وكل ما لدينا من غرام بالتمائم والتعاويذ والأحجبة كحجاب الحب والكره والحفظ، وآلاف التمائم التي تعلق في رقاب الأطفال حتى تطول أعمارهم، كل هذه إن هي إلا عادات ورثناها عن أجدادنا القدماء الذين كانوا لا يسيرون خطوة إلا والتمائم ترافقهم وتحميهم، وزيارة واحدة للمتحف المصري تطلعكم على آلاف التمائم التي استعملها المصريون القدماء.
ويقرب من هذا اعتقاد العامة اعتقادا جازما بالعين وقوة أثرها. فإذا جلست إلى رجل منهم حدثك كيف أن هناك فئة من الناس لا تكاد ترى شيئا تعجب به حتى يحصل له حادث ما، ومن هنا نشأت فكرة تعليق الصحون على مداخل المنازل أو قرون الأغنام أو عروسة القمح على الأبواب. كذا طائفة من التمائم نراها معلقة على العربات وسيارات الأغنياء والمثقفين بشكل خرز أو قلائد توضع دفعا للعين، فهذه الخرافة ورثناها أيضا عن مصر القديمة، فقد وجد في مكتبة معبد الإله حوروس في إدفو كتاب مملوء بالرقى والتعاويذ لطرد العين الشريرة. كما أن هناك أنشودة معروفة للإله تحوت يرجع تاريخها إلى الدولة الحديثة، وقد ورد فيها ما يأتي: «أيها الإله تحوت! إذا كنت تحميني لم تبق بي حاجة إلى الخوف من العين.»
ويعتقد العامة المصريون الأحياء أن هناك ساعات من النهار بل أياما معينة لا يحسن بالمرء أن يأتي فيها عملا؛ لأنها منحوسة، فهذا الاعتقاد في الأيام سعدها ونحسها قديم أيضا؛ إذ كان المصريون القدماء يعتقدون أن الأيام تكون سعيدة أو منحوسة طبقا لما وقع فيها من حوادث سعيدة أو كريهة في أساطيرهم الدينية، فاليوم الأول من أمشير الذي رفعت فيه السماء، وكذا اليوم السابع والعشرون من هاتور الذي عقد فيه صلح بين الإلهين حوروس وسيت وتراضيا فيه على اقتسام العالم، كانا يومين كلهما سعد وبركة. أما اليوم الرابع عشر من طوبة الذي بكت فيه إيزيس ونفتيس على أوزريس فقد كان يوما منحوسا. وكان هذا الاعتقاد من القوة في العصر الفرعوني، بحيث إن كثيرا من الأعمال كالبدء في سفر بعيد أو عقد صفقة تجارية أو ما إليها كان يؤجل من أجل هذه الأسباب، وما زلنا الآن بعد مضي خمسة آلاف سنة تؤجل أشياء لهذا السبب عينه.
وقد اعتدنا في ليلة شم النسيم أن نعلق البصل فوق الأماكن التي ننام فيها أو نضعه تحت الوسادة، وفي الصباح نكسر البصل ونشمه. وفي بعض القرى يعلقون هذا البصل على باب المنزل. فهذه العادة مصرية قديمة؛ إذ كان الناس في عيد الإله «سكر» إله الموتى في مدينة منفيس يدورون حول جدران هذه المدينة، وقد علقوا البصل حول رقابهم، كما كانوا يعلقون البصل حول أعناقهم في الليلة التي تسبق هذا الاحتفال.
وعند «چ. چ. فريزر» أن السحر يقوم على قانون العطف؛ أي على فرض أن أشياء تعمل على نقيضها على مبعدة خلال عروة سرية بسبب وجود التشابه بين شيء وآخر، أو أنهما كانا في وقت ما متصلين أو أن أحدهما كان جزءا من الآخر، وأن السحر نظام قد نشأ في الجماعة ورافق وجودها؛ أي إنه لا ينشأ مع الفرد الواحد؛ إذ إنه لن يعرف السحر في مكان غير مأهول.
أما الطلاسم وهي إحدى فروع السحر، فإن القول بأن حلها يؤدي إلى فتح الكنوز فقد يكون هذا صحيحا؛ لأن هناك رموزا أفضى تفسيرها إلى معرفة أماكن ومناجم معدنية، قبل ما عرف عن مواطن الآثار القديمة وكنوزها ومناجم الذهب والمعادن النفيسة. أما غير هذا فهو احتيال على العقول.
وقد ورد السحر في التوراة حين ذكرت السحرة والنبي موسى، كما ورد في أكثر من آية في القرآن خاصة في قصة موسى، وقد نقل كتاب الفلاحة القبطية إلى العربية من الكلدانية في الدولة العباسية، ووضعت مصاحف الكواكب السبعة وكتاب طمطم الهندي في صورة الدرج والكواكب، وقد ألف «جابر بن حيان» كتبا في السحر والكيميا، وألف مسلمة بن أحمد المجريطي في الأندلس كتاب «غاية الحكيم» وهو خلاصة كتب ابن حيان.
وعند «ر. ر. ماريت» أن الدين والسحر شكلان لظاهرة اجتماعية غير منظورة، وأن الإنسان الأول كان يخضع لنظام يعالج ما هو فوق الطبيعة. وفي هذا النظام عناصر كل من السحر والدين ، اللذين كانا شيئا واحدا ثم افترقا فأصبح الدين هو الأعلى وهو المقر به وهو الأكثر حرمة. غير أنه ما بين ما هو سحر خالص ودين خالص، توجد عناصر غير متميزة.
ويروي «دييري» أن سكان أستراليا الوسطى يجتمعون في حفلة يفتحون خلالها فتحة يقيمون عليها بناء يسع كبار الرجال. أما النساء فإنهن ينظرن إليهم ثم ينسحبن قليلا نحو 500 ياردة. وهنا يتقدم السحرة ويدمون اثنين من الرجال، فيلقيان بأيديهما في الهواء ويأخذ الرجال الآخرون دمهما. أما الدم فرمز للمطر. (2) الشعوذة
وقد جاء في أحد أعداد مجلة «الهلال» أن الشعوذة في اللغة خفة اليد، وأخذ (بضم ففتح) كالسحر يرى معها الشيء في رأي العين بغير ما عليه أصله. والفرق بين الشعوذة والسحر أن الأخير هو عمل شيء فيه مناقضة لنواميس الطبيعة وخروج على قيودها. والمراد منه في الغالب إخراج الباطل في صورة الحق. وفي بعض كتب اللغة أن السحر هو ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان. على أن العلم ينكر السحر؛ لأنه يقوم على مخالفة نواميس الكون، فإذا كانت هذه المخالفة وهمية أو من قبيل الخداع البصري فهي الشعوذة والخفة.
Unknown page