وجذبها صوب الفراش وهو يقول: أنت .. الويل لك! - أنت تمزق لحمي! - كما مزقت أعصابي! - وماذا تعرف عن عذابي أنا؟
أراد أن ينزع عنها الروب ولكنها أمسكت بساعديه: كلا .. البقاء مجازفة غير مأمونة .. سأقول كلمة ثم أذهب. - ادعي الشيطان ليدافع عنك. - أنت سكران ولكن اضبط نفسك، حركة بسيطة قد تهدم كل ما بنيناه.
أجلسها إلى جانبه على حافة السرير وهو يسأل: ماذا حصل؟ - عند رجوعي آخر مرة من عندك استيقظ على غير عادة، وسألني هل كنت طوال الوقت إلى جانبه فاعتذرت بالعذر المألوف، وخيل إلي أن علي سريقوس لمحني، لست متأكدة ولكني خفت خوفا شديدا. - لعلها أوهام! - لعلها ولعلها، لا يجوز أن نجازف بكل شيء، سنخسر الحب والأمل، كلمة واحدة منه تقضي علي بالفقر الأبدي، لا تنس ذلك.
وتنهدت ثم استطردت: لذلك امتنعت عن المجيء، ولم أستطع بطبيعة الحال أن أفسر سلوكي، وقدرت وأنا في غاية من العذاب حالك وأفكارك، ولكن الرجل لم يكتب كل شيء باسمي إلا بعد أن أخذ علي عهدا بالوفاء، قال لي أنت يدي وعيني وابنتي وزوجتي، لا تنغصي علي صفو الأيام الباقية! - إذن؟ - وإذن فيجب أن أمتنع عن الحضور بتاتا، هذا هو الأسلم. - هذا جنون! - هذا هو العقل. - كيف أنتظر؟ إلى متى أنتظر؟
وهي تتنهد: لا أعرف الجواب كما تعلم. - وسوف تنفد نقودي وأضطر إلى السفر. - يمكن أن أمدك بالقليل منها لإطالة بقائك أكبر مدة ممكنة. - لن يغير هذا من المصير المحتوم. - أعرف هذا ولكن ما الحيلة؟ أنا معذبة مثلك. - أنا أشد، أنا مهدد بالعذاب والإفلاس معا. - وأنا أتعذب لنفسي ولك، كيف لا تدرك هذا؟
تساءل وكأنما يخاطب نفسه: متى يموت الرجل؟ - أنت تسألني كأنني مطلعة على الغيب! - وماذا أنت إذن؟ - امرأة تعيسة، أتعس مما تتصور. - قد يسخر من مخاوفنا ويموت فجأة. - هذا محتمل. - رجل طاعن في السن ولا يمكن أن يعيش إلى الأبد. - قد يموت الليلة، وقد يموت بعد عشرين عاما في سن أخت له ماتت منذ عامين. - اللعنة! - لا حيلة لنا، ويجب أن أذهب الآن. - ولا أراك إلا بعد موته؟ - قلت لك لا حيلة لنا. - بل هنالك حيلة.
وصمتا في الظلام حتى سمعا هسيس الصمت، وإذا به يقول: أنت تذكرينني طيلة الوقت بحديث قديم، حديث إشارات متقطعة يشهد عليها هذا الظلام، فلنتكلم بالصراحة هذه المرة، علي أن أقتله؟
قالت بنبرة مضطربة: أنت لا ترتاح إلى هذا الحديث؛ لذلك نبذته، لست قاسية ولا متوحشة، عيبي الوحيد أنني أحبك بجنون، الأفضل أن ننتظر. - حتى يموت في سن أخته! - حتى يأمر الله بما يشاء.
وركبه تصميم جنوني فنهض في الظلام، يائسا كل اليأس، ثم جلس مرة أخرى شاعرا بالتهاب رغم برودة الجو. تساءل: ماذا بعد الجريمة؟
لم تنبس بكلمة. وأحس الظلام دخانا كثيفا: لا تضيعي الوقت هباء، ماذا بعد الجريمة؟
Unknown page