Tarikh Umma Casr Inbicath
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
Genres
إنها لا تنص على شيء يبدل الأوضاع السياسية العامة في السودان، على الرغم من عودة الجيش المصري إلى السودان؛ فقد اعترفت المعاهدة بالوضع الناشئ عن اتفاقية السودان، وهو الوضع الذي جعل من السودان مستعمرة بريطانية من الناحية الواقعية،
1
وواصل الشعب المصري جهاده، ورفعت مصر قضيتها إلى مجلس الأمن الدولي سنة 1947م، ولكنها لم تظفر بتحقيق آمالها القومية، حتى قامت ثورة 23 تموز 1952م وتسلم سكان القيادة جمال عبد الناصر، وكان من أعماله الباهرة في تحقيق الأهداف القومية ما هو معروف. •••
السودان معقل من معاقل القومية العربية تسربت إليه القبائل العربية بعد فتح العرب لمصر في مطلع فجر الإسلام، وازدادت هجرة القبائل العربية إليه بكثرة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد، فغدا كله عربي النجار ما عدا القسم الجنوبي منه.
وكان السودان ممتعا باستقلاله تحكمه شيوخ القبائل وزعماء المقاطعات، الذين كانوا يخضعون لحكومة محمد علي في مصر ويحكمون البلاد باسمها، ويذيقون الأهلين الويلات، ويرهقونهم عسفا؛ إلى أن ظهر المهدي محمد بن عبد الله الذي ولد في مقاطعة دنقلة حوالي منتصف القرن التاسع عشر، وكان شديدا في دينه، قويا في دعوته، فانضوى تحت لوائه جمهرة كبيرة من مريديه، وشد عضده في حركته صديقه وخليفته من بعده الشيخ عبد الله بن محمد الفقيه التعايشي، وجاب المهدي السودان من أقصاه إلى أقصاه، فرأى سوء وضعه من النواحي الاقتصادية والإدارية، ورأى الفساد المستشري في مقاطعاته، وشكا الأهلون ما يلاقونه من الجباة الذين يتقاضون الضرائب الباهظة من الشعب السوداني باسم الأسرة العلوية حاكمة مصر، فلفت المهدي أنظار رءوف باشا إلى هذا العسف، ولكن رءوفا لم يلتفت إليه وأمره في مطلع عام 1881م أن يمثل بين يديه في الخرطوم، فرفض المهدي طلبه وأعلنها ثورة عارمة ونادى بنفسه سيدا على السودان، ودحر قوات رءوف باشا واستولى على السودان كله بسرعة خاطفة.
وفي سنة 1883م حاولت الحكومة البريطانية - وكانت قد احتلت مصر في سنة 1882م كما أسلفنا - السيطرة على السودان أيضا، ولكنها لم تفلح فتظاهرت بأنها تعطف على حركة المهدي. ولما مات المهدي وخلفه التعايشي سنة 1885م، عزمت على احتلال السودان بالقوة، وبعثت حملة قوية باسم مصر قادها اللورد كتشنر، وتم لها القضاء على التعايشي في سنة 1889. وعقدت الحكومة المصرية اتفاقا سنة 1899م تقرر بموجبه أن تحكم الدولتان المصرية والبريطانية السودان حكما ثنائيا مشتركا،
2
ولكن الحكومة البريطانية استبدت بالحكم إلى أن كانت حادثة قتل «سر دارها» في سنة 1924م، فتخلص نهائيا من السيطرة المصرية، ولم تبق لمصر فيه إلا رسوما شكلية، وعزلت المديريات الثلاث الجنوبية عن شمالي السودان؛ محاولة بذلك فصل الجزء العربي عن الجزء غير العربي، ومنعت نشر الدين الإسلامي في هذه المديريات، وسهلت للمبشرين الأجانب بنشر المسيحية، ولكن الوعي القومي في جميع السودانيين من عرب وغيرهم وقف بالمرصاد أمام المطامع الاستعمارية حتى استقل السودان على ما هو معروف.
الفصل السادس
الحالة في شمال أفريقيا
Unknown page