Tarikh Napoleon Bonaparte
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Genres
كان مجلس الشيوخ قد ظن نفسه أنه قام بما وجب عليه عندما اقترح عليه «التريبونه» مجازاة القنصل الأول بما تستحقه جهوده وإخلاصه فسمى بونابرت قنصلا لعشر سنوات. إلا أن هذه المجازاة لم تقنع بونابرت الذي خدم فرنسا خدما كثيرة وجعلها في الأوج التي هي فيه؛ إذ إن رجلا مثله لا يستطيع بعد عشر سنوات أو خمس أن يعود مواطنا بسيطا أو أن يصبح الثاني في الأمة. فعندما ازدرى بالتصويت الذي جزم به مجلس الشيوخ تمديد القنصلية إلى عشر سنوات نادى الشعب وطرح عليه هذا السؤال: «أيقدر لبونابرت أن يكون قنصلا مدة حياته؟» فأسرع الشعب جماعات إلى الانتخاب وأجاب بأكثر من ثلاثة ملايين صوت: «نعم»، أما مجلس الشيوخ فأسرع لإعلان أمنية الشعب مضيفا إليها إنعاما جديدا للقنصل الأول وهو حق انتحاب خلفه، فأجاب بونابرت بهذه الكلمات:
حضرات أعضاء مجلس الشيوخ
إن حياة المواطن إنما هي لوطنه، والشعب الفرنسي يريد أن تكون حياتي وقفا له ... وإني لمذعن إلى إرادته ...
إن الشعب الفرنسي يتقاضاني واجب إسناد قاعدة شرائعه بتنظيمات حسنة العواقب بتسليمه إلي هذا الضمان الدائم وهو ثقته بي.
إن حرية فرنسا، ومساواتها، وإفلاحها ستكون في أمن من ريب المستقبل بما آتيه من الجهود وما تعلقونه علي من الثقة.
على أن أمنية الشعب، التي أكدت له التمتع بالقنصلية السامية تمتعا مؤبدا، صادفت بعض اعتراضات لم ينتج منها سوى إبراز أخلاق نبيلة من غير أن تنقص من التصويت الوطني العام. لم يكن ممكنا القيام بعمل غير هذا. وكانت القنصلية المؤبدة تتراءى أنها تعلق مقدرات الجمهورية بمقدرات رجل واحد، وترسم شبه ملكية دائمة تضع الجمهورية على حدود الملكية الوراثية، إلا أن الاتفاقية والجمعية التأسيسية وجدتا من يعترض باسمهما على اندفاع الأفكار نحو الحكم المطلق، فظهرت الجمعية التأسيسية للمرة الثانية في لافاييت لتحتج على مسألة القنصلية المؤبدة في حين أن شبح الاتفاقية أعطى رأيا سلبيا بفم كارنو.
كان القنصل الأول قد توقع مصادمة لافاييت الذي لعب دورا مهما تارة إلى جنب واشنطون وطورا إلى جنب ميرابو، وتمكن من الوصول إلى المقام الأول بين السياسيين. وكانت أمنية لافاييت أن يمثل عصرا كاملا، وأن يكون علما حيا لمواطني ثورة 89؛ وعندما كان هذا الرجل يمثل نفسه بتلك الصورة الطافحة بمجد الباستيل «والجو ده بوم»
1
ذاكرا بفخر تلك القسمة المجيدة التي جازاه بها اعتراف الأمة على عهد الجمعية التأسيسية الزاهر، كيف يستطيع إذ ذاك أن يرضى بالنزول من الأوج الذي رفعه منتصر 14 تموز ليترامى ويحتجب بين الخدم الذين يحيطون بمنتصر 18 برومير؟ ثم إن مواطن المعاهدة الأولى الحريص على ثباته لم يستطع أن يتفاهم مع ديكتاتور سنة 1802، فكان من حق لافاييت أن يرفض عضوية مجلس الشيوخ ويحتجب بنبل وشرف في عزلته في لاغرانغ بدل أن يضيع في عالم التويلري الزاهر. في ذلك الحين أنشأ القنصل الأول مرسوم جوقة الشرف. قال لتراجمينه أمام الفرقة التشريعية: «إن هذا المرسوم يمحو التمييزات الشرفية التي تضع المجد الموروث قبل المجد المكتسب، وحفدة الرجال العظام قبل الرجال العظام.» كان هذا إكراما جديدا لمبادئ الفلسفة العصرية، ورمزا للمساواة الصحيحة على أساس المكافأة حسب الاستحقاق، إلا أن بونابرت قد ألغى هذه البدعة الكبرى في وسط شعب لا يزال يضم عددا من المتحزبين للتمييز الوراثي وبعضا من الذين يتوقعون عودة الأريستوقراطية القديمة أو إنشاء أريستوقراطية جديدة، فصادفت اعتراضات شديدة من رجال لا هم أريستوقراطيون متعصبون ولا ديموقراطيون؛ ما أشاع الدهشة في بونابرت فألقى التبعة على الخطباء الذين دافعوا عن تلك الطوية قائلا: «إن كان تباين رتب الشرف وخاصية مجازاتها مخصصين للنبلاء فإن وسام جوقة الشرف إنما هو رمز المساواة.» على أن صلح إميان ترك جميع وسائل فرنسا العسكرية متعطلة في يد بونابرت؛ إذ ذاك فكر القنصل الأول في الاستفادة من سكينة أوروبا ليحمل الحرب إلى أميركا ويستولي على سان دومنغو. فأعطى قيادة الحملة إلى صهره لوكليرك. إلا أن النتيجة لم تكن حسنة؛ إذ إن صهره مات آسفا على قبوله القيام بمشروع متلف منكب، وأضاع روشامبو، خلفه، المستعمرة بما أتاه من ضروب القساوة وسوء الإدارة.
كانت إيطاليا وهي مهد عظمة بونابرت ومجده تشغل فكره شغلا كبيرا. كان بونابرت قد استلم من الشورى، التي اجتمعت في ليون في مطلع عام 1802، رئاسة الجمهورية السيزالبينية التي لم يكن أحد من الإيطاليين جديرا بتحمل مسئوليتها. قال بونابرت يوم ذاك لنواب هذه الأمة: «إنكم لا تملكون غير شرائع خصوصية فيقتضي لكم شرائع عامة. وإن شعبكم لا يملك غير عادات محلية فيقتضي له عادات وطنية.» وفي السنة نفسها أضاف بونابرت البييمونت إلى فرنسا وقسمها إلى ست مقاطعات: البو، والدور، والسيزيا، والستورا، والتانارو، ومارنغو.
Unknown page