Tarikh Misr Hadith
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
يتصل نسب العثمانيين بالتتر الذين كانوا يقطنون ما يجاور جبال الناي عند حدود الصين الشمالية، ويغلب على الظن أنهم الإسكثيون المعروفون قديما بالشجاعة وشدة البأس. ويقال إن جماعة منهم ينتبسون إلى جد يقال له «ترك»، نزحوا غربا في الجيل الأول للميلاد وأقاموا فيما هو الآن بلاد تركستان، ويحدها شمالا سيبريا، وجنوبا بخارا، وشرقا حدود الصين، وغربا بحيرة أورال، وهي مشهورة بجودة الإقليم وخصب المرعى وجمال السكان وقوة أبدانهم.
وما استتب لهم المقام في تركستان حتى أخذوا يمدون سلطتهم وهم لا يزالون في حالة الجاهلية. ولم يعتنقوا الديانة الإسلامية إلا في أواسط القرن الرابع للهجرة، وأشهرهم طائفتان كبيرتان تعرفان بالأغوزية والسلجوقية.
وكان الأتراك السلجوقيون يقيمون في ما يجاور بخارا، ثم اشتدوا وأنشئوا مملكة مستقلة شاسعة الأطراف يحدها بحر قزوين من جهة وبحر الروم من جهة أخرى، عواصمها فرسبوليس (إصطخر) وقرمان ودمشق وحلب ورومية في آسيا الصغرى. ثم افتتحوا جانبا من بلاد فارس. ثم هددوا إمبراطور الروم، وتغلبوا عليه حتى اضطر إلى تقبيل الأرض بين يدي ألب أرسلان ملك السلجوقيين.
وفي القرن الثالث عشر للميلاد كانت سلطة السلجوقيين منتشرة في آسيا الصغرى، وسلطانها علاء الدين ومقره مدينة قونية.
وظهر في أثناء ذلك جنكزخان القائد المغولي، وغزا قبائل الأتراك المقيمين في تركستان، فأذعنوا له إلا قبيلة أوغوزية من قبائل خراسان، هاجرت تحت قيادة أمير يدعى سليمان تطلب مقاما لها ومرعى لمواشيها. وما زالوا يسيرون غربا حتى حدث وهم يعبرون الفرات أن أميرهم سقط بجواده في النهر ومات فدفنوه هناك - وهو جد ساكن الجنان السلطان عثمان الغازي - فأصبحوا بعده جماعات متفرقة، فاتخذ ابنه أرطغرل قيادة جماعة منهم وسار بهم يخترق آسيا الصغرى. وهو في بعض السهول شاهد عن بعد غبارا متصاعدا وحربا قائمة فتقدم على نية الانتصار لأضعف الفئتين ففعل وهو لا يدري لمن ينتصر فقيض الله النصر له وتقهقرت الفئة الأخرى، ثم علم أنه انتصر للسجلوقيين وقهر المغوليين فشكر الله على ذلك.
فنال بذلك منزلة رفيعة لدى علاء الدين، فأقطعه بقعة كبيرة يقيم فيها برجاله على حدود فريجيا ويثينيا، وكانت أرضا جيدة ذات مرعى خصب. وفي تلك البقعة نشأ ابنه عثمان وشب وترعرع. وما زال أرطغرل تحت رعاية علاء الدين حتى توفي هو فخلفه عثمان. ثم توفي علاء الدين بغير ولد، فاقتسم أمراؤه مملكته فاستقل عثمان بما لديه سنة 1300م، وهو أول أمراء دولة آل عثمان.
شكل 1-1: السلطان عثمان الغازي.
ومن التقاليد المأثورة بين العثمانيين أن عثمان هذا عشق وهو شاب فتاة تدعى «مال خاتون»، وكان والدها شيخا تقيا ورعا طاعنا في السن اسمه أدبالي، فلما شعر بمحبة عثمان لابنته خاف العاقبة وصار يحاول إبعادهما الواحد من الآخر، وبالغ في حجاب ابنته؛ لأنه لم يكن يطمع بمصاهرة ابن حاكمه.
فجاء عثمان ذات ليلة ليبيت في منزل أدبالي وقضى معظم الليل هاجسا بحبيبته حتى غلب عليه النعاس، فرأى في الحلم كأن القمر خارج من صدر أدبالي ثم رآه يتسع بسرعة حتى غطى كل ما كان واقعا تحت نظره من الأرض. ثم أخذ في التقلص حتى عاد إلى حجمه الأول وارتد إلى صدر أدبالي كما كان. ثم رأى شجرة عظيمة خارجة من صلب أدبالي، وأخذ ظلها يمتد حتى غطى البر والبحر وتراءى له أن أنهر دجلة والفرات والدانوب والنيل خارجة من أصل تلك الشجرة. وجبال قوقاس وأطلس وطورس وهيموس يستظل بأغصانها، ورأى أوراقها تستطيل وتستدق حتى صارت كالسيوف، ورءوسها مصوبة إلى أشهر عواصم العالم وخصوصا القسطنطينية الواقعة عند ملتقى القارتين ومجتمع البحرين. وخيل له أنها جوهرة بين زمردتين وياقوتتين مصطنعة في فص خاتم، وأنه هم أن يجعل ذلك الخاتم في إصبعه فاستيقظ مبغوتا. فأخبر أدبالي في الصباح بما كان فاستبشر بما سيكون من مستقبل ذلك الشاب، وأنه سيملك القسطنطينية.
وما انفك خلفاء عثمان كلما اتسع سلطانهم يزدادون ثقة بمآل ذلك الحلم، وقد حاول بعضهم فتح القسطنينية فرجع ولم ينل وطرا، حتى ظهر محمد الفاتح السلطان السابع من سلاطين آل عثمان، وبينه وبين صاحب الحلم نحو 160 سنة؛ ففتحها بعد أن يئس المسلمون من فتحها.
Unknown page