Tarikh Umma Casr Rashidun
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Genres
لما أتم المسلمون فتح الشام، وقدم عمر إلى الجابية سنة 18ه الموافق سنة 639م أتى إليه عمرو بن العاص، وكان أحد القواد الأربعة التي تمت على أيديهم فتوح الشام، واستأذنه في فتح مصر، وذكر له أنها أكثر الأرض مالا، وأوفرها خيرات، وأقلها مقاتلين، وأن المسلمين إذا فتحوها كانت لهم قوة وعونا، فتردد عمر أول الأمر؛ لأنه أشفق على المسلمين من الفشل، ولا سيما أن أقدامهم في الشام والعراق لم تثبت بعد، فلم يزل عمرو يهون عليه الأمر؛ لأنه يعرف أحوالهم في الجاهلية معرفة «صادقة»، وأن فتح مصر يغني المسلمين، ويثبت أقدامهم في الشام؛ لأن بقاء مصر في يد الروم يعرض البلاد الشامية للخطر المحقق، فوافق عمر على ذلك، وعقد له لواء على أربعة آلاف رجل وبعثه في سبيل الله، فسار عمرو حتى بلغ العريش ففتحها بدون مقاومة، ثم سلك طريق مصر حتى بلغ «العريش»، وهي أول مدينة مصرية، فلقيته الحامية الرومانية، وهي مفتاح مصر، وكانت منيعة الحصون، فحاصرها عمرو شهرا ونصف شهر حتى تم له فتحها في أول المحرم سنة 19ه/كانون الثاني 640م.
وكان «الأرطبون» صاحب فلسطين الذي هرب منها إلى مصر في بلبيس، فهزمه عمرو واستولى على المدينة، ثم سار عمرو نحو - بابليون - حيث يعسكر البيزنطيون متحصنين، فحاصرهم عمرو، وكتب إلى الخليفة يستمده فأمده بأربعة آلاف أخرى فيهم نفر من كبار الصحابة أمثال: الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، والمقداد بن الأسود، وكتب إليه كتابا يقول فيه: قد أمددتك بأربعة آلاف، فيهم رجال الواحد منهم بألف رجل.
وخرج القائد البيزنطي «تيدور» رئيس الحامية المصرية البيزنطية في عشرين ألف مقاتل لملاقاة العرب، فبعث إليه عمرو كمينا جعله عند الجبل الأحمر، فانقض الكمين على الجيش البيزنطي وضعضع نظامه، ثم لقيه عمرو، فتفرقت صفوف «تيدور»، وهرب من جنده قسم في النيل، ولجأ قسم إلى حصن بابليون فتحصنوا به، ودام الحصار إلى فجر سنة عشرين للهجرة، ولما رأى المقوقس صاحب مصر أن لا قبل له بالعرب، وأن حصارهم سيطول، وأنهم لا بد سيقتحمون الحصن عليه، خرج هو ونفر من الأشراف، فطلب من عمرو أن يصالحه، فقال عمرو لرسله: ليس لكم إلا واحدة من ثلاث: الدخول في الإسلام، ولكم ما لنا وعليكم ما علينا، أو إعطاء الجزية عن يد وأنتم صاغرون، أو المناجزة حتى يحكم الله بيننا وبينكم.
فلما رجع الرسل إلى المقوقس وأخبروه بخبر المسلمين وثباتهم بعث إلى عمرو يطلب إليه من يفاوضه على الصلح، فبعث إليه عشرة نفر عليهم عبادة بن الصامت، فلما دخلوا على المقوقس أخذ يسلك في حديثه مسلك القوة.
فقال له عبادة: «لا ورب هذه السماء، ورب هذه الأرض، ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غير هذه الثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب.» فقال المقوقس لقومه: «أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله ما لكم به من طاقة، وإن لم تجيبوا إليهم طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم من هذه كرها.»
20
فلم يقبل القوم، وكتب المقوقس بذلك إلى هرقل، فرد عليه بكتاب يوبخه فيه، ويحقر قوة المسلمين ويأمره بالحرب، فلم يستمع لقوله، وأعلم عمرا أنه يصافحه ويضمن له الجسور، ويقيم الضيافة والإنزال للمسلمين بين الفسطاط والإسكندرية، وهكذا استولى المسلمون على «منف»، وضرب عمرو فسطاطه ووطد أمر المسلمين هناك.
ثم أخذ يستعد لغزو الإسكندرية عاصمة مصر، وثانية حواضر الدولة الرومانية الشرقية، وقد أيقن هرقل أن سقوط الإسكندرية معناه سقوط الدولة نفسها، لمكانتها العالمية من جهة، وشهرتها الاقتصادية التجارية من جهة أخرى، فلذلك بادر بإرسال الجيوش إلى الإسكندرية بحرا، ونشط للدفاع عنها، وأمر القائد «تيودورس» بتحصين المدينة وحماية طريقها، وسار عمرو إليها عن طريق طرنوط (الطرانة) ففتحها، ثم سار نحو «نقيوس» و«سلطيس» و«الكريون» ففتحها جميعها، حتى وصل إلى الإسكندرية، فحاصرها أشد حصار، وحمي الوطيس بين الجانبين، ودام الحصار أربعة أشهر، فقلق بال عمر بن الخطاب، وكتب إلى عمرو يلومه على ما ورط المسلمين فيه، فشحذ ذلك من همة عمرو، وبذل المسلمون قصارى جهدهم، وأبلوا أحسن البلاء، فمكنهم الله من الفتح عنوة واضطروا البيزنطيين إلى الهرب، ولكن عمرا جعل أهلها ذمة على أن يخرج من يخرج ويقيم من يقيم، ثم إن المقوقس عقد هدنة مع عمرو تتضمن النقاط الآتية: (1)
أن يدفع كل من فرضت عليه الجزية دينارا في السنة. (2)
أن مدة المهادنة أحد عشر شهرا. (3)
Unknown page