Tarikh Umma Casr Intilaq
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
Genres
والحق أن الناس قد ظلموا التاريخ العربي والسيرة النبوية بكتاباتهم المرتجلة وبحوثهم المبتسرة، التي لم تقم على البحث المتواصل والجد والتنقيب عن الحقائق العلمية والتاريخية؛ لتعرف أصول الإدارة الديوانية والإدارية في حكومة النبي الكريم وصحابته الراشدين. وقد آليت على نفسي تقصي هذا البحث ودراسته دراسة عميقة أهتدي بها إلى معرفة حقائق الأشياء، لا لأني عربي معتز بعروبتي وقوميتي، ولا لأني مسلم مؤمن بسمو ديني وشرف رسالة نبي؛ بل لأني إنسان محب للحق منقب عن الفضائل جاهد في إدامة البحث، مواصل الليل بالنهار للتنقيب عن القضايا العلمية والنظريات الجوهرية. وقد هداني الله بحوله وقوته إلى ذلك، فاستطعت أن أتبين الخطوط الأولى للإدارة الإسلامية في فجر الإسلام، ورتبت ذلك ترتيبا لم يسبقني إليه باحث من مسلمي هذا العصر ولا مستشرقيه، على أنني لم أدع أنني وفيت البحث، وما عملي إلا لبنة في بناء المجد العربي والعز الإسلامي، وأرجو الله أن يهيئ لهذا البناء من يكمله ويعمل على حفظه وحمايته.
رتب الرسول الكريم شئون حكومته الإدارية والديوانية ترتيبا منطقيا يؤيده العقل السليم وتوحيه الفطرة الصافية، ويتجلى ذلك الترتيب في معالجته للشئون الآتية وإسنادها إلى الأكفاء الأخيار من الصحابة؛ وهي ... (3-1) الوزارة
الوزير في اللغة: هو المعين والعضد، وفي الاصطلاح: هو من يؤازر الأمير أو السلطان، ويحمل عنه بعض أثقال الإمارة وشئون السلطان. وفي القرآن الكريم يقول موسى في حق أخيه هارون:
واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري . وقد أكثر مؤرخو الإسلام والأحكام السلطانية وكتاب الخطط من الكلام في الوزارة وأنواعها ومبدئها، وهم يذهبون إلى أن أول من تلقب بذلك أبو سلمة الخلال، الذي كان يلقب في أولية الدولة العباسية: وزير آل محمد، وأن الوزارة تسلسلت في ملك آل العباس بعدئذ. والحق أن النبي قد استعان ببعض كبار الصحابة وجلة المسلمين ممن كانوا يوآزرونه في مسائل الدنيا والدين وحل مشاكل المسلمين، وكان على رأس هؤلاء أبو بكر وعمر اللذان كانا يلقبان بوزيري النبي. وقد كان هذا اللقب مستعملا بمعناه المفهوم اليوم في عهد النبي؛ فقد روى النسائي عن عائشة أن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال: من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا، فإن نسي ذكره، وإن ذكره أعانه. وقال أبو داود في سننه، في باب الوزير: روت عائشة أن النبي قال: «إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل الله له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكره أعانه، وإن أراد الله به غير ذلك جعل له وزيرا سيئا، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه.»
66
وقد كان للنبي وزراء يشاورهم في القضايا المهمة أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابنيه وحمزة وجعفر وأبي ذر والمقداد وسلمان وحذيفة وابن مسعود وعمار.
67
وقال ابن خلدون: الوزارة أم الخطط السلطانية والرتب الحكومية؛ لأن اسمها يدل على مطلق الإعانة ... وكان
Unknown page