Tarikh Umma Casr Ittisaq
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Genres
وكان مدبرو الدولة في عهده هم «القاضي»، وكان على قضائه فضالة بن عبيد، ثم عائذ الخولاني، وقد نقلنا عن السيوطي قبلا أنه أول من استقضى في الإسلام. و«صاحب الشرطة»، وكان على شرطته قيس بن حمزة الهمذاني، ثم زميل بن عمرو العذري، و«الكاتب»، وهو سرجون بن منصور الرومي، و«صاحب الحرس»، وهو المختار، رجل من الموالي، و«الحاجب» سعد مولاه، و«صاحب ديوان الخاتم»، وهو عبد الله بن محصن الحميري. ويظهر أن هؤلاء هم الذين سماهم المسعودي وزراء، وهو قصد بالوزارة معناها اللغوي الواسع؛ إذ لم يعرف عن معاوية أنه استوزر أحدا وزارة تفويض أو وزارة تنفيذ.
قال أستاذنا كرد علي: «ولم يكد معاوية يتولى الأمر بالشام حتى أخذ بما أوتيه من علم وحلم، يضع أساس الملك، ويسير في رعيته سيرة حسنة حبيبة إليهم، وكان يتأتى الأمور ويداري الناس على منازلهم، ويرفق بهم على طبقاتهم، فأوسع الناس من أخلاقه، فأفاض عليهم من بره وعطائه وشملهم من إحسانه، فاجتذب القلوب واستدعى النفوس حتى آثروه على الأهل والقرابات، وعد مربي دول وسائس أمم وراعي ممالك.»
إقدام عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء إياس
52
ومن خير ما يصور لنا عقل الرجل وحنكته وصية له، أوصى بها بني أمية حين حضرته الوفاة، فقال: «إنه لما قرب مني ما كان بعيدا، وخفت أن يسبق الموت إلي ويسبقكم بي، سبقته إليكم بالموعظة لأبلغ عذرا، وإن لم أرد قدرا، وإن الذي أخلفه لكم من دنياي أمر تشاركون فيه أو تقبلون عليه، وإن الذي أخلف لكم من رأيي مقصور عليكم نفعه إن فعلتموه، مخوف عليكم حرزه إن ضيعتموه، فاجعلوا مكافأتي قبول نصيحتي، وإن قريشا شاركتكم في أنسابكم وتفردتم دونها بأفعالكم فقدمكم ما تقدمتم فيه، إذ أخر غيركم ما تأخروا له، ولقد جهر لي فعلمت، وفهم لي ففهمت، حتى كأني أنظر إلى أولادكم بعدكم كنظري إلى آبائهم قبلهم، إن دولتكم ستطول، وكل طويل مملول، وكل مملول مخذول، فإذا انقضت مدتكم كان أول ذلك اختلافكم بينكم، واتفاق المتخلفين عليكم، فيدبر الأمر بضد ما أقبل به، فلست أذكر عظيما ينال منكم، ولا حرمة تنتهك لكم؛ إلا وما أكف عن ذكره أعظم منه، فلا معول عليه عند ذلك أفضل من الصبر واحتساب الأجر، فيا لها دولة أنست أهلها الدول في الدنيا، والعقوبة في الآخرة، فيمادكم القوم دولتكم تماد العنانين في عنق الجواد، فإذا بلغ الأمر مداه وجاء الوقت الذي حده رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ضعفت الحيلة وعزب الرأي، وصارت الأمور إلى مصائرها، فأوصيكم عندها بتقوى الله - عز وجل - الذي يجعل لكم العاقبة إن كنتم متقين.»
وبعد، فإن معاوية قد أسس ملكا بنى قواعده على النظام والقوة، وشاد جدرانه بحسن الترتيب والتنظيم. وقد استعان معاوية على تأسيس هذا الملك بالشاميين من عرب وروم وغيرهم، وأغدق عليهم وقربهم، فأحبوه وأطاعوه، وقد امتلأت المصادر العربية من تاريخية وأدبية، بأخبار طاعة السوريين لمعاوية وتفانيهم في نصرته.
53
Unknown page