ولم تكتف هذه الدول الشرقية بالتفرق والانقسام، بل تهافتت على التملق لرومة والتودد إليها والاستنجاد بها على بعضها البعض مما كان سببا لتداخلها في شؤون بلادهم الداخلية، فقد أبرمت حكومة البطالسة بمصر مع رومة معاهدة محبة وولاء منذ سنة 279ق.م.
ولما كان من القوانين الطبيعية المقررة بالشواهد العديدة أن كل اتحاد بين أمتين إحداهما أضعف من الأخرى تكون نتيجته حتما تداخل القوية منهما في شؤون حليفتها مع الزمن بدعوى النصيحة والإرشاد، والتسلط عليها في آخر الأمر تسلطا أدبيا، ثم يستحيل هذا التسلط الأدبي إلى تسلط فعلي وامتلاك حقيقي.
ولم تنج مصر في عهد البطالسة من نتائج هذا الناموس الطبيعي، بل تداخلت الحكومة الرومانية في شؤونها شيئا فشيئا، حتى تحصلت بمساعيها لدى وزراء مصر عند تولية بطليموس الخامس الذي كان سنه لا يتجاوز الخمس سنوات على أن تكون الوصاية عليه مدة طفوليته إلى أن يبلغ رشده لسناتو رومة، فكانت شؤون مصر في عهده في يد الحكومة الرومانية بصفة وصية، ونحن نعلم كيف تكون معاملة الوصي للموصى عليه في مثل هذه الظروف، وأمام أعيننا الشواهد العديدة على ذلك في عهد احتلال إنكلترا لمصر وإدارتها شؤونها بصفة وصية إلا أن الفرق بين هاتين الحالتين أن رومة عينت وصية على ملك قاصر وبطلب وزرائه، وإنكلترا عينت نفسها وصية على مصر التعيسة وخديويها توفيق باشا بالغ رشيد، واستمرت وصايتها بعد موته وشهادة العموم بأن خليفته عباس باشا الثاني لا يقل ذكاء وحبا لخير بلاده عن أحسن ملوك أوروبا وإمبراطرتها.
هوامش
حرب مقدونية
وبعد أن انتهت الحروب مع قرطاجة بالكيفية السابق شرحها وفازت رومة بالظفر وقيدت عدوتها بمعاهدات تجعلها تحت حمايتها الفعلية، وألزمتها بمحالفة مسنيسا ملك نوميديا وقوته بجوارها ليكون مراقبا عليها وعونا لرومة عند الحاجة؛ وجهت رومة التفاتها للانتقام من فيليب ملك مقدونية الذي اتحد مع أنيبال عليها، فقرر السناتو محاربته لإذلاله وإضعافه فيؤمن شره في المستقبل، خصوصا وأنه كان باذلا جهده في الاتحاد مع أنتيوكوس
1
ملك الشام وبروسياس ملك بثينيا
2
على محاربة بطليموس مصر الذي كان تحت حماية رومة، وسلبه أملاكه في بلاد سوريا وغيرها، وحصره في حدود مصر الطبيعية.
Unknown page