
جروميو :
اعترف بالتقوير.
الخياط (مستمرا في القراءة) :
بكم واسع.
جروميو :
اعترف بكمين.
الخياط (قارئا) :
ويكون تفصيل الكم مسترعيا النظر.
بتروشيو :
ياللفضيحة!
جروميو (مذعورا) :
غلط في الكتابة يا سيدي، غلط في الكتابة، إني أمرته أن يفصل الأكمام ويخيطها ثانيا كما كانت. سأقرعك، وإن كنت مسلحا بكستبان في خنصرك.
الخياط :
إن ما قلته هو الصحيح، ولو استطعت أن أخرج بك إلى مكان لائق لاعترفت من فورك.
جروميو :
أنا لك على الفور، خذ الورقة، وأعطني عصا الياردة ثم لا تقلني.
هورتانسيو :
يا لك من ظالم يا جروميو، تتسلح وتجرده!
بتروشيو :
بالاختصار يا سيدي، هذا الثوب ليس لي.
جروميو :
صدقت يا سيدي، إنه لمولاتي.
بتروشيو :
اذهب، خذه إلى معلمك يستعمله.
جروميو :
حذار أن تفعل هذا يا وغد أو تموت! وي! تأخذ ثوب سيدتي ليستعمله معلمك!
بتروشيو :
كيف ذا؟! ماذا تعني بهذا؟!
جروميو :
المعنى يا سيد أبعد مما تتصور، يأخذ ثوب سيدتي ليستعمله معلمه! عيب، عيب، عيب!
بتروشيو (هامسا في أذن هورتانسيو) :
هورتانسيو، قل إنك ستحرص أن يأخذ الخياط حقه. (إلى الخياط)
انصرف، اذهب به من هنا، ولا تقل كلمة واحدة.
هورتانسيو :
يا خياط، سأدفع لك ثمن الثوب غدا، فلا تتكدر لما سمعت مما تعجل به لسانه. انصرف، واذكرني عند معلمك. (يأخذ الخياط بضاعته ويخرج.)
بتروشيو :
تعالي يا عزيزتي كات، سنذهب إلى بيت أبيك ولو في هذه الثياب العادية. سيكون همياننا مكتظا بالنضار وإن خلا ملبسنا من مظهر اليسار. إنه هو العقل الذي يغني البدن، وكما أن أشعة الشمس تنفذ من أقتم السحب وتبين، فكذلك الشرف يتراءى للعين من وراء أحقر ملبس. هل كان طير الزرياب أكرم من القبرة لأنه أجمل منها ريشا؟ أم أن الأفعوان أحسن من ثعبان السمك لأن صبغة جلده ترضي العين؟ وكذلك أنت يا كات، لن يتضع شأنك باتضاع هذا الملبس وحقارة هذا المظهر، إن كنت ترين في ذلك عارا فألقي الذنب علي. وعلى هذا سري عنك، سنغادر هذا المكان على الفور لنمرح ونلعب في بيت أبيك. اذهبي نادي رجالي ودعينا نرحل ، أعدي خيولنا في آخر شارع لونج لين، هناك نركب. ومن هنا حتى نبلغ مكان الركوب نمشي على الأقدام، كم الساعة الآن؟ أظن أنها السابعة تقريبا، وعليه فسنصل هناك قبيل الغداء.
كاتارينا :
أؤكد لك يا سيدي أنها الثانية تقريبا، وسيكون وصولك هناك وقت العشاء.
بتروشيو (بغضب) :
ستكون السابعة قبل أن أذهب لأركب! اذكري أنك لا تزالين تناقضين كل ما أنطق به أو أفعله أو أنوي فعله. سادتي، فضونا من هذا، أنا لا أرحل اليوم، وقبل أن يأتي وقت الرحيل ستكون الساعة هي الساعة التي أقولها.
هورتانسيو :
هلم، إنه يريد أن يتحكم حتى في الشمس.
المنظر الرابع (في بادوا، ترانيو يحضر المعلم المتنكر إلى منزل بابتستا ليقدمه له على أنه فنسنتيو.)
ترانيو :
سيدي، هذا هو البيت، أتسمح أن أطرق؟
المعلم (كأنه غير واثق بما يجب عليه فعله) :
أجل، هل هناك غير هذا؟ ولكني أخشى، ما لم أكن واهما، أن يتذكرني السيد بابتستا كنا نازلين معا في فندق بيجاسوس
في جنوة منذ عشرين عاما.
ترانيو :
لا بأس، عليك على كل حال أن تلزم جانب الوقار اللائق بالوالد.
المعلم :
لا عليك (يدنو بيونديلو) ، ولكن انظر يا سيدي، ها غلامك قد أتى. كان خيرا لو أنه كان الآن في المدرسة.
ترانيو :
لا تخش منه بأسا. بيونديلو، قم بواجبك بدقة، تصور أن هذا السيد هو فنسنتيو بعينه.
بيونديلو :
هو! سر عنك.
ترانيو :
ولكن قل لي هل أديت رسالتك إلى بابتستا؟
بيونديلو :
قلت له إن أباك كان في البندقية، وإنك منتظر قدومه اليوم إلى بادوا.
ترانيو :
إنك فتى مدهش (يعطيه نقودا)
خذ هذا واشرب به، ها قد حضر بابتستا، استعد لدورك يا سيدي. (يدخل بابتستا ولوسنتيو.)
