229

Tarikh Misr Hadith

تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

Genres

أما واجبات الديوان الكبير فهي المفاوضة والإقرار على ما يتعلق بالأشغال العمومية التي لا تتعلق إدارتها بالباب العالي نفسه. أما أعضاء هذا الديوان فهم آغاوات الوجاقات الستة ودفترداريوها وروزنامجيوها، ونواب من جميع فرق الجيوش وأمير الحج وقاضي القضاة وأعيان المشايخ والأشراف والمفتون الأربعة والأئمة الأربعة والعلماء. أما المخاطبات التي ترد إلى هذا الديوان فتعنون باسم الديوان الكبير لكنها تسلم للباشا، وله وحده الحق أن يأمر بعقد جلساته ولم تكن كثيرة. أما جلسات الديوان الأصغر فكانت تنعقد يوميا في قصره، وأعضاء هذا الديوان هم كخيا الباشا ودفترداره وروزنامجيه ونائب من كل من الوجاقات والآغا وكبار ضباط وجاق المتفرقة. ومن واجبات هذا الديوان النظر في الحوادث اليومية، ومن اختصاصاته البحث في الإدارات الثانوية.

وأنشأ السلطان سليمان فضلا عن الستة الوجاقات التي أنشأها أبوه وجاقا سابعا دعاه وجاق الشراكسة وهم بقية جند المماليك. ومن هذه الوجاقات السبعة تتألف حكومة مصر وحاميتها. أما نفقاتها فمن مخصصات يتولى ضبطها وتفريقها «أفندي» من كل وجاق. وجعل لكل وجاق مجلسا مؤلفا من ضباط ذلك الوجاق وبعض صف ضابطانه؛ لمحاسبة الأفندية والنظر في الدعاوي الخصوصية وعرض الترقيات للباشا للمصادقة عليها. ومقامهم في القاهرة، ولكل منهم لباس خاص برتبته وعليه علاماته. ومجموع رجال الوجاقات معا عشرون ألفا وقد يزيد أو ينقص حسب الاقتضاء. أما مقرهم ففي القاهرة، على أنهم كثيرا ما كانوا يخرجون منها للمهمات في المديريات. وكان لوجاق الإنكشارية امتيازات على سائر الوجاقات، وقائده (الآغا) مفضل على سائر القواد وله نفوذ عليهم.

وجعل السلطان سليمان للبكوات المماليك الذين أقامهم السلطان سليم امتيازات خصوصية وحقا بالارتقاء إلى رتبة الباشوية. وأضاف إليهم 12 بيكا آخرين لمهمات فوق العادة. وهاك أسماء الموظفين الذين ينتخبون من البكوات المماليك وهم: الكخيا أو نائب الباشا والقبابطين الثلاثة، وهم قومندانات ثغور السويس ودمياط والإسكندرية، ويسمى واحدهم قبطان بك، والدفتردار وأمير الحج وأمير الخزنة وحكمداريو أو مديريو المديريات الخمس الآتي ذكرها، وهي: جرجا والبحيرة والمنوفية والغربية والشرقية. ولم يكن لغير الكخيا والدفتردار وأمير الحج الحق في دخول الديوان؛ فالدفتردار كان عليه ضبط الحسابات وحفظ الدفاتر والسجلات، ولا ينفذ أمر بيع عقار إلا بعد توقيعه عليه إشارة إلى تسجيله في دفاتره. وأمير الحج يحمل الهدايا والصدقات التي كانت يرسلها السلطان سنويا إلى مكة أو المدينة، وعليه حماية قافلة الحج ذهابا وإيابا. وأما أمير الخزنة فيحمل القسم المختص بالقسطنطينية من حاصلات مصر برا وعليه حمايته. وينتخب من البكوات المماليك أيضا شيخ البلد. وسنعود إليه.

وكانت مديريات القليوبية والمنصورة والجيزة والفيوم في عهده كشاف لا فرق بينهم وبين البكوات في النفوذ. ولا يعمل بإقرار أحدهم إلا بعد مصادقة الشربجية وغيرهم من الوجاقليين الذين يتألف منهم ديوان خاص في كل مديرية.

ثم إن تعيين كخيا الباشا وقباطين السويس ودمياط والإسكندرية متعلق رأسا بجلالة السلطان، فيرسلونهم من الأستانة، ويستدعونهم إليها في آخر كل سنة. أما البكوات الآخرون فيعينهم الديوان ويوليهم الباشا، ويثبتهم الباب العالي. ومراكزهم ثابتة إلا أن واجباتهم تتغير إلا الدفتردار. وقد ينتخب البكوات من وجاق المتفرقة، ومتى انتخبوا لا يعودون تابعين لذلك الوجاق. وكان من هم الباب العالي الانتباه إلى السويس ودمياط والإسكندرية على الخصوص؛ لأنها الأبواب التي يدخل منها إلى مصر؛ فكان يرسل حاميتها رأسا من الأستانة تحت قيادة القبابطين ويجددها كل سنة، وهؤلاء القبابطين لم يكونوا يحسبون من جند مصر إلا باعتبار إقامتهم فيها، وبما ينالونه من الإمدادات المالية لنفقاتهم. أما فيما خلا ذلك فكانوا يحسبون أجانب في اعتبار الباشا وديوان مصر، ولم يكونوا تحت أوامر حكومة البلاد في شيء؛ فأوامرهم كانت ترد إليهم من ديوان الأستانة رأسا. (3-2) حاصلات البلاد

