209

Tārīkh al-tarjama waʾl-ḥaraka al-thaqāfiyya fī ʿaṣr Muḥammad ʿAlī

تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي

Genres

وحدث هذا الإجراء أيضا في بعض كتب الطب البيطري، والكتب الرياضية؛ فقد ترجم فرعون كتاب «التوضيع لألفاظ التشريح»، وصححه الشيخ مصطفى كساب، ثم صدر أمر من ديوان الجهادية بأن تكون لجنة ثانية من رفاعة أفندي والبكباشي هرقل لمراجعته، «فبادرا بالامتثال، وقابلاه مقابلة ليس لها مثال، مع إمعان النظر، وإيضاح ما خفي واستتر» وكذلك كتاب «اللآلئ البهية في الهندسة الوصفية»، ترجمه إبراهيم رمضان أفندي، ثم عهد به إلى حسن الجبيلي أفندي، «فقابله على أصله الفرنساوي، وأطلق عنان قلمه فيه وصححه، وأمعن نظره في ترجمته وأصلحه»، ثم أعطاه للشيخ إبراهيم الدسوقي فحرره وصححه تصحيحا ثانيا ... إلخ ... إلخ.

كذلك نلاحظ أن المبدأ العام لم يتجه في هذه الحركة إلى التخصص في الترجمة؛ فقد رأينا طبيبا يترجم في الجغرافيا، ومبعوثا للتخصص في صناعة الحرير يترجم كتابا في التاريخ، ورأينا رفاعة يترجم في كل علم وفن؛ ولهذا نلاحظ أنه أخذ تلاميذه في مدرسة الألسن بنفس الطريقة، فكان المترجم ينتهي من ترجمة كتاب في التاريخ أو الجغرافيا، فيعهد إليه بترجمة كتاب آخر في الكيمياء أو النبات، أو الهندسة، أو الرحلات ... إلخ.

غير أنا نلاحظ أن الحركة كانت تتجه في أواخر العهد نحو التخصص؛ فالذين عينوا في مدرسة الطب من خريجي البعثات تخصصوا في ترجمة العلوم الطبية دون غيرها، والذين عينوا في مدرسة المهندسخانة تخصصوا في ترجمة العلوم الرياضية، بل إنا لنلاحظ أن خريجي الألسن كانوا في طريقهم إلى انتهاج هذا النهج؛ فأبو السعود وخليفة محمود كادا - في آخر العهد - يتخصصان في ترجمة الكتب التاريخية، وصالح مجدي في ترجمة الكتب الهندسية والحربية، ومحمد الشيمي في ترجمة الكتب الرياضية ... وهكذا، وفي رأيي أنه لو كان قد امتد بالمدرسة العمر لانتهت إلى التخصص التام.

كذلك لم يكن نظام المترجم الواحد للكتاب الواحد عاما في عصر محمد علي، بل نستطيع أن نقرر أن هذا النظام لم يتبع عادة إلا في مدرستي الطب البشري والبيطري، أما في مدرسة الهندسة فقد اتبع هذا النظام في بعض الكتب، ولم يتبع في البعض الآخر، فرأينا كتاب «الروضة الزهرية في الهندسة الوصفية» يشترك في ترجمته إبراهيم رمضان ومنصور عزمي، وكتاب «رمز السر المصون في تطبيق الهندسة على الفنون» يشترك في ترجمته عيسوي زهران، وصالح مجدي، ومحمد الحلواني إلخ، وكان يتبع هذا النظام عند ترجمة بعض الكتب التي يأمر محمد علي بترجمتها، وذلك رغبة في إنجازها بسرعة؛ فقد أصدر أمره مرة بترجمة كتاب «نظامات وترقيات العساكر»، وأن يجمع «التراجمة» وتحل حبكة الكتاب ويعطى لكل مترجم «كراس منه لسهولة ترجمته في أقرب وقت»؛ وذلك «لكون ترجمة هذا الكتاب من الأمور المهمة المستعجلة».

8

وقد أخذت مدرسة الألسن بهذا النظام أيضا في معظم الأحيان؛ فكان يشترك في ترجمة الكتاب الواحد أكثر من مترجم، وخاصة إذا كان كبير الحجم، أو كثير الأجزاء فقد اشترك أربعة من تلاميذها في ترجمة كتاب «تاريخ الدولة العربية»،

9

واشترك اثنا عشر مترجما منهم في ترجمة كتاب «رحلة أنخرسيس جوان في بلاد اليونان».

9

هذا ولم يكن النص يترجم كاملا في كل الأحيان، بل كان يخضع للأغراض العامة والخاصة للترجمة في ذلك العصر، فهناك كتب جمعت أجزاؤها من كتب كثيرة مختلفة، وكتب تركت بعض فصولها، وكتب أضيفت إليها أجزاء وفصول عن كتب إفرنجية، وأحيانا من كتب عربية، والأمثلة الآتية توضح ما تقول:

Unknown page