السيد بابتستا ما أسعد اللقاء! (إلى المعلم):
سيدي، هذا هو السيد الذي خبرتك عنه، فأتوسل إليك أن تعلي فضل أبوتك لي الآن وتجعل بيانكا نصيبي من الدنيا.
المعلم :
على رسلك يا بني، (إلى بابتستا):
سيدي، أستميحك الإذن في الكلام: جئت إلى بادوا لأحصل ديونا على بعض الناس فيها، فحدثني ولدي لوسنتيو حديث جد عن غرام بينه وبين ابنتك، ونظرا إلى ما لك من حسن الأحدوثة بين الناس وإلى الحب الذي يكنه قلبه لابنتك وتكنه هي لولدي؛ ولكي لا يطول به الأمر؛ أبدي بلسان الوالد ورعايته أنني راض عن قرانه. وإذا لم تجد قبل لقائنا عائقا لإنفاذ الأمر إلا رضاي به واتفاقنا عليه بعقد نفصله فيما بيننا؛ فها أنا ذا مستعد وراض عن إمضاء زواجها على ذلك. أما أنت يا سيد بابتستا فلا أرى لي أن أتشكك فيك، حين أني أسمع عنك الخير كله.
بابتستا :
سيدي، أستميحك العذر فيما أريد أن أقوله، إن صراحتك واختصارك يطرباني كثيرا. حقيقة إن ولدك لوسنتيو الواقف هنا يحب ابنتي وإنها تحبه، أو إنهما كلاهما يعلنان عواطف هواهما العميق الغور. ولذلك فإنك إذا لم تزد في القول على أن تقول، وأنت والد، إنك عازم أن تعامله معاملة الأبناء، وتكتب لابنتي مهرا يكفيها؛ فسيظفر ابنك بابنتي برضائي.
ترانيو :
أشكرك يا سيدي، فأين ترى أن تجري مراسم الزواج وكتابة العقود بما حصل عليه الاتفاق؟
بابتستا :
ليس في منزلي يا لوسنتيو، فإنك تدري أن الحيطان ذات آذان، ولدي خدم كثيرون. وفضلا عن ذلك فإن صاحبنا جريميو لا يزال يرقبنا وقد يقطع علينا العمل.
ترانيو :
إذن فليكن ذلك في منزلي إذا استصوبته. هناك ينزل أبي، وهناك في هذه الليلة نقضي مهمتنا فيما بيننا على الوجه الأكمل. أرسل في طلب ابنتك خادمك الموجود هنا، وسيذهب غلامي في طلب المأذون على الفور. شر ما في الأمر أننا لضيق الوقت لن نستطيع قراك كما يجب.
بابتستا :
هذا تدبير طيب، كامبيو،
2
أسرع فادخل الدار وقل لبيانكا تستعد وتأتي على الفور، وإذا رأيت أن تخبرها بما جرى فافعل، قل لها إن والد لوسنتيو قد حضر إلى بادوا وإنها على وشك أن تصير زوجة لوسنتيو.
لوسنتيو :
أدعو الله أن يتحقق ذلك.
ترانيو :
لا تجعل الله عرضة لحديثك وانصرف. أيها السيد بابتستا، أتسمح لي أن أتقدمك في المسير؟ مرحبا بك، ولكنا نعتذر إليك، إذ نقدم لونا واحدا من الطعام. تفضل يا سيدي، وسنقوم بالواجب إن شاء الله في بيزا.
بابتستا :
إني تابعك. (ترانيو والمعلم يخرجان مع بابتستا.)
بيونديلو :
كامبيو!
لوسنتيو :
ما رأيك في هذا يا بيونديلو؟
بيونديلو :
أرأيت سيدي وهو يغمز بعينه ويضحك منك؟
لوسنتيو :
بيونديلو، ما معنى ذلك؟
بيونديلو :
لا شيء، ولكنه تركني هنا لأفسر لك معنى إشاراته وغمزاته ومغزاها.
لوسنتيو :
أتوسل إليك أن تخبرني بمغزاها.
بيونديلو :
إذن فهاكه، بابتستا الآن مطمئن، ولكنه يحادث أبا كاذبا لولد كاذب.
لوسنتيو :
وماذا في الأمر؟
بيونديلو :
ابنته ستحضرها أنت إلى العشاء.
لوسنتيو :
ثم ماذا؟
بيونديلو :
القسيس الهرم راعي كنيسة سانت لوك هو تحت أمرك في كل وقت.
لوسنتيو :
وما القصد من كل هذا؟
بيونديلو :
لا أستطيع أن أزيد على ذلك إلا أنهم مشغولون بتلفيق وثيقة المهر، فاضمن أنت حقك غير ملفق، خذها إلى الكنيسة على غرة منهم واطلب القسيس والكاتب وبعض شهود عدول واستوثق منها لنفسك أمامهم. فإذا لم يكن هذا ما تريد فليس عندي من القول مزيد سوى أن تودع بيانكا إلى الأبد وفوق الأبد بيوم.
لوسنتيو :
اسمع يا بيونديلو.
بيونديلو :
لا أستطيع التلكؤ، إني أعرف بنتا تزوجت عصر يوم حين كانت ذاهبة إلى البستان لتحضر شيئا من المقدونس لتحشو به أرنبا، وفي استطاعتك أن تفعل مثلها، وعلى هذا وداعا يا سيدي. أأمرني سيدي أن أذهب إلى كنيسة سانت لوك وأكلف القسيس الاستعداد للقدوم ريثما تأتي أنت بملحقاتك.
