Tarikh Umma Casr Inhilal
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Genres
1
ولما مات المعتمد بالله سنة 279ه تولى الأمر المعتضد أحمد بن الموفق بن المتوكل، وكان فتى شجاعا نبيلا عاقلا حازما، ولكنه ولي الأمر والدنيا خراب والثغور مهملة، فقام قياما مرضيا، حتى عمرت مملكته، وكثرت الأموال وضبطت الثغور، وكان قوي السياسة، شديدا على أهل الفساد، حاسما لمراد أطماع عساكره عن أذى الرعية ... وكانت أيامه أيام فتوق وخوارج كثيرين، منهم: عمرو بن الليث الصفار الذي كان قد عظم شأنه واستولى على أكثر بلاد العجم
2
كما سنرى تفصيل ذلك بعد.
ولما مات المعتضد سنة 289 تولى الأمر ابنه المكتفي بالله، وكان من أفاضل الخلفاء، وقد أراد أن يعيد للخلافة عزها، ولكنه لم يفلح؛ ففي أيامه خرج القرامطة، وكانت فتنتهم عظيمة، لقي الإسلام بها بلاء جسيما. وفي أيامه استقر الأمر للدولة الساسانية في بلاد خراسان، فاقتطع جزء كبير من أملاك الخلافة، ولما مات المكتفي سنة 295 تولى الأمر بعده المقتدر بن المعتضد، وكان فتى لم يتجاوز الثالثة عشرة، وقد أثار توليه الخلافة - وهو غير بالغ - بعض الاضطراب بين أهل الرأي، وانقسم الفقهاء والمحدثون في جواز ذلك أو عدمه،
3
ولم ينته هذا الاضطراب إلا بعزله وتولية عبد الله بن المعتز، ولكنه لم يلبث إلا يوما وليلة، ثم استطاع أنصار المقتدر، وعلى رأسهم القائد «مؤنس» المظفر أن يعيدوه إلى دست الخلافة، وفي أيام المقتدر قوي شأن القرامطة وضعف شأن الخلافة ضعفا لا مزيد عليه؛ فقد كان شابا غرا لا يعرف شيئا من الكياسة ولا السياسة، وكانت تدير الأمر أمه السيدة «شغب» وقهرمانة (ثمل)، فهما اللتان كانتا تقومان بشئون الدولة، وتأخذان الرشى، وهو لاه ساه كما كان مواليه من الأتراك، كمؤنس ومحمد بن ياقوت هم الذين يدبرون الدولة، والحق أن أيامه كانت أسوأ عهد مرت به الدولة العباسية منذ تأسيسها؛ لأن النساء والخدم والأشرار كانوا هم المسيطرين، وقد استمرأ هؤلاء الأشرار لذة الحكم في عهد هذا الصبي الذي انصرف - حتى بعد أن بلغ سن الرشد - إلى اللهو والإسراف والانغماس في الشهوات، ومن سوء حظ الأمة أن عهده قد دام طويلا، فاستشرى الفساد، وأخذ الوزراء والكتاب والقادة يتناطحون ويتآمرون، حتى عم البلاء وانتشر الشر ووقعت الفتنة في البلاد داخلها وخارجها، وكان خاتمة ذلك كله مقتل الخليفة سنة 320ه/932م، وبقتله عمت الفوضى، وطغت على الدولة العباسية موجة فتن وجراح لم تلتئم إلا بعد فترة طويلة.
الفصل الثاني
في بيان مظاهر الضعف والانحلال في
الدولة ونتائج ذلك
Unknown page