79

Tarikh Sina Wa Carab

تاريخ سينا والعرب

Genres

وتجيء الأمطار في غالب الأحيان بغتة بضجة عظيمة؛ في يوم صحو هادئ جدا في الشتاء، تهب فجأة ريح عاصف شمالية فتملأ الغيوم الجو، وتلمع البروق، وتقصف الرعود، وتتوالى بلا انقطاع، ثم تهطل الأمطار صبا كأنها من أفواه القرب حتى تخال السماء قد طبقت الأرض، فتسيل الأودية وتندفع السيول بشدة هائلة إلى البحر، فتجرف كل ما تجد في طريقها من الناس والحيوان والشجر والسدود، وقد تعلو السيول عن حدها المعتاد في الأودية وتباغت الأهلين النازلين في جوانبها، وهم غير مستعدين لها فتجرفهم هم وأنعامهم وخيامهم إلى البحر، يدوم السيل بضع ساعات ثم يذهب بالسرعة التي جاء فيها، فيأخذ في النقصان حتى يصبح جدولا صغيرا، ثم ينقطع الجدول ولا يبقى إلا برك صغيرة في تجاويف الوادي، ثم تجف هذه البرك ويجف الوادي إلا إذا كان فيه نبع أو عد حي فيغزر حينا، ثم يعود إلى حاله.

حدثني الشيخ موسى أبو نصير كبير الطورة المار ذكره عن سيل جارف حدث في وادي صلاف في 3 ديسمبر سنة 1869، وذكره المستر هولاند، أحد أعضاء اللجنة التي ندبتها الجمعية الجغرافية الإنكليزية لمسح سيناء في تلك السنة، قال الشيخ موسى: «بدأ المطر عصر ذلك اليوم رذاذا، ثم اشتد قبل الغروب، ولم ينقطع إلا بعد العشاء، فطغى السيل في الوادي، وجاوز حده المعتاد حتى بلغ علوه نحو خمس أذرع، وكان «أولاد سعيد» نازلين في جنب الوادي، فأدركهم السيل وأغرق منهم 53 نفسا بأنعامهم، فدفنوا في نواويس ذلك الوادي القريبة من نقب حبران، ثم إن هذا السيل نفسه عند مروره بوادي فيران أغرق ستة من سكانه التبنة، وجرف كثيرا من أشجار النخيل والطرفاء إلى البحر.» ا.ه.

وحدثني الأب بنيامين «أقلوم» دير سيناء عند زيارتي الدير سنة 1907، عن سيل جارف حدث في وادي الدير ليلة الجمعة في 17 مارس سنة 1906، قال: «اشتدت الأمطار في تلك الليلة عند العشاء، وعظم السيل، فدحرج صخورا عظيمة من الجبل المشرف على الدير من الجنوب، فوقف بعضها في منحدر الجبل ووصل بعضها وادي الدير فسده، وتحول السيل إلى دار الدير الخارجية، فجرف الجانب الجنوبي من سورها وبوابتها الشمالية، وربما لو دام ساعة أخرى لجرف الدير برمته، ا.ه.»، ورأيت أثر ذلك السيل بعد أن رمم الرهبان كثيرا مما خرب، فإذا بالباقي كاف للدلالة على شدته وعظم ضرره، وقد قرأت في كتب الدير ذكرا لعدة سيول حدثت في السنين الغابرة فسببت أضرارا بليغة في الدير وضواحيه. (3) مراعيها ومزارعها

هذا وإذا نزل مطر كاف وارتوت الأرض، باشر الأهلون الزرع في جوانب الأودية والسهول الخصبة، ونمت الأعشاب في بطون الأودية والخيران، ورتعت فيها إبلهم وأغنامهم، بل قد يجيء بعض الترابين والتياها القاطنين جنوب سوريا على حدود بلاد التيه، فيرعون إبلهم وأغنامهم مع إخوانهم الترابين والتياها القاطنين سيناء.

وأما إذا لم ينزل مطر كاف في الجزيرة، قل زرع الأهلين وذهب معظمهم في الصيف؛ لرعي إبلهم وأغنامهم في بلاد غزة وبئر السبع، فتتقاضاهم ولاية القدس جعلا قدره نصف ريال على كل جمل، وربع ريال على كل رأس من الغنم، وأما محافظة سيناء فلا تتقاضى عرب الشام شيئا على رعيهم في الجزيرة. (4) أمراضها

أما جفاف الهواء في سيناء ونقاوته وعظم اتساع البلاد بالنسبة إلى أهلها، كل ذلك يقلل الأمراض في أهلها، وقد توقوا هم أنفسهم كثيرا من الأمراض بمحافظتهم على العرض، واهتمامهم بالزواج الباكر، وعدم الإكثار من الأطعمة المختلفة الألوان؛ ولذلك فهم يعمرون طويلا، حتى ترى الكثير منهم قد تجاوز سن الثمانين، ولو اهتموا بالنظافة وراعوا الاعتدال في أميالهم لعمروا أطول، وأشهر الأمراض التي تنتابهم، الدسببسيا والدوسنطاريا والحبة والرمد، وفي بعض الأودية حيث يستنقع الماء كوادي فيران والقصيمة والقديرات تحدث الحميات والأنفلونزة والحصبة. (5) السياحة في سيناء

ويدخل سيناء كثير من الإفرنج كل سنة لأغراض شتى، لزيارة دير سيناء، ومعظم هؤلاء من الحجاج الروسيين، أو للبحث عن معادنهم، أو للتنقيب عن آثارها القديمة، أو لصيد التيتل في جبالها، أو للسير في طريق موسى وتطبيقه على رواية التوراة إلى غير ذلك من الأغراض.

وأول ما يلفت المسافر في سيناء جفاف الهواء وطلاقته، واتساع البلاد وفراغها وسكينتها التامة، فيشعر من نفسه بانبساط وارتياح لا يشعر بهما في المدن، وإني أنصح للمتعبين من كثرة الأشغال وجلبة المدن أن يفسحوا لأنفسهم شهرا من الزمان يقضونه في سيناء سفرا وإقامة، فإنهم يجدون فرقا ظاهرا في صحتهم قبل مضي الشهر.

وأجمل بلاد سيناء للسياحة والنزهة بلاد الطور، فهناك يجد المسافر من فخامة المناظر الطبيعية ووعورتها وجمالها ما لا يجده في أي مكان على وجه البسيطة.

وأجمل الفصول التي يحسن السفر فيها إلى سيناء، الربيع من أواسط فبراير إلى أوائل مايو، وأول الشتاء من أوائل أكتوبر إلى أواسط نوفمبر، وفي غير هذه الشهور يكون الهواء إما حارا أو باردا.

Unknown page