هذا من قبيل الإدارة، أما من قبيل حاصلات البلاد، فإن السلطان سليمان صرح بأنه المالك الحر لأرض مصر؛ فكانت له ملكا، وكان يفرقها إقطاعات على مزارعين كان يدعوهم «الملتزمين»، على أنه لم يكن له أن يمنع إقطاعها أو يوقفه فلم يكن بالحقيقة فرق بين هذه الإقطاعات والملك الحقيقي. والفلاحون الذين كانوا يحرثون الأرضين كانوا يتمتعون بنصيبهم منها ويورثونها لأعقابهم. ولكنهم كانوا مجبورين على العمل فيها بدون حق التصرف بها، وعليهم خراج لا مناص من دفعه للملتزمين، فإذا توفي فلاح بلا وريث تعطى أرضه للملتزم، وهو يعهد بحراثتها إلى من يشاء، وإذا مات الملتزم بلا وريث تعود الأرض للسلطان. وكان على كل من الملتزمين والفلاحين خراج يدفعونه إما نقدا وإما عينا، فإذا تأخر الفلاح عن الدفع يمنع من نيل نصيبه وإذا تأخر الملتزم تؤخذ الأرض منه. ونظرا لاتساع أرض مصر لم يمكن حصر أملاك كل من الملتزمين؛ فلم يكن ممكنا تعيين مقدار خراجها، فأرسل السلطان سليمان مساحين مسحوا الأرضين المصرية فقسموا المديريات إلى أقسام دعوها بالقراريط ومسحوا كلا منها على حده وحدوده. (3-3) باشوات مصر أو ولاتها أيام السلطان سليمان

كل هذه النظامات الإدارية والمالية أجراها السلطان سليمان بالتتابع بواسطة الباشوات الذين أقامهم على مصر مدة حكمه وعددهم 14. أولهم مصطفى باشا تولى بعد وفاة خير بك باشا في ذي الحجة سنة 926ه، وبعد تسعة أشهر و25 يوما أبدل بأحمد باشا وكان عدوا للصدر الأعظم إبراهيم باشا، فأسر الصدر سنة 930ه إلى أمراء القاهرة أن يقتلوه، فعلم هو بالدسيسة فقبض على الكتب الواردة بذلك قبل أن تصل إلى أصحابها، ثم استدعاهم وأعلنهم أنها أوامر من جلالة السلطان بقتلهم، ولم يطلعهم عليها فأبوا الإذعان، إلا أن إباءهم لم يمنع قتلهم.

ولما تأكد أحمد باشا أنه صار في مأمن من المقاومين صرح باستقلاله، وأمر أن يخطب له وأن تضرب النقود باسمه، وهو أول من طمع بالاستقلال من ولاة مصر في عهد الدولة العثمانية. لكنه بالغ بالعسف فاختلس ممتلكات البعض وحبس البعض فثارت الأفكار عليه حتى أصبحت حياته في خطر. وبينما كان ذات يوم في الحمام فاجأه أميران من أمرائه كان قد أمر بسجنهما وهما جهم الحمزاوي ومحمود بك، فكسرا باب السجن وخرجا رافعين العلم الشاهاني يستنصران الناس حتى أتيا الحمام، فعلم الباشا بذلك ففر من السطح والتجأ إلى أحد مشايخ عربان الشرقية واسمه ابن بقر، فتعقبه أعداؤه حتى أدركوه وقطعوا رأسه وعلقوه على باب زويلة، ثم نقل إلى الأستانة سنة 931ه.

فأرسل السلطان عوضا عنه قاسم باشا، وفي نيته تقصير مدة هؤلاء الولاة؛ لئلا يثور في خواطرهم حب الاستقلال، فبعد تسعة أشهر و14 يوما استبدله بإبراهيم باشا، وكان نشيطا محبا للإصلاح والنظام إلا أن قصر مدته لم يمكنه من إتمام ما كان شارعا فيه، فعزل وأقيم بدلا منه سليمان باشا سنة 933ه، وكان السلطان راضيا عن هذا الباشا واثقا به فأبقاه في الحكم تسع سنوات و11 شهرا.

وفي سنة 941ه استقدمه إلى الأستانة ليسلمه قيادة حملة أعدها لمحاربة الفرس والهند، وقد أقام في أثناء حكمه بنايات كثيرة من جملتها جامع سارية في القلعة. وناب عنه في غيابه خسرو باشا نحو سنة وعشرة أشهر فعاد سليمان باشا إلى مصر، وبقي عليها بعد ذلك نحو سنة وخمسة أشهر.

Unknown page