Tarikh Tarjama
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
Genres
وقد ذكر «الخواجة جبريل» في مقدمة الكتاب أنه كان شغفا بالبحث والقراءة، لكن «الأشغال الديوانية» كانت تحول بينه وبين تحقيق رغبته، ثم رأى أخيرا أن يخصص ساعات من وقت فراغه لدراسة اللغة التركية، وذلك «لعموم نفعها من وجهين، وكثرة توقعها على الأذنين، فإنها بعد اللغة العربية أوفر تداولا في المصالح العربية»
244
وبدأ هذه الدراسة في الليلة السادسة عشرة من جمادى التالي سنة 1257، ثم لاحظ أن هذه اللغة التركية تعتمد اعتمادا كبيرا على اللغتين العربية والفارسية، وأن ما عليها من الحلي والحلل لم يكن من ذاتها حصل، وإنما هو مكتسب من مواهب اللغتين العربية والفارسية؛ ولذلك يقول: «أدركت أنني لا أرتوي من حياضها، ولا أجتني من رياضها إلا بحوز مستعملات اللغة الفارسية، وأما العربي فهو لساني بالسجية.» ولهذا شرع في تعلم اللغة الفارسية، «في ثاني ساعة من ثاني ليلة من المحرم الحرام سنة ثمان وخمسين وألف من هجرة الإسلام»،
245
وكان من بين الكتب التي قرأها أثناء دراسته اللغة الفارسية كتاب «كلستان»
246
وقد أعجب به فرأى أن يترجمه ليحقق بذلك رغبتين: أولاهما أن يستعين بالترجمة على إتقان هذه اللغة، وثانيهما إفادة قراءة اللغة العربية، يقول في هذا المعنى: «وبينما أنا في بعض الليالي مكب على مطالعته ومستغرق في مسامرته، إذ أشارت إلي العناية الربانية، وألهمتني الإرادة الصمدانية، أن أستخرج درة من بحر الفاسية إلى شاطئ العربية، ليتم لي بذلك فائدتان: إحداهما التقوي في هذا اللسان، والثانية نفع من رغب فهمه ممن وقف عند العربية في البيان.»
وقد ذكر أنه أتم ترجمته في شهر وأيام؛ فقد بدأ الترجمة في يوم الاثنين السادس من شهر رمضان سنة 1258 وأتمها في السادس عشر من شوال من نفس السنة.
الميدان الثالث الذي ظهرت فيه جهود المترجمين من الموظفين هو ميدان العلوم الرياضية؛ فقد كانت هذه العلوم تدرس في المدارس الحربية كما كانت تدرس في مدارس الهندسة، ومعظم تلاميذ المدارس الحربية - في العهد الأول - إن لم يكن كلهم كانوا من سلالات تركية، وكانوا يدرسون في تلك المدارس باللغة التركية؛ لهذا كان من الواجب أن تترجم لهم هذه الكتب إلى اللغة التي يفهمونها وبعض هذه الكتب ترجم عن الفرنسية إلى التركية مباشرة، والبعض الآخر كان قد ترجم إلى العربية لاستعماله في مدارس المهندسخانة، فصدرت الأوامر بترجمته عن العربية إلى التركية.
والاسم البارز في هذا الميدان هو إبراهيم أدهم بك مدير ديوان المدارس؛ فقد كان المشرف على حركة الترجمة الرياضية إلى اللغة التركية، ولا عجب فهو من أصل تركي، وقد درس علوم المدفعية في إنجلترا، وكان رئيسا لبعض البعثات الصناعية التي أرسلت إلى إنجلترا، وقد بدا له وهو في بلاد الإنجليز أن يتشبه بهم في كل شيء، فخلع ملابسه الشرقية ولبس ملابسهم، وحاكاهم في عاداتهم، فغضب عليه محمد علي غضبا شديدا وأعاده إلى مصر، وظل عاطلا حتى شفع له عباس باشا
Unknown page