Tarikh Misr Hadith
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
وفي سنة 27ه غزا عبد الله بن سعد إفريقية؛ فقتل ملكها جرجير، وضم البلاد إلى حكمه.
وفي سنة 28ه غزا قبرص مع معاوية بن أبي سفيان؛ فصالحهم أهلها على جزية سبعة آلاف دينار، كل سنة يؤدون إلى الروم مثلها لا يمنعهم المسلمون من ذلك، وعليهم أن يؤذنوا المسلمين أن يجعلوا طريقهم إلى العدو إليهم.
وفي سنة 31ه نقضت بلاد النوبة؛ فغزاها عبد الله بن سعد، وحصر رجالها في دنقلة حصارا شديدا، ورماهم بالمنجنيق، ولم تكن النوبة تعرفه، وخسف بهم كنيستهم بحجر؛ فبهرهم ذلك، فطلب ملكهم «قليدوروث» الصلح، وخرج إلى عبد الله، وأبدى ضعفا وتواضعا؛ فتلقاه عبد الله ورفعه وقربه، ثم قرر الصلح معه على ثلاثمائة وستين رأسا في كل سنة، وفي هذه السنة غزا ذا الصواري أيضا. (2-1) مقتل عثمان
وفي سنة 33ه كثرت الإشاعة بالأمصار بالطعن على عثمان وعماله، وكتب بعضهم إلى بعض في ذلك، وتوالت الأخبار إلى أهل المدينة فجاءوا إلى عثمان وأخبروه، فلم يجدوا عنده علما منه؛ فقال: «أشيروا علي، وأنتم شهود المؤمنين.» قالوا: «تبعث من تثق به إلى الأمصار يأتوك بالخبر اليقين.» ففعل؛ فجاءته الأخبار، فكتب إلى أهل الأمصار: «إني قد رفع إلي أهل المدينة أن عمالي وقع منهم أضرار بالناس، وقد أخذتهم أن يوافوني في كل موسم، فمن كان له حق فليحضر يأخذ بحقه مني أو من عمالي، أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين.»
وفي سنة 35ه بعث إلى عمال الأمصار فقدموا إليه في الموسم، وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر، فقال الخليفة: «ويحكم ما هذه الشكاية والإذاعة؟ وإني أخشى والله أن يكونوا صادقين، وإنما الأمر كائن، وبابه سيفتح، ولا أحب أن يكون لأحد علي حجة في فتحه، وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا.» فسكنوا الناس، وبينوا لهم حقوقهم، ثم قدم المدينة ودعا عليا وطلحة والزبير ومعاوية حاضر؛ فكلمهم، فأظهروا له وجه إجحافه بالحقوق.
وكان عبد الله بن سعد قد استخلف على مصر عند قدومه إلى عثمان عقبة بن عامر، وكان فيها محمد بن أبي حذيفة ممن ثاروا على عثمان، فجمع إليه عصبة، وأخرج عقبة بن عامر من الفسطاط، ودعا إلى خلع عثمان، وأسعر البلاد، وعرض على عثمان بكل شر يقدر عليه، فاعتزلته شيعة عثمان ونابذوه، وهم: معاوية بن حديج، وخارجة بن حذافة، وبسر بن قرطاط، ومسلمة بن مخلد في جمع كثير، وبعثوا إلى عثمان بأمرهم، وما صنعه ابن أبي حذيفة؛ فبعث سعد بن أبي وقاص يصلح أمرهم؛ فخرج إليه جماعة فقلبوا فسطاطه وشجوه وسبوه، فركب وعاد راجعا، ولما أقبل عبد الله بن سعد من مكة منعوه أن يدخل؛ فانصرف إلى عسقلان.