لوسنتيو :
أود ذلك وسأنفذه إذا هي رضيت به، بل أعتقد أنها ستسر له، فلم الشك؟ ليحدث ما يحدث، سأذهب إليها على الفور بلا حفاوة، ولن تكون العاقبة إلا شرا إذا عاد كامبيو بدونها.
المنظر الخامس (صباح اليوم التالي بتروشيو وكاتارينا وهورتانسيو في طريقهم إلى بادوا.)
بتروشيو (بخشونة) :
هلموا على بركة الله، نعود مرة أخرى إلى بيت أبيك. سبحان الخلاق البديع، ما أبهى وأجمل نور القمر!
كاتارينا :
نور القمر! نور الشمس، ليس هذا وقت إشراق القمر.
بتروشيو :
أنا أقول إن الذي يشرق الآن هو القمر.
كاتارينا :
ولكني واثقة أن الذي يشرق الآن هو الشمس.
بتروشيو :
أما وابن أمي - أعني نفسي - ليكونن المشرق هو القمر أو النجم أو ما أشاء قبل أن نركب الطريق إلى بيت أبيك، اذهبي وأرجعي الخيل إلى حظيرتها كما كانت، كل ساعة معارضة ومعارضة ولا شيء إلا المعارضة!
هورتانسيو (متضايقا) :
قولي كما يريد وإلا فلن نرحل من هنا.
كاتارينا :
امش من فضلك ما دمنا قد قطعنا كل هذه المسافة، وليكن القمر أو الشمس أو ما تشاء، وإذا قلت إنه سراج متقد فسأقسم أنه الواقع.
بتروشيو :
ولكني أقول إنه القمر.
كاتارينا (وقد تضعضعت نفسها) :
حقا إنه القمر.
بتروشيو :
بل أنت تكذبين، إنها الشمس المباركة.
كاتارينا :
إذن فتبارك الله! إنها الشمس المباركة، ولكنها ليست الشمس إذا أنت قلت إنها غير ذلك. بيد أن القمر يتغير على هواك، فكل اسم تسميه به مهما كان لفظه هو ما ستسميه به كاتارينا.
هورتانسيو (إلى بتروشيو) :
امض في سبيلك لقد تم لك النصر.
بتروشيو :
حسن، سيروا بنا، سيروا، هكذا يجب أن تجري الكرة دون أن تلقى في سيرها عائقا. ولكن مهلا أرى جماعة قادمين علينا. (يدنو فنسنتيو الحقيقي فيخاطبه بتروشيو على أنه امرأة):
أسعدت صباحا أيتها السيدة الرقيقة، أين تذهبين؟ خبريني يا كات الظريفة، وخبريني بحق أيضا، هل وقعت عينك على أنضر من هذه السيدة، تنافس البياض والحمرة في وجنتيها؟ أي نجوم تزين السماء بجمال يعدل هذا الجمال؟! وانظري إلى العينين ما أليقهما بهذا الوجه الرباني! أيتها الفتاة الجميلة الفاتنة، صبحت بالخير مرة أخرى. عزيزتي كات، عانقيها تحية لجمالها الفتان.
هورتانسيو :
سيخبل الرجل، إذ يجعل منه امرأة.
كاتارينا (متابعة زوجها ومتلطفة) :
أيتها العذراء الصغيرة النابتة، أيتها الحسناء النضرة العبقة، أين تذهبين؟ أين مستقرك؟ سعيد من ولد مثل هذه الطفلة الجميلة! وأسعد منه الرجل الذي قدرت طوالعه أن تكوني قسيمة فراشه!
بتروشيو :
ما هذا يا كات؟! عجبا! أرجو أن لا تكوني مجنونة، إن الذي ترين رجل، هرم، متغضن، ذاو وذابل، لا فتاة كما تقولين!
كاتارينا :
أيها الوالد المكرم، اغفر لعيني خطأهما، لقد بهرهما وهج الشمس حتى ليبدو كل ما أنظر إليه أخضر غضيضا، الآن أدرك أنك والد وقور، فاغفر بالله حمق خطئي.
بتروشيو :
تكرم بعفوك أيها الجد الصالح، وقل لنا أي طريق تقصد فإن كان طريقنا فما أشد سرورنا بمرافقتك.
فنسنتيو :
أيها السيد الجميل، وأنت أيتها السيدة المرحة التي أدهشني لقاؤها الغريب، اسمي فنسنتيو وبلدي بيزا، وأنا قاصد إلى بادوا لأزور بها ولدا لي لم أره منذ زمن بعيد.
بتروشيو :
ما اسمه؟
فنسنتيو :
لوسنتيو يا سيدي.
بتروشيو :
لقاء سعيد، ولدك به أسعد. من حقي الآن بحكم الشرع وبحق كبر السن ووقاره أن أدعوك والدي البار، أخت زوجتي هذه السيدة قد أصبحت اليوم زوجة لولدك، فلا تعجب أو تحزن فإنها عظيمة القدر غالية المهر، كريمة المحتد، وإنها فضلا عن ذلك معلمة مهذبة بقدر ما يجمل بعروس الرجل النبيل. دعني أعانق فنسنتيو الكبير، ثم نرحل معا لنرى ولدك الكريم، إنه سيفرح بلقائك فرحا عظيما.
فنسنتيو :
ولكن أحق ما تقول أم إنك تستطيب أن تمرح كدأب بعض المسافرين المرحين، إذ يمزحون مع من يلقون في الطريق؟
هورتانسيو :
إني أؤكد لك أيها الوالد أنه هو الواقع.
