Tarikh Nahw Carabi
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
Genres
لست أنا في الغالب الذي يبادر في هذه التأملات الاستكشافية؛ إنما هي الكتب التي تمسك بزمام المبادرة، فهي التي تتحدث. وما أقوله أنا هو نوع من إشارات الطريق، وكما يقول الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر؛ فإن إشارات الطريق غير مهمة بالمقارنة مع ما يجري في الطريق ذاته. إنها تظهر بين الفينة والأخرى على جانب الطريق؛ لكي تشير وتختفي من جديد حين نمر بها.
الفصل الأول
مدخل
مضى حتى الآن زمن منذ انتهى بعض الباحثين من وضع تصور عام يشمل مجمل القضايا والمسائل والأفكار التي تمت بصلة إلى علم النحو العربي. وقد صنفوها في المجمل إلى اتجاهين. ووفقا لهذا التقسيم، فإن القضايا والمسائل التي تنتمي إلى ما يعرف بالنحو التعليمي تهدف إلى غاية تعطي النحو تصورا معينا، وهي الغاية التي يجري الحديث عنها تحت فكرة صيانة اللغة.
يوصف مفهوم النحو التعليمي الفكرة الجوهرية في التراث النحوي العربي الكلاسيكي التي ترى أن دراسة النحو تؤدي دورا فاعلا في تجنب الخطأ اللغوي إذا ما حددت مجموعة من القواعد؛ لذلك فقد يعرف بالنحو المعياري، ولأنه يعنى بمكونات التركيب، فإنه قد يعرف بالنحو التحليلي .
أما مجموعة القضايا والأفكار والمسائل الأخرى التي لها صلة بمعاني الجمل اللغوية وتركيبها، ووصف النظام اللغوي؛ فتقع ضمن الاتجاه الآخر الذي يعرف بالنحو العلمي، وهو مفهوم يوصف دراسة النظام اللغوي وتركيب الجمل ومعانيها العامة؛ لذلك فقد يعرف بالنحو الوصفي.
وعلى الرغم من أن هذا التقسيم له جذوره التاريخية العميقة، فإنه لم يعرف ويبلور إلا في القرن الماضي (القرن 20) عندما عرضت قضية «تجديد النحو»، واطلع على تطور مناهج الدراسات اللغوية الغربية، والتعارض الذي قام بين من يريد تجديد النحو أو بقاءه في صورته الكلاسيكية.
غير أن الملاحظ أن كلا الاتجاهين التعليمي والعلمي تجاهلا تاريخ النحو؛ ذلك أن الحيز الذي أفرد للحديث عن قضايا ومشكلات ومسائل النحو العامة أو التفصيلية واسع، وارتبط في الغالب بحياة هذا النحوي أو ذاك لا سيما في الرسائل الجامعية، إلى حد يحق للمرء أن يتحدث عن معتقد علمي جامعي يبدأ بحياة النحوي عند الحديث عن النحو، وقد تدرب جيل كامل على هذا.
يتضمن هذا التناول - الذي يبدو أن حسا مشتركا يحكمه - مسلمات أبرزها فكرة أن تاريخ النحو مرتبط بتاريخ النحاة. وقد كفت هذه المسلمة تاريخ النحو عن أن يكون تاريخا لعلم النحو ذاته. ولم يعد السؤال سؤال النحو من حيث هو علم، إنما سؤال النحوي من حيث هو عالم.
لن أبدأ برفض تصور تاريخ النحو الذي يربطه بتاريخ النحاة، ولن أتعامل معه كخصم للتاريخ الذي اقترحه لعلم النحو؛ لذلك لن أتجاهله، إنما سآخذه مأخذ الجد، وسأبحث عبره وأنطلق منه؛ لذلك يجب أن أبدأ باعتراف هو وجود طيف لتاريخ النحو؛ أعني تاريخ النحو في شكله التقليدي الذي يؤرخ للنحاة وطبقاتهم وتراتبهم ومدنهم وأقاليمهم. غير أن حصة تاريخ النحو قليلة في هذا الإجراء الذي يعجز عن أن يدرك البعد التاريخي للنحو من حيث هو موضوع تاريخ النحو.
Unknown page