Tarikh Tarjama
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
Genres
ولغتها، ونقل إليها علوم الغرب رغم ما كلفته هذه الغاية الحميدة من مشاق وتكاليف.
ولذلك كان أول عمل يسنده محمد علي إلى أعضاء البعثات «إمدادهم بالكتب، والتنبيه عليهم بسرعة ترجمتها»، وقد بلغ من حرص الحكومة على أن يكون لديها أكبر قدر من الكتب المترجمة في أقصر وقت أن كانت تقدم لهم الكتب وهم ما يزالون مقيمين في المحجر الصحي، ثم كانت تحتجزهم في مكان خاص ، ولا تدعهم يخرجون إلى أهلهم حتى يتموا ترجمة ما عندهم من الكتب، وكثير منهم كانت الترجمة تشغله عن واجبات وظيفته التي يتقلدها، والبعض منهم لم يكن له من حذق اللغات الأجنبية والعربية، والقدرة على التحرير والكتابة ما يمكنه من ترجمة ما عهد إليه ترجمة صحيحة، فلما أنشئت مدرسة الألسن، وكون قلم الترجمة من خريجيها رفع عن أعضاء البعثات عبء لا شك كان ثقيلا على أكثرهم.
2
وهناك عوامل مختلفة كانت تدفع محمد علي إلى العناية الفائقة بالبعثات، والإكثار منها - كما وكيفا - أول هذه العوامل رغبته الملحة في النهضة بمصر والمصريين في أسرع وقت ممكن، وثانيها أن هؤلاء الأجانب الذين استعان بهم أول الأمر لتعليم المصريين لم يكونوا جميعا «أكفأ من أنجبت بلادهم، بل إن منهم كثيرين كانوا جوابين يضربون في الأرض»،
3
وثالثها أن حرص هؤلاء الأجانب على إطالة مدة خدمتهم وارتزاقهم «لم يكن مما يجعلهم يتحمسون كثيرا لتلقين المصريين فنونهم».
3
وفي الحديث الذي أدلى به محمد علي للدكتور «بورنج
Bowring » مندوب الحكومة الإنجليزية إيضاح كامل للبرنامج العظيم الذين وضعه نصب عينيه ليتحقق على أيدي أعضاء البعثات، وفيه أيضا دليل قوي على عبقرية محمد علي، ذلك الرجل الأمي الذي ساقته العناية الإلهية لتعليم شعب بأسره. قال محمد علي لبورنج: «إن أمامي الشيء الكثير لأتعلمه أنا وشعبي، فأنا الآن مرسل إلى بلادكم أدهم بك، ومعه خمسة عشر شابا مصريا ليتعلموا ما يمكن لبلادكم أن تعلمه، فعليهم أن ينظروا إلى الأشياء بأعينهم، وأن يتمرنوا على العمل بأيديهم، وعليهم أن يختبروا مصنوعاتكم جيدا، وأن يكشفوا كيف ولم تفوقتم علينا، حتى إذا ما قضوا وقتا كافيا بين شعبكم عادوا إلى وطنهم، وعلموا شعبي ...»
4
Unknown page