بتروشيو :
هلم، سر بنا وانظر الحق بعينك، لقد ألقى عاجل سرورنا شكا في نفسك وارتيابا. (بتروشيو وكاتارينا وفنسنتيو يذهبون في طريقهم ويتمهل هورتانسيو.)
هورتانسيو :
أجل يا بتروشيو، لقد قويتني بما فعلت، فلأذهب إلى أرملتي وأتزوجها، وإذا كانت هي أيضا شرسة فقد علمت هورتانسيو كيف يكون فظا. (انتهى الفصل الرابع)
الفصل الخامس
المنظر الأول (أمام منزل لوسنتيو في بادوا يرى بيونديلو يتبعه لوسنتيو وبيانكا ذاهبين بسرعة إلى الكنيسة، ويرى جريميو الشيخ في جانب آخر من المنظر يتمشى مشغول البال؛ ولذلك غفل عن رؤيتهم.)
بيونديلو :
أسرع يا سيدي دون أن يشعر بك أحد؛ لأن القسيس في الانتظار.
لوسنتيو :
إني أكاد أطير يا بيونديلو، ولكن لعلهم يحتاجون إليك في البيت فاتركنا.
بيونديلو :
لا وربي، لا بد لي أن أراك وقد احتوتك الكنيسة ثم أرجع إلى سيدي ترانيو بكل همة. (يخرج لوسنتيو وبيانكا وبيونديلو.)
جريميو :
يدهشني أن كامبيو لم يلح كل هذا الوقت! (يدخل بتروشيو وكاتارينا وفنسنتيو ويدنو جروميو وغيره من أتباعهم.)
بتروشيو :
سيدي، ها هو ذا الباب، نحن أمام دار لوسنتيو، أما بيت صهري فهو ناحية السوق؛ ولذلك أتركك هنا وأستمر في طريقي.
فنسنتيو :
لا خيار لك، ألا تشرب شيئا قبل أن نفترق؟ في اعتقادي أنني أستطيع أن أرحب بك هنا، وإذا صح حدسي فإننا واجدون ما ينعشنا (يدق الباب) .
جروميو :
إنهم مشغولون بأمرهم في البيت، خير لك أن تدق الباب بشدة. (يطل المعلم من إحدى نوافذ البيت العليا.)
المعلم :
من هذا الذي يدق الباب كأنما يريد أن يهشمه؟
فنسنتيو :
السيد لوسنتيو موجود يا سيدي؟
المعلم :
موجود يا سيدي، ولكنه مشغول لا يستطيع أن يكلم أحدا.
فنسنتيو :
حتى ولو جاءه رجل بمائة جنيه أو مائتين لينفقها على هواه؟
المعلم :
احفظ على نفسك مائة جنيهك، إنه لا يحتاج إلى شيء ما دمت حيا.
بتروشيو :
ألم أقل لك إن ولدك محبوب من بادوا؟ أتسمع يا سيدي: دعنا من المزاح وقل للسيد لوسنتيو بحقك إن والده حضر من بيزا وإنه هنا لدى باب بيته يريد الكلام معه.
المعلم :
إنك تفتري الكذب، والده حضر من بادوا وهو هنا الآن يطل عليكم من النافذة.
فنسنتيو :
هل أنت والده؟
المعلم :
أجل يا سيدي، هكذا تقول أمه إذا جاز لي أن أصدقها.
بتروشيو (إلى فنسنتيو) :
كيف هذا يا رجل؟! أتدري أنك تقترف جرما بادعائك لنفسك اسم غيرك؟
المعلم :
اقبضوا على الوغد، إني أتهم الرجل بأنه يحاول النصب على بعض أهل المدينة تحت ستار اسمي. (يعود بيونديلو.)
بيونديلو :
لقد جمعتهما في الكنيسة، حرس الله سفينتهما في بحر الحياة. (ينذعر حين يرى فنسنتيو)
وي! من هذا؟! فنسنتيو سيدي الكبير! لقد ضعنا وانتهينا إلى البوار!
فنسنتيو (وقد رأى بيونديلو) :
تعال هنا يا طريد المشانق.
بيونديلو (بوقاحة وجمود وجه) :
أظن أنني حر التصرف يا سيدي.
فنسنتيو :
قرب مني يا وغد، وي! هل نسيتني؟
بيونديلو :
نسيتك؟ لا يا سيدي لا أستطيع أن أنساك؛ لأنني لم أرك في حياتي أبدا .
فنسنتيو :
ماذا تقول يا وغد الأوغاد! ألم تر في حياتك وجه والد سيدك، فنسنتيو؟
بيونديلو :
من؟ سيدي الكبير المحترم؟ أجل رأيته يا سيدي، انظر إنه يطل من النافذة.
فنسنتيو :
أهو كذلك فعلا؟ (يمسك ببيونديلو ويأخذ في ضربه.)
بيونديلو :
النجدة! النجدة! أدركوني! مجنون يريد قتلي!
المعلم :
النجدة يا ولدي! النجدة يا سيد بابتستا. (يغلق النافذة). (يجري بيونديلو هاربا.)
بتروشيو :
دعينا بالله يا كات نقف جانبا حتى نرى نهاية هذا الصراع. (بتروشيو وكاتارينا يتحولان إلى الوراء حين يأتي المعلم وبابتستا وترانيو والخدم.)
