Tarikh Misr Hadith

Jurji Zaydan d. 1331 AH
186

Tarikh Misr Hadith

تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

Genres

شكل 10-14: نقود العادل وعليها اسم الخليفة الناصر.

شكل 10-15: نقود نحاسية للملك العادل. (5) سلطنة الملك الكامل بن العادل (من سنة 615-635ه/1218-1238م)

وبلغ الملك الكامل موت أبيه وهو بمنزله بالعادلية فاستلم زمام الأحكام، أما الصليبيون فألحوا في القتال، ولا سيما عندما علموا بموت الملك العادل، وقطعوا السلاسل التي كانت تتصل بالبرج؛ لتجوز مراكبهم في بحر النيل، ويتمكنوا من البلاد. فنصب الملك الكامل بدل السلاسل جسرا عظيما في عرض النيل فقاتل الصليبيون قتالا شديدا إلى أن قطعوه، وكان قد أنفق عليه وعلى البرج ما ينيف على سبعين ألف دينار.

وكان الكامل يركب في كل يوم عدة مرار من العادلية إلى دمياط؛ لتفقد الأحوال، وإعمال الحيلة في مكايدة الأعداء، فأمر أن تغرق المراكب في النيل؛ لتمنع الصليبيين من سلوكهم فيه، فعمد هؤلاء إلى خليج هناك يعرف بالأزرق كان النيل يجري فيه قديما فحفروه وعمقوا حفره، وأجروا فيه الماء إلى البحر المالح، وأصعدوا مراكبهم فيه إلى بؤرة على أرض جزيرة دمياط مقابل المنزلة التي فيها السلطان ليقاتلوه من هناك. فلما صاروا في البؤرة قاتلوه في الماء، وزحفوا إليه مرارا فلم يظفروا منه بطائل، ولم يتغير على أهل دمياط شيء؛ لأن الميرة والإمداد متصلة إليهم، والنيل يحجز بينهم وبين عدوهم، وأبواب المدينة مفتوحة ليس عليها من الحصر ضيق ولا ضرر، وكانت العربان تتخطف الصليبيين في كل ليلة حتى منعوهم من الرقاد خوفا من غاراتهم؛ فقوي طمع العرب في الصليبيين حتى صاروا يخطفونهم نهارا، ويأخذون الخيم بمن فيها. فكمن لهم الصليبيون عدة كمناء، وقتلوا منهم خلقا كثيرا فكفوا عن ذلك. ثم أدرك الناس الشتاء، وهاج البحر على مخيم المسلمين وأغرقهم فعظم البلاء، وتزايد الغم، وألح الإفرنج في القتال حتى كادوا يملكون. كل ذلك والملك الكامل يرسل الرسل إلى الجهات ينادي بإخوته مددا، ويستنجد أهل الإسلام على النصارى، ويخوفهم من غلبة الإفرنج، ولا من مجيب.

وفي أثناء ذلك ظهر في رجال الكامل ثورة زعيمها عماد الدين أحمد بن المشطوب أحد كبراء رجاله على أن لا يقبلوا الكامل عليهم سلطانا بعد أبيه، وكان ذلك باتفاق مع أخيه الملك الفائز؛ فوقع الملك الكامل في حيرة، وأوجس خيفة على مركزه، ولم ير من ينجده فسار من العادلية إلى قرية تدعى أشمون طناح (أشمون نطاح) فأصبح العسكر بغير سلطان؛ فركب كل إنسان منهم هواه، ولحقوا بالكامل، ولم يقفوا لأخذ شيء من خيامهم وذخائرهم وأموالهم وأسلحتهم.

شكل 10-16: منجنيقات لرمي الحجارة في الحرب كما ترمى القنابل بالمدافع اليوم.

كل ذلك والصليبيون في البر الثاني لا يدرون، وفي 20 ذي القعدة سنة 615ه بلغهم ما كان من أمر المسلمين فعبروا النيل إلى بر دمياط (البر الشرقي) آمنين بغير منازع، وغنموا ما في عسكر المسلمين مما تركوه من أمتعتهم وغيرها خارج المدينة، وكان شيئا لا يحيط به الوصف، وحاصروا دمياط، وأهلها يرمونهم عن أسوارها بالنبال، وهم يرمون أسوارها بالحجارة الضخمة من المجانيق. فلما بلغ السلطان الكامل ذلك داخله وهم عظيم، وكاد أن يفارق البلاد؛ لأنه لم يعد يثق بنفسه، ولا بمن حوله.

