Tarikh Umma Casr Rashidun
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Genres
إليك أشكو عجري وبجري
ومعشرا أعشوا على بصري
قتلت منهم مضري بمضري
شفيت نفسي وقتلت معشري
ثم إنه أمر بأن ينادى: لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على أسير أو جريح، ولا تدخلوا الدور، ولا ترزءوا سلاحا، ولا ثيابا ولا متاعا، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ثم صلى علي على القتلى من أهل البصرة والكوفة وأمر بدفنهم، وكان عدد القتلى كبيرا تجاوز الخمسة آلاف، ثم كتب إلى أهل الكوفة بالفتح كتابا يقول فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة، أما بعد: فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، إن الله حكم عدل، لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دون الله من وال، أخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة، ومن تأشب إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير ونكثهم صفقة أيمانهم، فنهضت من المدينة حتى انتهى إلي خبر من سار إليها وما فعلوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت «ذا قار»، فبعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر، فاستنفرتكم بحق الله وحق رسوله وحقي، فأقبل إلي إخوانكم سراعا، فسرت بهم حتى نزلت ظهر «البصرة» فأعذرت بالدعاء وقمت بالحجة وأقلت العثرة والذلة من أهل الردة من قريش وغيرهم، فاستتبتهم فأبوا إلا قتالي وقتال من معي والتمادي في الغي، فناهضتهم بالجهاد، وقتل طلحة والزبير، وخذلوا وأدبروا وتقطعت بهم الأسباب، فلما رأوا ما حل بهم سألوني العفو عنهم، فقبلت، واستعملت على البصرة عبد الله بن العباس وأنا سائر إليكم، وقد بعثت «زحر بن قيس الجعفي» لتسألوه فيخبركم عنا وعنهم، والسلام.»
ثم إن الإمام ولى زيادا على الخراج وبيت المال وتوجه إلى الكوفة، فلما وصلها صعد المنبر بعد أن صلى ركعتين وقال: أما بعد يا أهل الكوفة، فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا، دعوتكم إلى الحق فأجبتم، وبدأتم بالمنكر فغيرتم، ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله، فأما في الأحكام فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه، ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، والآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة، اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، الحمد لله الذي نصر وليه، وخذل عدوه، وأعز أنصار الحق، وأذل الناكث المبطل، عليكم بطاعة الله وطاعة من أطاع الله من أهل نبيكم الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله من المنتحلين المدعين.
بعد أن أقام علي بالكوفة استعمل العمال على العراق وفارس، ونظم أموره وأخذ يهيئ نفسه لحرب أهل الشام إلى أن كانت معركة صفين. (2) حرب صفين
بعد أن استقرت الأمور في العراق للإمام علي رأى أن يسير لقتال معاوية وإخضاع الشاميين ، فسار حتى أتى صفين في أواسط ذي القعدة سنة 36، وكان عدد جيشه نحوا من مائة ألف مقاتل كما ذكر الطبري في حوادث تلك السنة، وكتب علي إلى زعماء العرب في الأطراف يستقدمهم، فقدم عليه الأحنف بن قيس، وجارية بن قدامة، وحارثة بن بدر، وزيد بن جبلة، وأعين بن ضبيعة، وجرير بن عبد الله البجلي؛ ولما اجتمعوا عنده أراد علي أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير البجلي: ابعثني إليه فأدعوه إلى أن يسلم لك الأمر على أن يكون أميرا من أمرائك، وأدعو أهل الشام إلى طاعتك، وجلهم قومي وقد رجوت ألا يعصوني، فقال له الأشتر النخعي: لا تبعثه فوالله إني لأظن أن هواه هواه، فقال له علي: دعه يذهب حتى ننظر ما يرجع به إلينا. فبعثه وقال له: إن حولي من أصحاب رسول الله من أهل الدين والرأي من قد رأيت، وقد اخترتك عليهم، ائت معاوية، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه وأعلمه أني لا أرضى به أميرا، وانطلق جرير إلى الشام فقال لمعاوية: يا معاوية، إنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز واليمن ومصر وأهل العروض وعمان والبحرين واليمامة، ولم يبق إلا هذه الحصون التي أنت فيها، ولو سال عليها سيل من أودية لغرقها، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل، ودفع إليه كتاب علي، وهذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإن بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوا عليه، فلم يك للشاهد أن يختار، وللغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما، كان ذلك لله رضى، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا، وإن طلحة والزبير كانا قد بايعاني ثم نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء، فإذا تعرضت له قاتلتك واستعنت الله عليك، وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان، واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ...»
فلما قرأ معاوية الكتاب دعا ثقاته، فقال له عتبة بن أبي سفيان وكان نظيره: استعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص، فإنه من قد عرفت، وقد اعتزل أمر عثمان في حياته، وهو لأمرك أشد اعتزالا، فكتب معاوية إلى عمرو وهو بفلسطين: «أما بعد فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أذاكرك أمرا.» وقدم على معاوية فقال له معاوية: يا أبا عبد الله، إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه، وقتل الخليفة، وأظهر الفتنة، وفرق الجماعة، وقطع الرحم، فقال عمرو: والله يا معاوية ما أنت وعلي بعكمي بعير (أي عدلي بعير)، ما لك هجرته، ولا سابقته، ولا صحبته، ولا جهاده، ولا فقهه، ولا علمه، والله إن له معك حدا وحدودا وحظا وحظوة، فماذا تجعل لي إن شايعتك على حربه؟ قال: حكم مصر، وكتب له معاوية بمصر كتابا على ألا ينقض طاعة.
وأبطأ جرير بن عبد الله عند معاوية، فكتب إليه علي يتعجله ويقول: إذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل، وخذه بالأمر الحزم، ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية، فإن اختار الحرب فانبذ له، وإن اختار السلم فخذ بيعته.
Unknown page