ترانيو :
سيدي، من أنت حتى تعتدي على خادمي بالضرب؟
فنسنتيو :
وي! أيتها الآلهة الخالدة! ياللوغد المتأنق! صدار من الحرير، وسروال من القطيفة، وقباء قرمزي، وقبعة مطرطرة! لقد ضعت، لقد ضعت! أقضي أيامي في بلدي قضاء الوالد المقتصد، وابني وخادمي ينفقان كل شيء في الجامعة!
ترانيو :
عجبا! ما الخبر؟
بابتستا :
ماذا؟! هل الرجل مجنون؟
ترانيو :
سيدي، تدلني ملابسك على أنك شيخ عاقل، ولكن كلامك يشعرني أنك مخبول. عجبا! ماذا يعنيك مني إذا أنا لبست لؤلؤا أو ذهبا؟! الفضل لأبي الكريم، إذا أنا استطعت أن أكون كذلك!
فنسنتيو (غاضبا) :
لأبيك الكريم! من هو يا وغد؟ أليس أبوك خياط قلوع في برغامو؟
بابتستا :
أنت مخطئ يا سيدي، أنت مخطئ يا سيدي، بالله خبرني ما ظنك أن يكون اسمه؟!
فنسنتيو :
اسمه؟ كأني لا أعرف اسمه! لقد ربيته في بيتي منذ كان له من العمر ثلاث سنوات، واسمه ترانيو.
المعلم :
رح، رح، حمار مجنون! اسمه لوسنتيو، وهو ابني الوحيد ووارث أملاكي، أنا السنيور فنسنتيو.
فنسنتيو :
لوسنتيو! آه، لقد قتل سيده! اقبضوا عليه، آمركم أنا باسم الدوق، آه يا ولدي! يا ولدي! قل لي أنت يا وغد أين ابني لوسنتيو؟
ترانيو :
نادوا أحد الشرطة. (يدخل أحد الخدم ومعه ضابط بوليس.)
خذ هذا الوغد المجنون إلى السجن. عمي بابتستا إني أترك لك تدبير الأمر في سجنه.
فنسنتيو :
يأخذني إلى السجن!
جريميو :
مهلا أيها الضابط، لا يذهب إلى السجن.
بابتستا :
لا تتكلم يا سيد جريميو، أقول فليذهب به إلى السجن.
جريميو :
احذر يا سيد بابتستا أن تكون مخدوعا في هذا الأمر، إني أؤكد لك مقسما أن هذا الرجل هو فنسنتيو الحقيقي.
المعلم (مهددا) :
أقسم إن استطعت.
جريميو :
لا، لا أستطيع القسم.
ترانيو :
لقد كان خيرا لك لو قلت إنني لست لوسنتيو.
جريميو :
بل أعرف أنك السنيور لوسنتيو بعينه.
بابتستا :
اذهبوا بهذا الشيخ المخرف إلى السجن.
فنسنتيو :
هكذا يعامل الغرباء ويساءون؟ ويل للوغد الزنيم! (يعود بيونديلو بلوسنتيو وبيانكا.)
بيونديلو :
يا ويحتا! لقد ضعنا! ها هو ذا. أنكره، احلف زورا أنه ليس هو وإلا فقد ضعنا.
لوسنتيو (يجري إلى أبيه ويجثو) :
عفوك يا أبي العزيز!
فنسنتيو :
أنت حي يا ولدي المحبوب! (يجري ترانيو وبيونديلو والمعلم بأقصى سرعة إلى الخارج.)
بيانكا (جاثية) :
عفوك يا أبي العزيز!
بابتستا :
فيم أسأت؟ أين لوسنتيو؟
لوسنتيو :
أنا ذا لوسنتيو، الابن الحقيقي لفنسنتيو (مشيرا)
الحقيقي. من جعلت ابنتك بزواجي الآن منها ملكا لي حين كان الأدعياء يغررون بك ويصرفونك عن رؤية الحق.
جريميو :
هذه مؤامرة واضحة للإيقاع بنا جميعا.
فنسنتيو :
أين ذلك الوغد الملعون ترانيو الذي كابر وتواقح في هذه المسألة، كما جرى؟
بابتستا :
ولكن خبريني أليس هذا أستاذك كامبيو؟
بيانكا :
كامبيو تكشف فصار لوسنتيو.
لوسنتيو :
هو الحب قد صنع هذه الأعاجيب. حبي بيانكا حملني على أن أبادل ترانيو حقيقته، ويتلبس في المدينة مظاهري. ولقد أسعدني الحظ فبلغت في النهاية مرفأ السعادة المرجوة. وكل ما فعله ترانيو إنما فعله بأمري، فاغفر لي الذنب يا أبي العزيز؛ إكراما لي.
فنسنتيو :
لا بد أن أجدع أنف الوغد الذي أراد أن ينزلني في السجون.
بابتستا (إلى لوسنتيو) :
ولكن استمع لي يا سيدي: أتزوجت ابنتي بغير اعتداد برضاي؟
فنسنتيو :
لا تخش بأسا يا بابتستا، سنرضيك في هذا، لا عليك، ولكن لا بد لي أن أدخل الدار لأنتقم من الوغد جزاء عمله.
بابتستا :
وأنا أيضا، لأسبر غور هذه الألاعيب. (يلحق بفنسنتيو.)
لوسنتيو (إلى بيانكا) :
لا توجلي يا بيانكا، وثقي أن أباك لن يغضب. (يذهب لوسنتيو وبيانكا وراء أبيها.)