أما مدينة دمياط فبقيت محاصرة، وقد شدد الصليبيون عليها الحصار برا وبحرا، وكانت سنة ليس أشد منها وطأة على المسلمين، وقد أخذ اليأس منهم مأخذا عظيما، وهم في ذلك الشأن وفدت عليهم نجدة من الشام تحت قيادة الملك المعظم عيسى أخي الملك الكامل، وكان قد تولى دمشق بعد أبيه العادل، فلما علم بما حصل لجيوش أبيه بعد وفاته أتى في عدة من رجال الشام فأطلعه الكامل على صورة الحال سرا، وأسر إليه أن رأس هذه الطائفة ابن المشطوب فجاء الملك المعظم يوما على غفلة إلى خيمة ابن المشطوب، واستدعاه فخرج إليه فقال له: «أريد أن أتحدث معك سرا في خلوة.» وسار معه، وقد جرد المعظم جماعة ممن يعتمد عليهم ويثق بهم، وقال لهم: «اتبعونا» ولم يزل المعظم يشاغله بالحديث، ويخرج معه من شيء إلى شيء حتى أبعده عن المعسكر، ثم قال له: «يا عماد الدين، هذه البلاد لك، ونشتهي أن تهبها لنا.» ثم أعطاه شيئا من النفقة، وقال لأولئك المجردين: «تسلموه حتى تخرجوه من الرمل.» فلم يسعه إلا امتثال الأمر لانفراده، وعدم القدرة على الممانعة في تلك الحال.

ثم عاد المعظم إلى أخيه الكامل وعرفه صورة ما جرى. ثم جهز أخاه الفائز المذكور إلى الموصل؛ لإحضار النجدة منها ومن بلاد الشرق فمات بسنجار، وكان ذلك خديعة لإخراجه من البلاد. فلما خرج هذان الشخصان من العسكر تحللت عزائم من بقي من الأمراء الموافقين لهما، ودخلوا في طاعة الملك الكامل كرها لا طوعا.

وبعد يسير عاد الملك المعظم إلى دمشق؛ لينظر في أحوال رعيته. ثم خشي من الصليبيين إن امتلكوا دمياط أن يمدوا يدهم إلى أورشليم فتقوى سلطتهم، فأمر بهدم أسوارها حتى إذا ملكوها لا تزيد قوتهم شيئا يستحق الاعتبار. هذا والصليبيون قد ضيقوا على دمياط، ومنعوا القوت من الوصول إليها، وحفروا على معسكرهم المحيط بدمياط خندقا، وبنوا عليه سورا، وأهل دمياط يقاتلونهم أشد القتال ويمانعونهم، وقد غلت عندهم الأسعار لقلة الأقوات، والملك الكامل كان لا يزال في أشمون ينظر إلى دمياط وهي محصورة، ولا يقدر أن يصل إليها، وخشي أخيرا أن ييأس أهلها من المساعدة فيسلموا المدينة، فانتدب أحد الجاندارية المدعو شمائل للدخول إلى دمياط؛ لينشط من فيها، ويعدهم بالإنقاذ. فكان يسبح في النيل إلى أن يصل إلى أهل دمياط فيوصل إليهم الأخبار، ويطمئنهم ويعود، وبقي على ذلك مدة فحظي عند الكامل، وتقرب منه حتى جعله واليا على القاهرة، وإليه تنتسب خزانة شمائل القاهرة، وفي أثناء حصار دمياط قاسى المسيحيون في داخلية البلاد اضطهادا شديدا، وكان في الإسكندرية كنيسة قديمة البناء على اسم القديس مرقس فهدمها المسلمون؛ لئلا يباغت الصليبيون الإسكندرية من أجلها فيتخذونها حصنا؛ لأنها كانت حصينة البناء كثيرة الأعمدة، وجعلوها بعد ذلك جامعا، ولا تزال آثارها إلى هذا العهد بقرب باب القباري. (5-1) فتح الصليبيين دمياط

Unknown page