أسمع أولاده كثيرا وأحفاده وحج وسمع بالحرمين وبيت المقدس ودمشق ومصر وحلب وحماة وحمص وبعلبك والإسكندرية وبلبيس وقطية وغير ذلك وأوذي مرة واختفى مدة من أجل سماعه لتاريخ الخطيب وأوذي نوبة أخرى لقراءة شيء من كتاب أفعال العباد مما يتأوله الفضلاء المخالفون وحبس فصبر وكظم وقضى أكثر عمره على الاقتصاد والقناعة وقلة الدرهم إلى أن توفي شيخنا ابن أبي الفتح فحصل له من جهاته حلقة الخضر والحديث بالناصرية فأضاء حاله وفرحنا له ثم ولي دار الحديث سنة ثمان عشرة بعد ابن الشريشي ثم فيما بعد ترك الحلقة وأخذت منه الناصرية ثم نزل عن العزية لصاحبه نجم الدين وتكفى بما تبقى على قلته بنسبة رتبته وربما وصل بشيء متمم لأولاده وباع كتابيه بألفين ومائتين فأنفقها وأعلى ما عنده مطلقا الغيلانيات وبإجازة جزء ابن عرفة وابن الفرات سمعت منه سنة أربع وتسعين وأخذت عنه صحيح البخاري وغير ذلك واستملى منه قاضي القضاة أبو الحسن الحافظ وسمع منه قاضي القضاة عز الدين الكناني والحافظ أبو الفتح اليعمري ومحب الدين وأولاده والسروجي وابن الدمياطي وابن عبد الهادي وابنا السفاقسي وابن رافع وسبط التنسي وخلائق
وتخرج به جماعة كالبرزالي وابن الفخر والعلائي وابن كثير وابن العطار والجميزي وابن الجعبري وآخرين
قرأت بخط أبي الفتح قال ووجدت بدمشق الإمام المقدم والحافظ الذي فاق من تأخر من أقرانه وتقدم أبا الحجاج المزي بحر هذا العلم الزاخر القائل من رآه كم ترك الأول للآخر أحفظ الناس للتراجم وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم لا يخص بمعرفته مصرا دون مصر ولا ينفرد علمه بأهل عصر دون عصر معتمدا آثار السلف الصالح مجتهدا فيما نيط به في حفظ السنة من النصائح معرضا عن الدنيا وأسبابها مقبلا على طريقته التي أربى بها على أربابها لا يبالي بما ناله من الأزل ولا يخلط جده بشيء من الهزل وكان بما يصنعه بصيرا وبتحقيق ما يأتيه جديرا وهو في اللغة إمام وله بالقريض إلمام فكنت أحرص على فوائده لأحرز منها ما أحرز وأستفيد من حديثه الذي إن طال لم يمل وإن أوجز وددت أنه لم يوجز وهو الذي حداني على رؤية الإمام شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية
Page 55