Tarikh Misr Hadith

Jurji Zaydan d. 1331 AH
217

Tarikh Misr Hadith

تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

Genres

ويعرف خوش قدم هذا بالرومي؛ لأنه كان يوناني الأصل، وبالناصري؛ لأنه كان من مماليك الملك الناصر، وكان محبا للآداب اليونانية محافظا عليها، وكان حكيما بارا حليما محبا لرعيته ساهرا على راحتهم، ولم يكن يستوزر إلا الذين اختبر نزاهتهم ونشاطهم، فأحبته الرعية، وأجمعوا على طاعته، والإخلاص له، ويقال بالجملة: إن هذا السلطان من أفضل سلاطين مصر، وقد اقتدى به رجال دولته. أما الخليفة فلم يكن يتجاوز سلطته الدينية، فحكم خوش قدم ست سنوات ونصف كلها سلام ونعيم، وتوفي في 10 ربيع أول سنة 872ه وسنه ستون سنة فأسف عليه الناس كثيرا.

وكان حسن الشكل معتدل القامة مترك الوجه أحمر اللون مستدير اللحية ضخم الجسم شائب اللحية فصيح اللسان بالعربية، وكان ماشيا على النظام القديم تابعا لطريقة الملوك السالفين في إقامة المواكب في القصر الكبير والمبيت به في كل ليلة، وكان سائرا على خطة أستاذه الملك المؤيد شيخ في كسر السد بنفسه، ولبس الصوف في المطعم، وكان كثير الرمايات في كل سنة، ويشق في القاهرة المواكب الجليلة، وكان يطيف المحمل في كل سنة في رجب، وتسوق الرماحة على جاري العادة أربعين يوما، ثم يلبسون الأحمر، وتزين القاهرة ثلاثة أيام، ويخرج الناس في ذلك عن الحد بالقصف والخلاعة، وكانت أيامه كلها لهوا، ولم يجئ في أيامه الطاعون بمصر، ولا جرد تجريدة إلى البلاد الشامية، وكان متأنفا في ملبسه فصنع ركبا ومهاميز من ذهب، وكان يلبس السمور الأسود بلون الحبر، وكان يلبس القباء الصوف الفاخر، ويبطنه بالمخمل الأحمر الكفوي. (16) سلطنة الملك الظاهر بلباي ثم الظاهر تمر بغا (من 872-872ه/1467-1467م)

فبايعوا أبا سعيد بلباي، ولقبوه بالملك الظاهر، فكان سميا لسابقه بالاسم لا بالفعل، فجاء من السيئات أكثر مما جاء من الحسنات؛ لأنه كان مستبدا عاتيا لا يغادر كبيرا ولا صغيرا، فكرهته الناس، ولم يمض 66 يوما من توليته حتى خلعوه، وذلك في 17 جمادى الأولى من تلك السنة.

وبايعوا الأمير أبا سعيد تمر بغا الملقب بالظاهري، ولقبوه بالملك الظاهر أيضا، فكان حظه من الملك كحظ سلفه؛ لأنه خلع بعد شهرين من توليته، وبايعوا الأمير قايت باي الملقب بالمحمودي وبالظاهري، ولقبوه بالملك الأشرف. (17) سلطنة الملك الأشرف قايت باي (من سنة 872-901ه/1467-1495م)

فتوالى على مصر في سنة 872ه أربعة سلاطين. أما السلطان الأخير فمكث على سرير السلطنة مدة طويلة رغم ما كانت عليه البلاد من الاضطراب، وكان قايت باي مملوكا محررا من مماليك جقمق، وكان لعلو همته وحسن سياسته قابضا على أزمة الأحزاب، فكانت البلاد آمنة مطمئنة، إلا أنها اضطربت بخبر انتصار محمد الثاني العثماني على أوزون حسن ملك الفرس، وكان بين الفرس والمصريين تحالف؛ فتنبأ قايت باي أن ذلك التحالف سيكون سببا لعزم العثمانيين على فتح سوريا. فأرسل حامية كبيرة إلى الحدود، فأجل العثمانيون عزمهم؛ لاشتغالهم بحروبهم في أوروبا.