جريميو :
تلفت خبزتي ، ولكن سأذهب في الذاهبين مقطوع الأمل من كل شيء إلا من نصيبي في وليمة العرس. (يخرج في أثرهم.)
كاتارينا :
زوجي، دعنا نذهب في أثرهم لنرى نهاية هذه المسألة.
بتروشيو :
قبليني أولا يا كات ونحن نذهب.
كاتارينا :
وي! في وسط الشارع!
بتروشيو :
أفي ذلك معرة لك؟
كاتارينا :
لا يا سيدي، معاذ الله! ولكني أستحيي أن أقبل.
بتروشيو :
إذن فلنعد إلى بيتنا. تعال يا ولد، هلم بنا نرحل.
كاتارينا :
لا، لا، سأقبلك. والآن يا حبيبي أرجو أن تبقى.
بتروشيو :
أليس هذا أحسن؟ تعالي يا كاتارينا يا حلوة، تعالي نتبادل الحب، فخير أن يأتي الشيء متأخرا من أن لا يأتي أبدا. (يتبادلان القبل.)
المنظر الثاني (وليمة العرس في منزل لوسنتيو. يدخل بابتستا وفنسنتيو وجريميو، والمعلم ولوسنتيو وبيانكا وبتروشيو وكاتارينا، وهورتانسيو وأرملته. ويبقى في خدمتهم ترانيو وبيونديلو وجروميو وغيرهم من الخدم.)
لوسنتيو :
لقد اتفقت ألحاننا في النهاية بعد طول نشوزها، هذا هو الوقت الذي يجدر بنا، بعد انتهاء ما كان بيننا من الحرب الشعواء، أن نبتسم فيه لما لقينا من المآزق والمخاطر الماضية. بيانكا، زوجتي الحسناء، رحبي بأبي حين أعبر لأبيك عن مثل هذا الشعور الكريم. أخي بتروشيو وأختي كاتارينا وأنت ياهورتانسيو وزوجتك المحبوبة، أهلا بكم وسهلا في منزلي. إن وليمتي جديرة أن تهدئ ثائرة الحزازات، ويقضي عليها ما لقي كل منا من السعادة. أرجو منكم يا سادة أن تتفضلوا بالجلوس، فقد آن لنا أن نجلس لنتسامر ونأكل. (يأخذ كل منهم مكانه من المائدة.)
بتروشيو (وقد وجد ترويض الشكسات صنعة لذيذة) :
لا شيء إلا أن نجلس وإلا أن نأكل؟
بابتستا :
هذه سجية أهل بادوا يا ولدي بتروشيو.
بتروشيو :
بادوا لا تمتد يدها إلا بالخير.
هورتانسيو :
أتمنى من أجل سعادتنا نحن الاثنين لو كان هذا القول صحيحا.
بتروشيو :
أما وحياتي إن هورتانسيو ليخاف أرملته.
الأرملة :
لا تثق بي إن كنت ممن يخاف.
بتروشيو :
أنت دقيقة الإحساس، ولكن فاتك إدراك قصدي، إني أقصد أن هورتانسيو خائف منك.
الأرملة :
كل من به دوار يرى الدنيا من حوله تدور.
بتروشيو :
جواب مسكت.
كاتارينا :
ماذا تقصدين بذلك يا سيدتي؟
الأرملة :
أقصد المعنى الذي حملته من زوجك.
بتروشيو :
حملت مني! ما رأى هورتانسيو في ذلك؟
هورتانسيو :
تقول امرأتي إنها فهمت ما حملتها على فهمه.
بتروشيو :
نعم الإصلاح! قبليه من أجل ذلك أيتها الأرملة البارة.
كاتارينا : «كل من به دوار يرى الدنيا من حوله تدور»، بالله خبريني ماذا كنت تقصدين بهذه العبارة؟
الأرملة (بشراسة) :
لما كان زوجك مرزوءا بامرأة شرسة، فإنه يزن وجد زوجي بميزان رزئه، هل تفهمين الآن معناي؟
1
كاتارينا :
معنى سافل ضئيل جدا.
الأرملة :
لقد فهمت حقا، إني أعنيك بالذات.
كاتارينا :
حقا إني ضئيلة بالقياس إليك.
بتروشيو :
عليها يا كات!
هورتانسيو :
عليها يا أرملة.
بتروشيو :
أراهن بمائة مرك أن الغلبة لامرأتي كات.
هورتانسيو :
أنا أحق منك بهذا الأمر.
بتروشيو :
إنه لكلام أولي الأمر (رافعا كأسه إلى هورتانسيو)
في صحتك يا بني.
بابتستا :
ما رأي جريميو في هؤلاء الفتيان ونكاتهم السريعة؟
جريميو :
أؤكد لسيدي أن رءوسهم تتناطح تناطحا بديعا.
بيانكا :
رءوسهم تتناطح؟! أخشى أن يجيبك سريع النكتة أنه يرى على رأسك قرونا طويلة.
فنسنتيو :
هل استيقظت على هذا أيتها السيدة العروس؟
بيانكا :
أجل، ولكنه لم يخفني؛ ولذلك أعود إلى النوم مطمئنة.
بتروشيو :
لا، لا يكون ذلك. ما دمت قد فتحت الباب فانتظري حتى أرميك بنكتة مرة أو اثنتين.
بيانكا :
أأنا طيرك ترميني؟ إني أريد أن أغير أيكتي، فإذا فعلت فاتبعني بسهمك إن استطعت. أحييكم جميعا. (ترى بيانكا أن المزاح غير ظريف فتنهض وتذهب هي وكاتارينا والأرملة إلى مكان آخر.)
