وصل ابن الرشيد فنصب في الحال مدافعه كلها وشرع يضرب القصر، وعندما علم ابن سعود بالحصار بعد ظهر ذاك النهار صاح برجاله قائلا: «انهزم ابن الرشيد ونريد أن نعمل مناورة خارج البلدة.» فاستبشروا وخرجوا للمناورة، فكشف النقاب إذ ذاك عن قصده الحقيقي؛ أمرهم بالزحف إلى قصر ابن عقيل! فترددوا لأنهم لم يكونوا متأهبين للرحيل. لم يكن لديهم شيء من الماء والزاد، وقد كانت الساعة الأخيرة من النهار والمسافة أمامهم لا تقل عن العشرين ميلا.
خطب ابن سعود فيهم محرضا مستنهضا، ثم قال: «أنا واحد منكم ومثلكم، أنتم ماشون وأنا أمشي، أنتم حفاة وأنا والله لا أنتعل. وهذا نعلي وهذا ذلولي.»
قال ذلك وهو يضع النعل في الخرج ويلقي بحبل الذلول على غاربه، ثم مشى أمامهم حافيا، فمشوا وراءه متحمسين، وعندما وصلوا إلى القصر قبل نصف الليل بساعة أرادوا أن يهجموا على ابن الرشيد في ذاك الحين، فمنعهم عبد العزيز؛ لأنه كان عالما بما حل بهم من التعب والجوع، فدخلوا القصر واستراحوا تلك الليلة.
أما ابن الرشيد فبعد أن شغل مدافعه بضع ساعات دون طائل شد في صباح اليوم التالي للرحيل، فتركه ابن سعود يرحل إبله ويحمل أطوابه، وعندما مشى هو ورجاله وعسكر الترك خرجت الخيل للمفاجأة، ومشى الجند السعودي من القصر وراءها، فأدركوا العدو في وادي الرمة.
أناخ ابن الرشيد هناك وجمع جيوشه ، ثم نصب المدافع وبنى بيوت الحرب
5
فتهاجم الفريقان وتقارعا حتى منتصف النهار، وكانت الغلبة إذ ذاك لابن الرشيد، ولكن ابن سعود عندما رأى جانحه الأيمن متقهقرا هجم بقومه هجمة الاستبسال وهدم بيوت الحرب، فاشتد الضرب والطعان، فولت عساكر الترك الأدبار، ثم انهزم ابن الرشيد وفر ورجاله هاربين.
أراد ابن سعود أن يتعقبهم ولكن الحملات وأموال
6
البادية حالت دون ذلك فشغلوا عنهم بها. شرعوا ينهبون وظلوا كذلك حتى جن الليل، ثم عادوا في اليوم الثاني والثالث والرابع، بل استمروا عشرة أيام يجمعون مما ترك ابن الرشيد وعسكر الدولة في ساحة القتال من الأمتعة والذخائر، والأسلحة والمؤن، والفرش والثياب، ناهيك بالإبل والغنم. وقد وجدوا بين تلك الأحمال صناديق من الذهب حملوها إلى عنيزة مقر ابن سعود فوزعها مثل بقية الغنائم على رجاله ولم يأخذ منها شيئا لنفسه. إنها لغنيمة عظيمة فقد كانت قسمة الواحد من الذهب والجمال فقط تتراوح بين المائة والمائة والخمسين ليرة عثمانية وبين العشرة والعشرين بعيرا.
Unknown page