Tarikh Sahafa Carabiyya
تاريخ الصحافة العربية
Genres
وقال نعيم صوايا صاحب مجلة «الحقيقة» في الإسكندرية: «الصحافة مجلى عمران الأمة ومجرى سوابق أفكارها ومرآة أخلاقها وعاداتها، فهي طائرها الغرد ومرشدها الحكيم ودليلها الأمين، بل هي من الأمة بمثابة المرضع من الطفل؛ تغذوه بلبانها وترأمه بحنانها وتغذيه بروحها، ولا تدع سبيلا لمرضاته إلا نهجته مسوقة إليه بحادي الحب والحنو، وهما منها في الغاية القصوى والذروة التي لا يبلغها متناول.»
وقال ولي الدين بك يكن مؤلف كتاب «المعلوم والمجهول» في القاهرة: «الجرائد هي ألسن العقلاء تنطقها الحكمة ولا يستميلها الهوى، وإن الواجب عليها أن تقود لا أن تقاد.»
الفصل الثالث
مؤرخو الصحافة العربية
(1)
لما كانت الصحافة العربية حديثة العهد لم يقم أحد بين الكتبة تحرى البحث عن تاريخها سوى في الآونة المتأخرة، وأول من شمر عن ساعد الجد لطرق هذا الباب كان هنري غلياردو قنصل فرنسا سابقا في حيفا ونزيل بيروت حالا، فإنه أثناء وجوده في منصب ترجمان لقنصلية دولته في القاهرة سنة 1884م وضع تقريرا مسهبا في اللغة الفرنسية يتضمن تاريخ الصحف العربية التي تنشر حينئذ في وادي النيل، ثم أضاف إلى أخبار كل جريدة ترجمة صاحبها وأمياله السياسية وأغراضه الذاتية. ولهذا التقرير نسختان مخطوطتان إحداهما في خزائن الوزارة الخارجية في باريز والثانية في الوكالة الإفرنسية بعاصمة الخديوية المصرية. هكذا أتيح لأمة الفرنسيس أن يكون السبق لأحد أبنائها في وضع زاوية البنيان لتاريخ الصحافة العربية، كما أتيح لها أن يكون تأسيس باكورة الصحف العربية على يد أحد أبطالها العظام الإمبراطور نابليون الكبير. (2)
أما أول الذين كتبوا بعده أخبار الصحافة من الناطقين بالضاد فكان جرجي زيدان الذي أنشأ مقالة ذات ثماني صفحات سماها «الجرائد العربية في العالم» ثم نشرها في العدد الأول للسنة الأولى من مجلة الهلال. وبعدما تكلم باختصار عن هذا الموضوع سرد أسماء الجرائد والمجلات التي ظهرت إلى سنة 1892م، فبلغ مجموعها على روايته مائة وسبعا وأربعين صحيفة، ولولا حرصه على إحياء ذكرها لدخل كثير منها في خبر كان، وطمس عليها الزمان، وباتت في زوايا النسيان. غير أنه مع شدة تدقيقه فاتته أسماء صحف شتى، إما سهوا وإما لعدم وقوفه عليها؛ لقلة عناية الشرقيين قبله وعدم اهتمامهم بصيانة آثار الأقدمين، وذكر بعض جرائد لم نعرف لها اسما ولا رسما بين الصحف العربية كجريدة «تلمسان» في مدينة تلمسان من أعمال الجزائر، وإنما توجد جريدة فرنسية لا عربية بهذا العنوان كما أفادنا أكثر من واحد من علماء تلمسان الخبيرين ولدينا نسخة منها. ثم ألف سنة 1910م نبذة أخرى أوسع من الأولى عنوانها «تاريخ النهضة الصحافية في اللغة العربية»، وطبعها في الجزء الثامن للسنة الثامنة عشرة من مجلته المذكورة، وهنا أسهب الكاتب في البحث عن هذا الموضوع لا سيما فيما يتعلق بالصحافة المصرية التي نالت المقام الأعلى بين رصيفاتها في سائر الأقطار. وقد روى أن عدد الجرائد العربية التي صدرت في العالم من أول عهد الصحافة إلى ظهور المقالة المذكورة بلغ نحو ستمائة صحيفة، والحال أنها تبلغ أكثر من ضعفي هذا العدد، كما يتضح من جدول الصحف في آخر كل جزء من هذا الكتاب. فكفى منشئ الهلال فخرا أنه فتح السبيل لغيره لأجل التفتيش عن عتائق الصحافة ومهد لهم طريق معرفة أخبارها، ونحن أول من يعترف بفضله الواسع، ويثني على حماسته العظيمة لإعلاء شأن الأدب وخدمة لسان العرب، كما سنبينه في المجلد الثاني من هذا الكتاب. (3)
وفي 13 آذار 1893م نشر محمد كامل البحيري في العدد الأول من جريدته «طرابلس» نبذة ذات ثلاثة أعمدة ونيف، سرد فيها تاريخ نشأة الجرائد وفوائدها وعددها في العالم، فلما أتى على ذكر الصحف العربية منها جعل «حديقة الأخبار» في بيروت وجريدة «الرائد التونسي» في تونس أقدمهما عهدا، مع أن الأولى تحسب ثامنة الجرائد والأخرى تعد الثانية عشرة بالنسبة إلى عدد الصحف التي أنشئت قبل كليهما وهي: أولا «الحوادث اليومية»، ثانيا «الوقائع المصرية»، ثالثا «المبشر»، رابعا «مجموع فوائد»، خامسا «أعمال الجمعية السورية»، سادسا «مرآة الأحوال»، سابعا «السلطنة»، ثامنا «حديقة الأخبار»، تاسعا «عطارد»، عاشرا «برجيس باريس»، حادي عشر «الجوائب»، ثاني عشر «الرائد التونسي»، ثم روى أن عدد الجرائد العربية التي صدرت إلى التاريخ المذكور يقارب الأربعين، والحال أنه أكثر من ذلك بأضعاف بحيث كان يناهز المائتين بكل تأكيد.
جرجي زيدان؛ أول من كتب في تاريخ الصحافة العربية بين الناطقين بالضاد. (4)
ونشر عبد الله الأنصاري أستاذ اللغة العربية في دار العلوم الخديوية بالقاهرة سنة 1312 هجرية/1893م كتاب «جامع التصانيف المصرية الحديثة من سنة 1301 إلى سنة 1310 هجرية» في 76 صفحة، فخصص منها تسع صفحات للصحف العربية التي نشأت في المدة المذكورة، كما أورد المستعرب مرتين هرتمان في كتابه
Unknown page