Tarikh Umma Casr Intilaq
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
Genres
وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم، وأن الله ومحمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
جار لمن بر واتقى.»
21 (2) تحليل هذه الوثيقة
إن هذه الوثيقة من أقدم الوثائق السياسية العربية المعروفة، إن لم تكن أقدمها، وقد سميت تارة «كتابا»، وتارة «صحيفة». أما «الكتاب» فمأخوذ من قولهم: «كتب الله الصيام والصلاة.» قال تعالى:
إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وقال:
كتب عليكم القتال ؛ أي فرض. فمعناها إذن: «الفريضة» التي يجب على الناس ألا يتهاونوا بما تضمنته. وأما «الصحيفة» فمعناها: «ورقة» تضمنت شيئا مقدسا، مثل «صحف إبراهيم وموسى» أو «عهد مكتوب» بين فرقاء، مثل الصحيفة التي كتبتها قريش في مقاطعة بني هاشم وعلقتها في الكعبة. وليس المراد «بالكتاب والصحيفة» هنا «الاتفاقية» المعقودة بين طرفين تعاهدا على أمر ووثقاه بتوقيعهما، وإنما المراد بها أنها «إعلان» أو «نشرة» تصدرها السلطة القوية إلى رعيتها للعمل بما تضمنته. وأسلوب هذه الوثيقة سهل بسيط، كثير التكرار، قصير الجمل، يستعمل الكلمات والمصطلحات العربية القديمة في القضايا المتعلقة بمثل هذا الأمر. ولم تنص هذه الوثيقة كسائر الوثائق النبوية أو أكثرها على اسم كاتبها أو شهودها، كما أنها لم تنص على تاريخ كتابتها، إلا أن الإمام أبا داود في سننه يذكر أن هذه الصحيفة قد كتبت بعد وقعة بدر الكبرى. وهذه الرواية معقولة؛ لأنها تصور لنا قوة النبي
صلى الله عليه وسلم
ومواقفه من اليهود الذين كانوا أقوياء يومئذ، فأراد الرسول أن يحول دونهم ودون نشاطهم ضده أو معاونتهم عدوه عليه، تنتظم هذه الوثيقة الحديث عن فرقاء ثلاثة: المسلمين واليهود والمشركين.
أما ما يتعلق بالمسلمين فهي تنص على أنهم أصبحوا «أمة» واحدة يؤمنون بإله واحد، ويطيعون رسولا واحدا، ويخضعون لأحكام دينية متوحدة، وأن المرجع الأول لهذه الأمة هو «الله»، وأن رسوله ووسيطه بين خلقه هو «محمد» الذي إليه مرد أمور المسلمين بعد «الله»، وأنه بعد الله أجار من بر واتقى (المادة 44، 50)، وأن المؤمنين والمسلمين من أهل يثرب ومكة أمة واحدة لها أنظمة تقوم على الأسس الإسلامية لا على الأسس الجاهلية، إلا أنه لم يمح تلك الأسس، فأبقى بعضها مجاراة لسنن الحياة، فأبقى النظام القبلي وحق الجوار والديات وما إلى ذلك. وقد اعتبرت الوثيقة المهاجرين قبيلة واحدة والأنصار قبيلتين؛ وهما الأوس والخزرج، أما الأوس فقبيلتان: بنو الأوس وطوائفهم قبيلة، وبنو النبيت وطوائفهم قبيلة، وأما الخزرج فست قبائل: عوف، والحارث، وساعدة، وجشم، والنجار، وعمرو. ولا ندري السر في تعداد هذه القبائل الخزرجية والاكتفاء بذكر الأوس والنبيت؛ ولعل ذلك راجع إلى كثرة القبائل الخزرجية وقلة الأوسية، أو لعله راجع إلى كثرة من أسلم من أولئك وقلة من أسلم من هؤلاء.
Unknown page