17
فاحتلها بالاتفاق مع أهلها، فجاء عبد الله بن سعود بجيشه يخرجه منها، ولكن عبد الله مثل طوسون من أولئك القواد الذين يضعفون ما عندهم من قوة بما ينقصهم من زعامة وإقدام. وقف الضعيفان في القصيم وقفة المنازل الراغب في الصلح المتظاهر بعكس رغبته، فتناوشت الجنود وتقهقرت، وتخاذلت، وتقاعست، حتى سئم أولو العزم في الجانبين الحالة وقام منهم من يطالب بشيء يشفع بتردد القائدين وتذبذبهما. قال أهل نجد لعبد الله: اخرج إلى طوسون أو اخرج عليه؛ أي صالحه أو حاربه. وقد توفق الفريقان إلى عقد صلح فيه تعهد المصريون أن يخرجوا من نجد، وتعهد النجديون أن يأذنوا بالحج، ويؤمنوا السبل، ويرجعوا ما سلب من الحجرة النبوية.
عاد طوسون بجيشه إلى المدينة ومعه وفد من أهل نجد يحمل معاهدة الصلح إلى محمد علي ليصدق عليها. وكان محمد علي قد رحل فتبعه الوفد إلى مصر، قال ابن بشر: «وصل الوفد إلى مصر ورجع منها وانتظم الصلح.» والقول مبتسر؛ فقد تعاكست الأقدار على الجميع في هذه السنة، فلا خدمت أهل نجد ولا خدمت خصمهم. أمر محمد علي ابنه طوسون بالرجوع إلى بلاده، وقد مات بعد بضعة أشهر في الإسكندرية (1231ه / 1815م)، قيل: من مرض غشاه في الحجاز ، وقيل: من استرساله في اللذات. وفي هذه السنة أيضا توفي عدو النجديين الآخر الشريف غالب وهو في منفاه بسالونيك. وكان صاحب مصر قد نقض عهد الصلح الذي أقره
18
وجهز ابنه إبراهيم بحملة جديدة على أهل نجد.
كان إبراهيم صلب العود، شديد البطش ثابتا في عزمه ومقاصده، ولكنه لم يكن ماهرا في تعبئة الجنود، ولا كان باهرا في المفاجآت الحربية، إنما كان جلدا كدودا، بطيء منشأ الفكر، سريع منشأ الهوى، إرادته من حديد، وقلبه مثل إرادته.
جاء وهو في السابعة والعشرين من سنه يطوي بساط الجزيرة؛ ليصل إلى قلبها الملتهب فيطفئ النار فيه ويفرغ منه الحياة، جاء بجيش لا يتجاوز الأربعة آلاف وفيهم الألباني والمغربي والسوداني، وقد أضاف إليهم في مروره بالصعيد ألفين من الفلاحين للأشغال والخدمة.
وكان معه مهندس إفرنسي
19
وأربعة أطباء وصيادلة إيطاليين
Unknown page