Tarikh Misr Hadith
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
ترى أثرا لم يبق من يستطيعه
من الناس في بدو البلاد ولا حضر
مآثر لا تبلى وإن باد أهلها
ومجد يؤدي وارثيه إلى الفخر
أما الموفق فلما تفرق جيشه لم يعد يرى بدا من الإغضاء عن مقاومة أحمد بن طولون إغضاء وقتيا. (1-5) بناء الجامع
وكثر أتباع ابن طولون، ورجال حاشيته، وجنده حتى ضاق جامع العسكر ذرعا عن إحصائهم أيام الجمعة للصلاة، فرفعوا إليه أن يبتني لهم جامعا آخر أكثر اتساعا؛ فاستجاب التماسهم على أن يبتنيه على جبل يشكر، وكان لهذا الجبل شأن ديني عندهم، وكانوا يقولون: إن موسى الكليم ناجى ربه عليه مرارا، وأنه اقتبل في ذلك المكان بعض الشرائع المقدسة، وعزم أحمد أن يجعل ذلك الجامع أعظم ما بني من الجوامع إلى ذلك العهد، وأن يقيمه على ثلثمائة عمود من الرخام. فقيل له: إن مثل هذا العدد لا يتيسر الحصول عليه، وإنه إذا أصر على عزمه لا يترك للمسيحيين ما يقوم ببناء معابدهم، فتردد بين أن يتم مشروعه وأن لا يحرم الطوائف الأخرى من التمتع بحقوقها الدينية في بناء المعابد.
شكل 6-1: جامع ابن طولون.
وكان المهندس المسيحي - الذي تقدم ذكره، ويسمى ابن الكاتب الفرغاني - من ذوي الاطلاع والمعرفة بفن الهندسة وصنعة البناء، وقد أودع السجن لتهمة توجهت نحوه بغير الحق. فلما بلغه ما كان من عزم ابن طولون وتردده كتب إليه من السجن أنه قادر على إتمام مشروعه، وأنه لا يحتاج في ذلك إلى أكثر من عمودين يجعلهما عمودي القبلة. فاستحضره وقد طال شعره حتى نزل على وجهه، وطلب إليه أن يشرح له ذلك؛ فرسم الجامع على الكيفية التي كانت في ذهنه، فجاء كثير الشبه بجامع سامرا. فأعجب ابن طولون كثيرا، وأمر بإطلاقه، وخلع عليه، وجعل تحت أمره مائة ألف دينار، وقال له: أنفق، وما احتجت إليه بعد ذلك أطلقناه لك، وأمر ابن طولون أن يكون بناء الجامع من القرميد والجير، ونهى عن إدخال أي مادة كانت مما يقبل الاشتعال قائلا: «ورغبتي من ذلك أنه إذا طرأ على الفسطاط دمار بالماء أم بالنار، فلا يكون على جامعي بأس فيبقى، ولو دمرت جميعها.»
ولما أتم بناء هيكل الجامع أخذ في زخرفته فبيضه، وعلق فيه القناديل الجميلة النحاسية بالسلاسل النحاسية الطوال، وجعل على أفاريزه آيات من القرآن الشريف لا يزال معظمها ظاهرا إلى هذا اليوم، وفرش الحصر، وحمل إليه صناديق المصاحف، ونقل إليه القراء والفقهاء، ويقال إنه: هو الذي رسم القبلة والمنارة بنفسه، وجعلها منفصلة عنه برواق يحيط بالجامع ويفصل المنارة عن صحن ثان خارجي، وقد هدم بعض هذه المنارة إلا أن الناظر إليها لا يسعه إلا التعجب من عظمتها، ويقال: إن تجاه المنارة المذكورة الباب الكبير، وجعل للجامع 33 شباكا، وأقام بجوار الجامع بناء دعاه دار الإمارة يستطرق إلى الجامع من كوة في جداره القبلي قرب المحراب والمنبر مزين بالستائر، وفي الدار المساند الجميلة والطنافس الثمينة. فكان ابن طولون ينزل في تلك الدار إذا ذهب إلى الصلاة يوم الجمعة فإنها كانت تجاه القصر والميدان، فيجلس فيها، ويجدد وضوءه، ويغير ثيابه، وفي موضعها الآن سوق الجامع.
ومن يزر هذا الجامع اليوم يره خرابا مهجورا، وقد استعملته الحكومة مرارا منازل للحجاج والفقراء فبنوا في قناطره فسدوها، وقد هدم بعض تلك القناطر، وبعض المنارة، وفي صحن الجامع الميضأة، ولا يزال أثر المنبر الخشبي باقيا، وفي جوار المنارة غرف يقال : إنها كانت مصلى أحمد بن طولون وذريته.
Unknown page