Tarikh Misr Hadith
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
وفي 18 رمضان سنة 386ه توفي العزيز بالله في بلبيس على إثر مرض طويل بالقولنج والحصاة، وعمره 42 سنة وبضعة أشهر، ومدة خلافته 21 سنة وخمسة أشهر ونصف فنقل إلى القاهرة، ودفن في تربة القصر مع آبائه، وكان العزيز كريما شجاعا حسن العفو عند المقدرة، وكان أسمر اللون أصهب الشعر أشهل العين عريض المنكبين حسن الخلق قريبا من الناس لا يؤثر سفك الدماء محبا للصيد ولا سيما صيد السباع، وكان أديبا فاضلا.
ويحكى أن أحد الشعراء نظم قصيدة هجا بها وزيره وكاتب سره فرفعا الشكوى إليه، وطلبا عقاب الشاعر. فاطلع على القصيدة فرأى فيها هجوا به أيضا فقال لهما: «بما أني شاركتكما باحتمال هذه الإهانة فشاركاني بالعفو على هذا الشاعر.»
والعزيز أول من اتخذ وزيرا أثبت اسمه على الطرز، وقرن اسمه باسمه، وأول من لبس الخفين، وأول من اتخذ منهم الأتراك واستخدمهم وجعل منهم القواد، وأول من رمى منهم بالنشاب، وأول من ركب منهم بالذؤابة الطويلة وضرب بالصوالجة ولعب بالرمح، وأول من أقام طعاما في جامع القاهرة لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان، وأول من اتخذ الحمير لركوبه إياها.
وكان للعزيز رغبة في اقتناء الكتب مجاراة لمناظريهم من العباسيين؛ فجمع منها جانبا كبيرا خصص لها قاعات في قصره سماها: «خزانة الكتب» وبذل الأموال في الاستكثار من المؤلفات المهمة في التاريخ والأدب والفقه، ولو اجتمع من الكتاب الواحد عشر نسخ أو مائة نسخة أو أكثر؛ ذكروا أنه كان فيها من كتاب العين للخليل نيف وثلاثون نسخة بخط الخليل نفسه، وعشرون نسخة من تاريخ الطبري، واشتروا النسخة بمائة دينار، ومائة نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد، وكان عدد النسخ المكررة يزداد بتوالي الأعوام حتى بلغ عددها من تاريخ الطبري عند استيلاء صلاح الدين الأيوبي على مصر 1200 نسخة، وكان فيها 3400 ختمة قرآن بخطوط منسوبة محلاة للذهب. فلا عجب إذا قالوا: إنها كانت تحوي 1600000 كتاب في الفقه والنحو والحديث والتاريخ والنجامة والروحانيات والكيمياء منها 18000 كتاب في العلوم القديمة فيها 6500 جزء من كتب النجوم والهندسة والفلسفة خاصة غير أدوات الهندسة والفلك.
على أننا نرى في تقدير تلك الكتب مبالغة، وقد قدرها آخرون بنحو 200000 كتاب، وغيرهم 120000 ونظن في تقديرهم التباسا من حيث المراد بخزانة الكتب أو خزائن الكتب؛ لأن العزيز بعد أن أنشأ خزانته بقصره اقتدى به جماعة من أهله فأنشئوا مثلها في قصورهم. فالظاهر أن المراد بالتقدير القليل عدد الكتب في خزانة العزيز خاصة، وبالكثير عدد ما في خزائن القصور كلها، وبهذا الاعتبار لا يقل عدد الكتب في خزائن القصور عن 1000000 مجلد أو كتاب.
وكان للعزيز عناية كبيرة في خزانته يتعهدها بنفسه حينا بعد حين، وقد رتب لها قيما يتولى شئونها ويجالسه ويقرأ له الكتب وينادمه، وممن تولى ذلك أبو الحسن الشابشتي الكاتب المتوفي سنة 390ه.
ومن آثاره: أنه أسس جامع الحاكم فلما جاء الخليفة الحاكم أتمه. (3) خلافة الحاكم بأمر الله بن العزيز (من سنة 386-411ه/996-1021م)
ولما توفي العزيز خلفه ابنه المنصور أبو علي فبويع ولقب بالحاكم بأمر الله، ولكننا سنرى أنه لم يحكم إلا خلافا لأمر الله، وكان عمره عند مبايعته إحدى عشرة سنة فكان الوصي عليه الوزير أرجوان فاستأثر بالنفوذ حتى تجاوز الحد.
وكانت مدة حكمه 25 سنة ثارت في أوائلها عصبة ادعى زعيمها أنه من سلالة الخليفة هشام بن عبد الملك بن مروان، وجرى بسبب ذلك خصام وحروب كان النصر فيها متبادلا، وفي المرة الأخيرة قبض على زعيم العصاة وألقي في السجن، وهرب أتباعه. ثم أراد الحاكم أن يبرهن على اختلال شعور هذا الرجل فأركبه جملا، وأركب وراءه قردا وطوفه في المدينة، والقرد لا ينفك عن قرع ذلك الرجل على رأسه إلى أن مات شر موتة.
وفي سنة 391ه أمر الحاكم الناس بأن يوقدوا القناديل على الحوانيت وأبواب الدور والمحال والسكك الشارعة وغير الشارعة، ولازم الركوب في الليل، وكان ينزل في كل ليلة إلى موضع موضع، وإلى شارع شارع، وإلى زقاق زقاق، وصار الناس من الزينة والوقود الكثيرة يوصلون ليلهم بنهارهم، فيقضون طول الليل في البيع والشراء، وكان إذا مشى في موكبه أمر حاشيته أن لا تمشي بقربه وزجرهم، وقال: أبعدوا، ولا تمنعوا أحدا مني فكانت تقترب الناس منه، وتحدق به، وتكثر من الدعاء له. (3-1) أطوار الحاكم
Unknown page