Tarikh Umma Casr Rashidun
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Genres
لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ، فخير العباد فيها من عصم الله واستعصم بالله وبكتابه، وقد وكلت من أمركم بعظيم، لا أرجو العون عليه إلا من الله، ولا يوفق للخير إلا الله، وما توفيقي إلا بالله، توكلت عليه وإليه أنيب.» وكان ذلك يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة 23ه، فاستقبل بخلافة المحرم سنة 24ه، وقيل: بل استخلف لثلاث مضين من المحرم سنة 24ه.
الفصل الرابع
أعماله في خلافته، وفتوحاته
أول عمل قام به عثمان في خلافته هو أنه أقر عمال عمر على الأمصار، فأقر نافع بن الحارث الخزاعي على مكة، وسفيان بن عبد الله الثقفي على الطائف، ويعلى بن منبه على صنعاء، وعبد الله بن أبي ربيعة على الجند، وأبا موسى الأشعري على البصرة، وعمرو بن العاص على مصر، وعمر بن سعد على حمص، ومعاوية بن أبي سفيان على دمشق، وعثمان بن أبي العاص على البحرين وما والاها، ولم يعزل منهم سوى المغيرة بن شعبة، فإنه عزله من الكوفة وولاها سعد بن أبي وقاص، وقد كان أبرز هؤلاء الولاة نشاطا في عهد عثمان ولاة الكوفة والبصرة ومصر والشام، وفيما يلي تفصيل أحوال هذه الأمصار: (1) الكوفة
يظهر أن عثمان ولى سعدا على الكوفة عملا بوصية عمر، فإنه لم يعزله لخيانة، وإنما اقتضت ذلك المصلحة العامة، ولما سار سعد إليها بعث معه عبد الله بن مسعود على الخراج، فأقام سعد فيها سنة ثم عزله عثمان لخلاف وقع بينه وبين ابن مسعود، سببه أن سعدا اقترض من ابن مسعود مالا، فلما تقاضاه إياه لم يجد سعد مالا يفي دينه، فطلب منه التأجيل فلم يقبل، وحصل بينهما في ذلك نزاع انقسم بسببه المسلمون، فتعصب لهذا نفر ولذاك نفر، وبلغ ذلك عثمان فغضب وعزل سعدا، وولاها الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وأمه أم عثمان، وعزل عتبة بن فرقد عن أذربيجان التي كانت تابعة للكوفة، فانتقض أهلها، فغزاهم الوليد، فاضطروا إلى مصالحته.
ثم ثار أهل أرمينية، وكانت تابعة للكوفة أيضا، فبعث إليهم سلمان بن ربيعة الباهلي في اثني عشر ألفا فأخضعهم ورجع إلى الوليد بغنائمهم، ثم كتب عثمان إلى الوليد بن عقبة أن يمد أهل الشام بجيش يقوده رجل من أهل النجدة، فبعث الوليد ثمانية آلاف بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي، فقدم الشام وحارب الروم مع جيش معاوية، وأبلوا في ذلك أحسن البلاء،
1
وبقي الوليد بن عقبة أميرا على الكوفة حتى شهد عليه جماعة من أهلها بأنه شرب الخمر، فعزله عثمان عن إمارته، وجلده حد الشرب أربعين جلدة كما أفتى بذلك علي بن أبي طالب، وولى مكانه سعيد بن العاص، فلما وصل الكوفة صعد منبرها، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «والله لقد بعثت إليكم وإني لكاره، ولكني لم أجد بدا إذ أمرت أن أأتمر، ألا وإن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينها، والله لأضربن وجهها أو تعييني، وإني لرائد نفسي اليوم.» ثم إنه أخذ يرتب أحوال مدينته، فعلم أن طوائف من الأعراب قد نزلوا المدينة وسيطروا على أمورها، وأن أشراف أهلها الأقدمين قد غلب على أمرهم، فكتب إلى عثمان يستأمره في ذلك، فكتب إليه: «أما بعد ففضل أهل السابقة والقدم ومن فتح الله عليه تلك البلاد، وليكن من نزلها من غيرهم تبعا لهم، إلا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوه وقام به هؤلاء، واحفظ لكل منزلته، وأعطهم جميعهم بقسطهم من الحق، فإن المعرفة بالناس يصاب بها العدل.»
فأرسل سعيد إلى أهل القادسية وغيرها من أصحاب الأيام والفتوح فقال لهم: «أنتم وجوه الناس، والوجه ينبئ عن الجسد، فأبلغونا حاجة ذوي الحاجة.» وأدخل معهم من يحتاج إليه من اللواحق والروادف، وقرب إليه القراء، ولكن ذلك لم يعجب الناس فاضطربوا. قال الطبري: فكأنما كانت الكوفة يبسا شعلته نار، وفشت القالة والإذاعة، فكتب سعيد إلى عثمان بذلك، فنادى منادي عثمان: «الصلاة جامعة!» فاجتمعوا، فأخبرهم بالذي كتب به إلى سعيد، وبالذي كتب به إليه، وبالذي جاءه من القالة والإذاعة، فقالوا: أصبت، فلا تسعفهم في ذلك ، ولا تطمعهم فيما ليسوا له بأهل، فإنه إذا نهض في الأمور من ليس لها بأهل لم يحتملها وأفسدها، فقال عثمان: «يا أهل المدينة، استعدوا واستمسكوا؛ فقد دبت إليكم الفتن.» ونزل فأوى إلى منزله.
2
Unknown page