فأجابه العقبي:
ياما دونها يا أمير من طرح سابق
وعودة بالميدان ما ينسخي بها
فهب المسعودي لساعته، وأخذ يجمع جموعه ويستعد للقتال، وهكذا فعل العقبي، والتقى الجمعان في مكان يدعى حصي المدرة عند «مطب نقب غارب» بوادي العربة، فاقتتلا قتالا شديدا كان النصر فيه للمسعودي ووقعت المطيرية في أسره، فلما أتى بها إلى خيمته خرجت أمه من الخيمة، فسألها ابنها في ذلك، فقالت لا أقيم تحت سقف واحد مع «هتيمية»، فتأثر لقول أمه وطرد المطيرية وأهلها من داره، وقد عرفت تلك الواقعة «بواقعة المطيرية» وفي حصي المدرة إلى الآن قبور قديمة، قيل إنها مدافن قتلى تلك الواقعة.
قالوا: وبعد الواقعة ذهب العقبي إلى بلاد الكرك، والمسعودي إلى بلاد غزة، فضرب عليها حاكمها فرسا من جياد خيله يقدمه له كل سنة، وبقي المساعيد يؤدون هذه الضريبة حتى قام عليهم أمير يدعى «سليمان المنطار»، فاستثقل الضريبة وأبى دفعها، وجاهر بالعداوة للدولة، فجردت عليه وقتلته في واقعة مشهورة قرب غزة، قالوا: وكان سليمان المذكور من أهل الصلاح والتقوى، فرأى الترك قنديلا أضاء فوق جثته، فدفنوه بإكرام، وبنوا قبة فوق قبره، لا تزال قائمة، والعرب تزورها إلى اليوم.
وتفرق المساعيد ثلاث فرق: فرقة ذهبت شرقا، فسكنت فارعة المسعودي وراء حوران، وفرقة ذهبت غربا فسكنت أرض مصر، وعرفت هناك بأولاد سليمان، وبقي منها بقية في بر قطية غرب العريش حافظت على اسم المساعيد كما سيجيء، وفرقة ذهبت جنوبا بشرق، فسكنت وادي الليف في البدع من أعمال الحجاز على نحو خمسين ميلا من العقبة، وتخلف من هذه الفرقة قوم في وادي الجرافي ففرغ زادهم، فأخذوا يقتاتون بنبت الحوي فسموا الأحيوات، وكبيرهم إذ ذاك «سعد صادق الوعد».
وكان لسعد ثلاثة بنين: شوفان من أم، وحمد وسويلم من أم، فكان سويلم جد الكرادمة، وحمد جد الحمدات، وشوفان جد الشوافين، وكان لشوفان ابنان: غانم جد النجمات والخناطلة والكساسبة والسلاميين، وغنيم جد الغريقانيين والمطور.
وقد اشتهر الشوافون بين اللحيوات بالصلاح والتقوى، ولهم في الجزيرة عدة قبور تزار، منها: قبر «الشيخ حمدان»، ابن نجم جد النجمات، المدفون في رأس وادي الردادي قرب مفرق العقبة، يزوره اللحيوات من كل الجهات، وقبران في وادي الهاشة مر ذكرهما، وهما «قبر الشيخ مسلم وقبر الشيخ صبيح»، وكلاهما من بدنة المطور، وقبر «الشيخ عمر» المدفون بقرب «بئر أبو قطيفة» على نحو ست ساعات شرقي السويس، وقبر «الحجاج» في نخل الآتي ذكره، وقبر «أبو ديب» في وادي مايين وكلاهما من السلاميين، وأبو ديب أقدم من حمدان وأحدث من الحجاج.
وأما باقي فروع اللحيوات: «فالصفايحة» من صفيح ابن عم لسعد صادق الوعد، وأما الخواطرة والخلايفة فليسوا من اللحيوات، قيل إن الخواطرة هم نسل رجل مزيني يدعى خاطرا ساكن اللحيوات وتناسل عندهم، وأما الخلايفة فالمشهور أنهم انضموا إلى اللحيوات بطريق «الأخوة»، فنسبوا إليهم على عادة القبائل الضعيفة الأصيلة مع القوية.
وبلاد اللحيوات شرقي بلاد التياها وغربيها، فبدنة الصفايحة تسكن غربي التياها من جبيل حسن إلى بئر مبعوق، وأشهر مراكزهم: جبل المغارة، والجفجافة، وسر الحقيب، وعين سدر، وجبل بضيع، وأما سائر اللحيوات فيسكنون شرقي التياها، ويمتدون من مطلة نخل الشرقية إلى وادي العربة شرقا وغربا، ومن جبل الأحيقبة إلى خليج العقبة شمالا وجنوبا، وأشهر مراكزهم في سيناء بئر الثمد، والتحديد الأخير أخرج الخلايفة القاطنين وادي العربة من إدارة سيناء وألحقهم بإدارة العقبة.
Unknown page