أما قايت باي فخاف سوء العقبى، ولم ير سبيلا لرفع التبعة عنه إلا بالتنازل عن الملك، فأدرك الأمراء شدة احتياجهم إليه في مثل تلك الأحوال فأجبروه على قبول السلطنة، ولم يكد يعلوها حتى جاءته الأنباء بانتصار محمد الثاني على الإفرنج، وعزمه على فتح سوريا، وذلك سنة 885ه، لكنه لم يخرج من بر الأناضول حتى داهمته المنية في مدينة طيقور جابر، وتخاصم ابناه بيازيد وجم (أوزيزم) على الملك فشغلا عن الفتح فاغتنم قايت باي تلك الفرصة، وانسحب بجيشه إلى مصر.

وما زال الخصام يتعاظم بين ابني محمد حتى كانت بينهما واقعة يكي شهر فانهزم جم حتى أتى مصر فالتجأ إلى قايت باي فأكرم وفادته، ثم علم أن ذلك الإكرام يهيج حاسة الانتقام في بيازيد. فقال في نفسه: «إذا كان لا بد لنا من محاربة العثمانيين فلنكن مهاجمين أولى من أن نكون من مدافعين.» فجعل يناوئ الأتراك، ويقطع السبل على قوافلهم الناقلة الحجاج إلى الحرمين حتى قبض على وفد هندي مرسل في مهمة سياسية إلى بيازيد، واستولى على أدنة وترسوس، وكانتا في حوزة العثمانيين.

أما بيازيد فكان واقفا بالمرصاد ينتحل حجة لمهاجمة المصريين، فجاءت تلك الإجراءات طينة على عجينة، إلا أنه رأى أن يأتيهم من باب الحزم، فأنفذ إليهم رسلا في طلب التعويض عما سببوه من الخسائر والأضرار. فأرجع قايت باي الرسل، وبعث يهاجم الجيوش العثمانية فقاومته أشد مقاومة، وأرجعت جيشه إلى ملاطية، فأنجدهم قايت باي بخمسة آلاف رجل، فعادوا إلى العثمانيين وهم في مضايق الجبال فهجموا عليهم بغتة، وذبحوا منهم عددا كبيرا، وفر الباقون وتحصنوا في ترسوس وأدنة. فاتصل ذلك بقايت باي فأرسل الأمير الأزبكي في نجدة لإخراج العثمانيين من تينك المدينتين، فسار وحارب وفاز.

فشق ذلك على بيازيد، وآلى على نفسه إلا أن يسترجع ترسوس وأدنة؛ فأنفذ جيشا كبيرا تحت قيادة صهره أحمد وهو ابن أمير البوسنة - ولد في ألبانيا، ثم أسلم، وأخذ يرتقي في أعمال الدولة حسب استحقاقه حتى تمكن مع صغر سنه، وكونه غير مولود في الإسلام من قيادة هذه الحملة لمحاربة الجيوش المصرية - فلما وصل إلى معسكر الأزبكي اقتتل الجيشان فهجم أحمد هجمة قوية، لكن رجاله لم يستطيعوا الثبات ففازت الجيوش المصرية، وأسر أحمد بعد أن جاهد جهادا حسنا، فعاد الأزبكي بأسيره إلى مصر ظافرا فبنى جامعه المشهور المعروف بجامع الأزبكية، وكانت في أيامه بركة يتجمع إليها الماء في أيام الفيضان، وستأتي كيفية تحويلها إلى ما هي عليه الآن.

فلما بلغ بيازيد ما كان من انكسار جيوشه استشاط غضبا، وجند جندا كبيرا جعله تحت قيادة علي باشا؛ لمحاربة المصريين، فسارت تلك الحملة من الأستانة فعبرت البوسفور في 3 ربيع آخر سنة 893ه ونزلت في قرمان. فاتصل خبرها بقايت باي فأوجس خيفة فعمد إلى المصالحة؛ فأنفذ إلى بيازيد صهره أحمد واسطة لعقد شروط المصالحة. فرفض بيازيد ذلك رفضا كليا، وسار حتى التقى بالمصريين في أدنة وترسوس فحاربهم وفاز عليهم، واسترجع المدينتين الواحدة بعد الأخرى بعد أن أهرق دماء غزيرة. ثم سار إلى أرمينيا وأخضعها، وحاصر عاصمتها فافتتحها بعد أن دافعت دفاعا قويا، وأسر حاكمها، وأرسله بعد ذلك إلى مصر بدلا من الأمير أحمد.

Unknown page