بتروشيو :
لقد منعتني من الكلام يا سيد ترانيو، هذه هي الطيرة التي صوبت إليها سهمك، ولكنك لم تستطع أن تصيبها؛ لهذا اشرب في صحة من رموا ولم يصيبوا.
ترانيو :
لا يا سيدي، الواقع أن لوسنتيو أطلقني على طريدته إطلاق السلوقي، يجري في طلبها ويصطادها لسيده.
بتروشيو :
تشبيه سريع بديع، ولكنه كلابي نوعا ما.
ترانيو :
من حظك يا سيدي أنك اصطدت لنفسك، ولكن يقال إن غزالك موقفك موقف الحرج.
بابتستا (ضاحكا) :
أو ! هو، بتروشيو! إنه يرميك الآن بسهامه.
لوسنتيو :
شكرا لله على هذه الرمية يا ترانيو.
هورتانسيو :
اعترف أنه أصابك، اعترف.
بتروشيو :
نعم، وآذاني قليلا، أقر بذلك. ولكن لما كانت الضربة قد ارتدت عن جسمي فقد أصابتكما أنتما الاثنين في الصميم.
بابتستا :
في الحق يا ولدي بتروشيو إن امرأتك شر الثلاث.
بتروشيو :
ولكني لا أقر ذلك، وبرهانه عندي أن يرسل كل منا في طلب زوجته، فمن كانت امرأته أسرع الثلاث في المجيء إليه طوعا لأمره فله الرهان الذي نتفق عليه.
هورتانسيو :
موافق. ما هو الرهان؟
لوسنتيو :
عشرون كرونا.
بتروشيو :
عشرون كرونا! إني أراهن بمثل ذلك على كلبي أو صقري. ولكن أراهن بعشرين ضعفا على زوجتي.
لوسنتيو :
إذن فليكن الرهان مائة؟
هورتانسيو :
موافق.
بتروشيو :
اتفقنا.
هورتانسيو :
من منا يبتدئ؟
لوسنتيو :
أنا أبتدئ. اذهب يا بيونديلو قل لسيدتك تأتي إلي.
بيونديلو :
سمعا (يخرج) .
بابتستا :
شريكك في الرهان بالنصف على أن بيانكا ستحضر.
لوسنتيو :
لا أريد شريكا، سأحمل الأمر كله وحدي. (يعود بيونديلو)
ماذا وراءك؟
بيونديلو :
سيدي، تقول سيدتي إنها مشغولة ولا تستطيع الحضور.
بتروشيو (هازئا) :
كيف؟! مشغولة ولا تستطيع الحضور! أهذا جواب؟
جريميو :
نعم، وجواب لطيف. فادع الله يا سيدي أن لا يكون جواب امرأتك شرا من هذا!
بتروشيو :
أرجو أن يكون خيرا.
هورتانسيو :
اذهب يا بيونديلو وتوسل إلى امرأتي أن تأتي إلي على الفور. (يخرج بيونديلو.)
بتروشيو (ضاحكا) :
أو! هو! يتوسل إليها! إذن لا بد أن تأتي
هورتانسيو :
أشفق يا سيدي، إن امرأتك ممن لا يجدي فيهن التوسل ولو أغرقت. (يعود بيونديلو)
ماذا؟ أين زوجتي؟
بيونديلو :
تقول إنها توجس منك سخرية تريدها؛ ولذلك ترفض الحضور وتأمرك أن تأتي أنت إليها.
بتروشيو :
أقبح وأقبح! إنها ترفض الحضور! وي! هذا أمر سيئ، شيء لا يحتمل ولا يطاق! تعال يا جروميو، اذهب إلى سيدتك وقل لها إني آمرها أن تأتي إلي. (يخرج جروميو إليها.)
هورتانسيو :
جوابها معروف من الآن.
بتروشيو :
ما هو؟
هورتانسيو :
الرفض.
بتروشيو :
لن أكون بذلك إلا أسوأكم حظا.
بابتستا :
أما والسيدة البتول، ها هي ذي آتية، كاتارينا! (كاتارينا تدخل.)
كاتارينا :
أرسلت في طلبي يا سيدي، فبماذا تأمر؟
بتروشيو :
أين أختك وزوجة هورتانسيو؟
كاتارينا :
في غرفة الجلوس، تتحادثان بجوار النار.
بتروشيو :
اذهبي هاتيهم هنا، وإذا رفضتا الحضور فاضربيهما بالعصا، وطارديهما حتى تقعا في حضني زوجيهما. انصرفي وأحضريهما على الفور. (تخرج كاتارينا.)
لوسنتيو :
هذا هو العجب إن ذكرت العجب!
هورتانسيو :
أجل هو كذلك. ليت شعري ما عقباه؟!
بتروشيو :
عقباه السلام والحب والحياة المطمئنة والتزام شرعة الواجب بين الزوجين وسيادة الرجل. عقباه بالاختصار السعادة والوفاء، وأكبر بهما عقبى!
بابتستا :
بورك لك يا بتروشيو الطيب! سأزيد على ما كسبت من خسارتهم في الرهان عشرين ألف كرون تكون مهرا آخر لابنة أخرى؛ لأنها قد استحالت فأصبحت إنسانة أخرى غير من كنت أعهد.
