قبل الأمير قولها «وقذف الله في قلبه محبة الشيخ ومحبة ما دعا إليه.» فأراد أن يدعوه للمقابلة، فقال أخوه مشاري: «سر برجلك وأظهر تعظيمه وتوقيره ليسلم من أذى الناس.» فسار محمد بن سعود إلى بيت ابن سويلم ورحب بابن عبد الوهاب قائلا: «أبشر ببلد خير من بلادك وبالعز والمنعة.» فقال الشيخ: «وأنا أبشرك بالعز والتمكين إذا عاهدتني على كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم.»
وفي ذاك اليوم عقد العهد الذي جمع بين عقيدة المصلح وسيادة الأمير - بين المذهب والسيف - فتعهد ابن سعود بنشر دين التوحيد في البلاد العربية، وتعهد ابن عبد الوهاب بأن يقيم في الدرعية معلما، وأن لا يحالف أميرا آخر من أمراء العرب.
ولا يزال هذا العهد مرعيا بين البيتين؛ بيت سعود وبيت الشيخ
4
حتى اليوم.
كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العقد الرابع من العمر عندما بايع ابن سعود (1157ه / 1744م) على أن يكون إماما يتبعه المسلمون، وتعاهد الاثنان على كلمة التوحيد ونشرها بين العرب.
ولما علم الأمير عثمان بن معمر بذلك جاء يسترضي صديقه ويسأله الرجوع إلى العيينة فلم يفز ببغيته؛ ذلك لأن الشيخ عاهد ابن سعود على أن يقيم في الدرعية، فجعلها مقره الدائم، فأصبحت في الشطر الثاني من حياته قطب دين التوحيد، ومطلع أنوار العلم التي كانت تنبثق من شمسه المشرقة. فقد تخرج عليه أناس كثيرون كان يرسلهم إلى البلدان القاصية والدانية مبشرين معلمين مرشدين منذرين.
كانت الدرعية يومئذ بلدة صغيرة قليلة أسباب الرزق والثروة. ولما كثر الوافدون على الشيخ ضاق بهم العيش فكانوا يحترفون في الليل ويتعلمون في النهار. وما دنا القرن الثاني عشر من الزوال حتى أصبحت أكبر مدينة في البلاد العربية، يقيم فيها العرب من اليمن وعمان ومن الحجاز والعراق والشام.
قد رأى ابن بشر الدرعية في زمن سعود بن عبد العزيز، فدهش مما شاهده من مظاهر الثروة والعمران. وقد وصف موسمها فقال: «نظرت إلى موسمها وأنا في مكان مرتفع وهو في الموضع المعروف بالباطن بين منازلها الغربية التي لآل سعود المعروفة بالطريف، وبين منازلها الشرقية المعروفة بالبجيري التي فيها أبناء الشيخ، ورأيت موسم الرجال في جانب، وموسم النساء
5
Unknown page