Tarikh Misr Hadith

Jurji Zaydan d. 1331 AH
183

Tarikh Misr Hadith

تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم

Genres

إلا أن الملك العادل لم يلبث أن بكته ضميره فأعادوا الملك إلى ابن أخيه الأفضل، وتنازل أيضا عن حصته الأصلية. إلا أن العزيز لم يتمتع بالملك مدة طويلة فتوفي في القاهرة في 21 محرم سنة 595ه، وكان ملكا مباركا كثير الخير واسع الكرم محسنا إلى الناس يقرب أرباب الخير والصلاح، ولكنه كان ضعيف الرأي سهل الانقياد قليل التروي، وكان له عشراء من ذوي الخفة فأشاروا عليه يوما أن يهدم أهرام الجيزة. فأمر بهدمها حالا، وبعث إليها بالعملة فابتدأوا بالهرم الثالث منها وهو أقلها متانة ويعرف بالهرم الأحمر. قال عبد اللطيف البغدادي وقد زار مصر على إثر ذلك: «وحينما شاهدت المشقة التي يجدونها في هدم كل حجر سألت مقدم الحجارين فقلت: لو بذل لكم ألف دينار على أن تردوا حجرا واحدا إلى مكانه وهندامه هل يمكنكم ذلك؟ فأقسم بالله إنهم ليعجزون عن ذلك ولو بذل لهم أضعافه.» وقد شوهوا وجه الهرم تشويها، ولم يهدموا منه إلا قسما صغيرا جعل في الهرم خرقا لا يزال ظاهرا فيه.

ثم ارتأى الملك العزيز مشروعا آخر جاء بنتيجة أقبح من تلك، وذلك أن أيام الفيضان في مصر - وخصوصا في القاهرة - تعد من أيام النزهة؛ لجريان المياه في الترع والخلجان ولا سيما خليج مصر فإنه يجري مخترقا المدينة. فكان الناس يخرجون في ذلك الحين في صغار القوارب للنزهة في مجاري المياه ليلا ونهارا يتمتعون بنعمة ربهم فيقيمون الولائم ويضربون الموسيقى، وكان الحاكم بأمر الله قد حاول مرات عديدة إبطال هذه العادة فلم يقدر؛ لأن الناس أبوا إلا التمتع بما وهبتهم الطبيعة من أسباب السرور، فأمر الملك العزيز سنة 594ه بالامتناع عن هذه الاحتفالات امتناعا كليا، واستخدم لتنفيذ أمره هذا طرقا خشنة. فاسترحم الناس إلغاء هذه الأوامر مرات عديدة فلم ينجحوا فجاهروا بالعصيان. ثم عاجلت المنية الملك العزيز فقطعت جهيزة قول كل خطيب.

ومما أتاه الملك العزيز في سلطنته من المظالم أنه أعاد إليها المكوس الظالمة التي كان قد ألغاها أبوه وزاد في شناعتها، وزادت في أيامه المنكرات وترك الإنكار لها، وكثر شرب المسكر وأباحه أولو الأمر والنهي، وتفاحش الأمر فيه إلى أن غلا سعر العنب لكثرة من يعصره، وأقيمت في حارة المحمودية مطحنة لطحن الحشيش المزر، وأفردت برسمه، وحميت بيوت المزر، وأقيمت عليها الضرائب الكثيرة. فمنها ما انتهى أمره في كل يوم إلى 16 دينارا، وحملت أواني الخمور على رءوس الأشهاد في الأسواق فداهمهم غلاء الحبوب لوقوف زيادة النيل جزاء لفحشهم، وآل الأمر إلى وقوف وظيفة الدار العزيزية من خبز ولحم بحيث لم يعد لهم ما يأكلون، وكثر ضجيجهم وشكواهم، فجعل الملك العزيز يغتصب الأرزاق ويضمها إلى اقتيات عائلته، وصارت الأهالي في حال صعبة زادها ارتكاب المنكرات والمظالم صعوبة. إلى أن جاءت المنية منصفة المظلوم من الظالم، وسبب موته: أنه توجه إلى الفيوم فساق فرسه وراء صيد فتقنطر به فأصابته الحمى فحمل إلى القاهرة فتوفي في الساعة الرابعة من ليلة الأحد سنة 595ه. (3) سلطنة الملك المنصور بن العزيز (من 595-596ه/1198-1200م)

وخلف العزيز ابنه ناصر الدين محمد، وعمره 8 سنوات فلقبوه بالملك المنصور، ثم استقدموا عمه الملك الأفضل من سوريا؛ ليكون وصيا على ملكهم الجديد. فقبل وجاء القاهرة ونودي به أتابكا أي وصيا على ابن أخيه إلا أنه لم يتمتع بهذا المنصب؛ لأن عمه الملك العادل قدم بجيش جرار إلى القاهرة وبين حقوقه بالتوصية بناء على أنه جد الصبي الحاكم وعم وصيه. فحاول الأفضل مقاومته فلم ينجح. فحاصره في قصره في القاهرة، ثم فر راجعا إلى حكومته في دمشق مكتفيا بما قسم له.

وترى في شكل

10-11

صورة النقود النحاسية التي ضربت على عهد الملك المنصور بن العزيز.

شكل 10-11: نقود المنصور بن العزيز. (4) سلطنة الملك العادل بن أيوب (من 596-615ه/1200-1218م)

ولما خلا الجو للملك العادل خلع الملك المنصور في شوال سنة 596ه بعد أن حكم 21 شهرا، وتولى سلطنة مصر وسوريا بنفسه، وخلع الملك الأفضل عن دمشق، وما زال حتى جعل جميع من بقي من الحكام الأيوبيين في الإمارات الصغيرة خاضعين لسلطانه، وفي جملتهم ابن أخيه الظاهر ملك حلب فغادرت مملكة صلاح الدين بعد أن انقسمت حصصا إلى مملكة واحدة تحت سلطان واحد. (4-1) مجاعة (سنة 597ه)

وفي السنة التالية حدثت بمصر المجاعة الشهيرة التي وصفها عبد اللطيف البغدادي في رحلته فقال: «وقد يئس الناس من زيادة النيل، وارتفعت الأسعار، وأقحطت البلاد، وأشعر أهلها البلاء، وهرجوا من خوف الجوع، وانضوى أهل السواد والريف إلى أمهات البلاد، وانجلى كثير منهم إلى الشام والمغرب والحجاز واليمن، وتفرقوا في البلاد أيادي سبا، ومزقوا كل ممزق، ودخل إلى القاهرة ومصر منهم خلق عظيم، واشتد بهم الجوع، ووقع فيهم الموت، وعند نزول الشمس الحمل وبئ الهواء، ووقع المرض والموتان، واشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجيف والكلاب والبعر والأرواث. ثم تعدوا ذلك إلى أن أكلوا صغار بني آدم، فكثيرا ما يعثر عليهم ومعهم صغار مشويون أو مطبوخون، فيأمر صاحب الشرطة بإحراق الفاعل لذلك والآكل، ورأيت صغيرا مشويا في قفة، وقد أحضر إلى دار الولي ومعه رجل وامرأة زعم الناس أنهما أبواه فأمر بإحراقهما.

Unknown page