بتروشيو :
سأكسب رهاني على صورة أجمل حين أقدم لكم آية أخرى من آيات طاعتها، من الخلق الطيب الجديد الذي استنبته في نفسها. انظروا ها هي ذي آتية تسوق الزوجتين سوق الأسرى تسليما منهما واقتناعا برأيها. (تدخل كاتارينا تقود بيانكا والأرملة.)
كاتارينا، إن هذه القبعة التي على رأسك لا تليق بك، ألقي هذه اللعبة على الأرض ودوسيها بقدمك. (تفعل كما أمرها.)
الأرملة (بازدراء) :
لعمري يا سيدي، لن يلحق بي ضر يستوجب الحسرة مني إلا أن ينزلني الدهر هذه المنزلة المزرية.
بيانكا :
تبا لهذا الحال! ما هذه الطاعة الحمقاء؟
لوسنتيو :
ليت طاعتك كانت مثل هذه الطاعة حمقاء، لقد كلفتني حكمة طاعتك التي ترين مائة كرون من بعد العشاء إلى الآن.
بيانكا :
أنت في هذا أشد حمقا، كيف تراهن بشيء على طاعتي لك؟!
بتروشيو :
كاتارينا، أكلفك أن تبصري هاتين المرأتين الجامدتي الرأس بما يجب عليهما من الطاعة لسيديهما وزوجيهما.
الأرملة (متذمرة) :
رويدك، رويدك، إنك تمزح، نحن لا نريد تبصيرا.
بتروشيو :
هاتي، هاتي، وابتدئي بها.
الأرملة :
إياك أن تتكلمي.
بتروشيو :
بل تكلمي، وابتدئي الكلام بها.
كاتارينا :
تبا لهذا وبعدا! خلي عنك النظر الشزر تجرحين به قلب مولاك وملكك وحاكمك. إنها لتشوه جمالك كما يشوه الصقيع أزاهر المروج، وتقضي على ذكرك بين الناس كما تقضي الزوبعة الثائرة على براعم الزهر النضير، وما هي مما يجمل بك أو يطيب. المرأة المغضبة كعين الماء المضطربة موحلة كريهة المنظر سمجة خالية من كل رواء تزور عنها النفوس، فما يرضى صاد ولا محرور أن يسيغ منها نبعة أو يمس منها قطرة. زوجك سيدك، حياتك، حارسك، رأسك، ومليكك. هو الذي يعنى بأمرك، ومن أجلك يحمل بدنه آلام الكدح في البر والبحر معا، يقضي الليل بين الزوابع والنهار في الزمهرير حين ترقدين في الدار مستدفئة آمنة، ولا يسألك على هذا الأمر أجرا إلا المحبة، وحسن النظرة في اللقاء، وصدق الطاعة، قسط ضئيل لدين ثقيل. للزوج على زوجته من الحقوق ما للأمير على أتباعه، فإذا ساء خلقها ونفر طبعها وعبس وجهها ومر لسانها، ولم تنزل بالطاعة على شريف إرادته؛ فهي الشريرة العاصية، والخارجة الثائرة، والخائنة المائنة لعهد زوجها المحب المخلص. إني ليخجلني أن يكون النساء من الجهل بحيث يضعن سيف القتال حيث يجدر بهن الجثو التماسا للسلام، أو يعملن لنيل الحكم والسيطرة والسلطان حين أنهن مطالبات بالخدمة والمحبة والطاعة. لماذا خلقت أجسامنا طرية رخوة وناعمة غير ميسرة للكد والمشقة في الدنيا؟ أليس ذا لأجل أن تلائم ظواهرنا رخاوة بواطننا وطراوة قلوبنا؟ مهلا، مهلا، أيتها الديدان الضعيفة المتباسلة، لقد كان عقلي جامدا كعقلكن وقلبي متكبرا كقلبكن وجناني أعجل من جنانكن، فكنت أرد الكلمة بالكلمة والعبسة بالعبسة، ولكني أدركت الآن أن قوائم رماحنا أعواد من الهشيم وقوتنا مثلها في الضعف، وأن ضعفنا يتجاوز كل مدى، وأن ما نتراءى بأن لدينا منه الفيض الوفير هو في الواقع ما يعوزنا منه الوشل القليل. خليا الكبر والصلف فما إن لهما من عائدة، وضعا أيديكما تحت أقدام زوجيكما إدلالا منكما على الخضوع والطاعة، وإذا سمح لي زوجي بذلك فيدي حاضرة لعل فيها مرضاة له وراحة.
بتروشيو :
مرحى! هذه هي الفتاة الكاملة، تعالي يا كات وقبليني.
لوسنتيو :
سر على بركة الله في طريقك أيها الرجل فقد نلتها.
فنسنتيو :
ما أشجى الكلام ينطق به الولد الوديع !
لوسنتيو :
وما أثقل الكلام تنفثه المرأة السلطة!
بتروشيو :
تعالي يا كات، هلمي بنا إلي نستريح، نحن الثلاثة متزوجون ولكن حظكما أنتما الاثنين في الزواج معروف، (إلى لوسنتيو):
لقد كسبت الرهان منك وإن كنت قد أصبت بياضة
2
الهدف. وإذ إنني أنا الذي ظفر فليسعد الله ليلتكم.
هورتانسيو :
سر في طريقك موفقا، لقد رضت وحشا ضاريا.
لوسنتيو :
العجب، إن تسمحوا بالعجب، أن يبلغ التوفيق هذا المدى. (يخرجون.) (يسدل الستار)
Unknown page