الآخر بأن المصيب واحد والحق في طرف واحد، لأنه، لو كان كل واحد مصيبا، لم يسم أحدهما مخطئا، فيجمع الضدين في حالة واحدة. قال القاضي أبو الفضل بن موسى في إكماله: والقول بأن الحق في طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من المتكلمين والفقهاء؛ وهو مروى عن مالك والشافعي وأبي حنيفة، وإن كان قد حكى عن كل واحد منهم اختلاف في هذا الأصل. وهذا كله في الأحكام الشرعية. وأما ما يتعلق بأصل وقاعدة، من أصول التوحيد وقواعده، مما مبتناه على قواطع الأدلة العقلية، فإن الخطأ في كل هذا غير موضوع، والحق فيها في طرف واحد، بإجماع من أرباب الأصول والمصيب فيها واحد، إلا ما روى عن عبد الله العنبري، من تصويبه المجتهدين في ذلك، وعذره لهم؛ وحكى مثله عن داوود وكله لا يلتفت إليه، وقد حكى عن العنبري أن مذهبه في ذلك على العموم؛ وعندي أنه إنما يقول ذلك في أهل الملة دون الكفرة؛ والاجتهاد المذكور في هذا الباب هو بذل الوسع في طلب الحق والصواب في النازلة. انتهى. وفي حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم! أذن له أن يجتهد برأيه فيما لم يكن في الكتاب والسنة؛ وقد ورد: ما من قاض يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك، إلى غير ذلك مما جاء في هذا الباب.
فصل في الخصال المعتبرة في القضاة</span>
من التنبيهات وشروط القضاء، التي لا يتم للقاضي قضاؤه إلا بها، عشرة: الإسلام؛ والعقل؛ والذكورية؛ والحرية؛ والبلوغ؛ والعدالة؛ والعلم؛ وسلامة حاسة السمع والبصر من العمى والصمم؛ وسلامة حاسة اللسان من البكم؛ وكونه واحدا لا أكثر؛ فلا يصح تقديم إثنين على أن يقضيا معا في قضية واحدة، لاختلاف الأغراض، وتعذر الاتفاق وبطلان الأحكام بذلك. ثم من هذه الشروط ما إذا عدم فيمن قلد القضاء بجهل، أو غرض فاسد، ثم نفذ منه حكم، فإنه لا يصح ويرد؛ وهي الخمسة الأولى: الإسلام؛ والعقل؛ والبلوغ؛ والذكورية؛ والحرية. وأما الخمسة الأخرى، فينفذ من أحكام من عدمت منه
Page 4