وازداد المسلمون تعصبا على عثمان، فتكاتبوا من أمصارهم في القدوم إلى المدينة خفية، فخرج المصريون وفيهم عبد الرحمن بن عديس البلوي في ألف، وخرج أهل الكوفة والبصرة، وكلهم في مثل عدد أهل مصر، وخرجوا جميعا في شوال مظهرين للحج، فلما أتوا المدينة واجه المصريون عليا، وهو عند أحجار الزيت، فعرضوا إليه أمرهم فصاح بهم وطردهم، وفعل مثل ذلك طلحة مع البصريين، وزبير مع الكوفيين؛ فانصرفوا إلى بعد.
فتفرق أهل المدينة ظنا منهم أن القوم قد رجعوا عن مرادهم فلم يشعروا إلا والتكبير في نواحيها، وقد أحاط المصريون بعثمان، ونادوا بأمان من كف يده فغدا عليهم علي فقال: «ما ردكم بعد ذهابكم؟» قالوا: «أخذنا كتابا مع بريد بقتلنا، والكتاب موقع عليه من عثمان!» فدخل علي على عثمان، وأخبره برجوع المصريين ؛ فأشرف عثمان على الجمع وخطب فيهم يريد زجرهم، فنادوه من كل ناحية: اتق الله يا عثمان، وتب إليه. وكان أولهم عمرو بن العاص، فرفع الخليفة صوته، وقال: «أنا أول من اتعظ، وأستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه، فليأت أشرافكم يروني رأيهم، فوالله إن ردني الحق عبدا لاستن بسنة العبد، ولأذلن ذل العبد، وما عن الله مذهب إلا إليه، فوالله لأعطينكم الرضا ولا أحتجب عنكم.» ثم بكى وبكى الناس، ورجع إلى منزله، فدخل عليه علي ومحمد بن مسلمة، وسألوه عن اعتراضه على ما يقوله أهل مصر؛ فحلف ما كتب ولا علم، ثم دخل عليه المصريون، وقالوا له: «جئنا لقتلك فردنا علي ومحمد، وضمنا لنا النزوع عن هذا كله فرجعنا، ولقينا رسولك ناقلا كتابا وفيه أمرك لابن أبي سرح (ولم يكونوا عالمين بأعمال ابن أبي حذيفة) بجلدنا والمثلة بنا، وهو بيد غلامك، وعليه خاتمك.» فحلف عثمان لا كتب ولا أمر ولا علم. فقالوا: «كيف يجترأ عليك بمثل هذا؟ فقد استحققت الخلع على التقديرين؛ إذ لا يحل أن يولى الأمور من ينتهي إلى هذا الضعف، فاخلع نفسك.» فقال: «لا أنزع ما ألبسني الله، ولكني أتوب وأرجع.» وقالوا: «رأيناك تتوب وتعود، فلا بد من قتلك.» وخرجوا.
وبقي محصورا أربعين يوما منع عنه الماء في أواخرها، وفي 18 ذي الحجة دخل عليه أربعة - فيهم محمد بن أبي بكر - فقتلوه والقرآن في يده؛ فتخضب بالدماء، وهجمت نائلة امرأته لتحميه بيدها؛ فأصيبت بضربة قطعت أصابعها، وبقي في بيته ثلاثا، ثم جاء حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم إلى علي فأذن لهما بدفنه، فخرجا به، ومعهما الزبير، والحسن، وأبو جهم بن حذيفة، ومروان؛ فدفنوه في حش كوكب، بعد أن تولى الخلافة 12 سنة إلا 12 يوما.
ولما علم أهل مصر بقتل عثمان ثار المتشيعون له فيها، وعقدوا لمعاوية بن حديج، وبايعوه على الطلب بدم عثمان؛ فساروا إلى الصعيد، فبعث إليهم ابن أبي حذيفة خيلا فهزمت، ومضى ابن حديج إلى برقة، ثم رجع إلى الإسكندرية؛ فبعث إليه ابن أبي حذيفة جيشا آخر ، فالتقى به في خربتا في أول شهر رمضان سنة 36 فاقتتلوا، وكانت النصرة لشيعة عثمان، وانهزم الجيش، وأقامت شيعة عثمان في خربتا. (3) خلافة علي بن أبي طالب (من سنة 35-41ه/655-661م)
Unknown page